ثمة إشكال ينشغل فيه مناوئو (يوم المرأة) والمتوجّسون من الجمعيات ذات التمويل الغربي المتبنية قضاياها في المجتمعات العربية، وهو الاكتفاء بتعداد جوانب تكريم الإسلام للمرأة واستحضار صور مشرقة من عهد النبوة وتاريخ الحضارة الإسلامية. ومنهم من يجد أن خير وسيلة للتصدي لكل الآراء التي تتحدث عن المرأة هي إنكار مظلوميتها في المجتمعات العربية، أو مقارنتها مع نظيرتها الغربية للخلوص بنتيجة مفادها أن المرأة في بلادنا مقدّرة ومصانة الحقوق.
ورغم أن الاستحضار الدائم لمكانة المرأة في الشريعة الإسلامية مهم وضروري، ومثله الدفاع عنها في وجه بعض القوانين التي تعارض نصوصاً واضحةً في الإسلام، إلا أن هذا غير كافٍ، لأن روح الإسلام مغيّبة بدرجة واضحة عن التطبيق في التعامل مع المرأة في المجتمعات العربية، وبالتالي ينبغي أن يتجاوز دور العلماء والمفكرين حدود تبيان نصوص الشريعة إلى محاولة التغيير، وهدم الموروثات الاجتماعية التي أساءت للمرأة مثلما أساءت للإسلام، وفاق خطرها أحياناً تلك القوانين والتوصيات غربية المنشأ التي نتصدى لها.
إذ لو كانت مبادئ الإسلام متجليةً في واقعنا كما ينبغي لكان واقع المرأة خالياً من الظلم والاضطهاد، ولما تحوّلت قضية المرأة إلى سلعة للتجارة ومصدراً لتمويل قطاعات غير قليلة منشغلة بها وفق نمط شعاراتي بائس.
لا ينبغي أن ينحصر تناول قضية المرأة بين المتاجرين بها ومنكري مظلوميتها، إنما لا بد من وجود خط ثالث يتعامل مع القضية بواقعية وفهم وتجرّد، فيلاحظ جوانب الخلل فيها، ويتحرّى احتياجات المرأة الحقيقية، والتي قد تكون أبسط بكثير من ركام الشعارات والتنظيرات التي تنادي بها جمعيات المرأة.
ولأن هذه القضية لا يمكن أن تسير منفردة بمعزل عن مكوّنات المجتمع كلّها، فإن كثيراً من برامج الدفاع عن المرأة ينبغي أن تستهدف الرجل، الذي متى فهم ووعى ما للمرأة من حقوق، وأنها إنسان كامل الأهلية فسيتخلص من الموروثات الاجتماعية الفاسدة التي تتحكم في عقليته.
ليست قضية المرأة ولن تكون حجم تمكينها من مواقع صنع القرار، أو كم يلزمنا من وجوه نسائية لتزيين مؤسساتنا أمام الرأي العالمي، لأن المرأة كما الرجل ينبغي أن تنافس بكفاءتها وجدارتها وأهليتها على موقع تشغله.
وليست قضية المرأة عدد القوانين الجامدة المفصلة لصالحها دونما اعتبار لجوانبها السلبية الأخرى، والتي قد تخالف نصوصاً شرعية واضحة أو تصطدم بالفطرة السوية.. إنما القضية أن تظفر المرأة بمكانتها تلقائياً بعد تخليص المجتمع من رواسب الجهل والتناقض، وتربية الأجيال على مفاهيم صحيحة فيما يخص الرجل والمرأة والأسرة، فما فائدة أن تكون حقوق المرأة مجسّدة فقط في أوراق من يدافعون عنها أو في نصوص الشريعة مع غيابها عن الواقع؟
إشكاليات المرأة موجودة، لكن علاجها يتطلب أولاً إيجاد المدخل المناسب لذلك وهو ثقافة المجتمع، وهذه الثقافة لن يغيّرها تنظير على النمط الغربي، ولا إغراق في استحضار التاريخ أو الاجتهاد في إثبات مكانة المرأة في الإسلام دون خطوات على طريق التغيير، لأنّ مجتمعاً يرى في الإسلام شعائر تعبّدية وحسب، لن يلاحظ أنه يسيء لرسالته حين يساهم في ظُلم المرأة منحازاً إلى عاداته دون شرائعه، أو منتقياً منها ما يناسبه، ومغفلاً قيم العدالة والكرامة التي تقررها.
وفيما يخصّ المرأة الفلسطينية، أو تلك التي تعيش في ساحات محتلة أو مضطهدة، فإن قضية المرأة الأهم هنا تبقى دعمها في مواجهة آثار الانتهاكات الواقعة عليها وعلى أسرتها، نفسياً ومادياً واجتماعيا، ذلك أن المجتمع كثيراً ما يُحمّلها أعباء إضافية فوق الأثمان التي تدفعها وهي في موقع الضحية للاحتلال أو الاستبداد.
قد يبدو عسيراً ترتيب أولويات الحركة النسائية العربية أو الفلسطينية، لأسباب عديدة منها التباين الفكري الواسع بين المهتمات بقضية المرأة، ومنها ما يتعلّق بأجندة الجهات الممولة نشاطاتِ المؤسسات الفاعلة في هذا المجال. إنما يبقى التوافق على قاعدة الحد المشترك منوطاً بالجدية في معرفة احتياجات المرأة الأهم، ومواطن ظلمها الحقيقية لا المتخيلة، وعوامل نهوضها الأساسية لا تلك الهامشية التي يتم عادة الانشغال بها أكثر مما يلزم، ودون فائدة أو تغيير.