واشنطن - قدس الإخبارية: كشف تحقيق أعدته صحيفة "العربي الجديد" عن طبيعة المهام الموكلة لبائعات مستحضرات التجميل المتجولات في الولايات المتحدة الأمريكية اللواتي تبين أنهن مرتبطات بأجهزة المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" و"الموساد" واللواتي يستهدفن بالدرجة الأولى الزبائن الذي يحملون الملامح الشرقية في مختلف الولايات الأمريكية.
اصطياد أصحاب الملامح الشرقية
ويوثق التحقيق، تعمد تلك الفتيات الإسرائيليات اصطياد زبائن يحملون الملامح الشرقية، توقفهم بابتسامة عريضة وتعرض عليهم عبوات مجانية أو تجريب العبوة لإثبات جودة المستحضر.
"هذا الأسلوب الذي وإن بدا في ظاهره أمراً مألوفاً في استراتيجية تسويق أي بضاعة، غير أنه يبعث على الريبة في الأسواق الأميركية، التي نادراً ما يعمد أصحاب المحلات إلى تقديم عبوات مجانية للمتسوقين"، كما يقول الدكتور حامد الفقي، الطبيب الأميركي من أصل عربي، والذي تعرض لذات التجربة في أكثر من مركز تسوق في منطقة شمال فيرجينيا، والتي تعد من مناطق تمركز العرب والمسلمين، في أميركا وبها مركز دار الهجرة الإسلامي، وهو من أكبر المساجد تأثيراً في القارة الأميركية.
وتلك المنطقة لا تبعد سوى دقائق عن العاصمة واشنطن، وتوجد بها السفارات والوزارات الفيدرالية والمراكز البحثية، التي يعمل عدد كبير من العرب والمسلمين بها، إذ تأتي نسبة المهاجرين العرب والمسلمين في المنطقة بالمركز الخامس على مستوى أميركا، وفقاً للتعداد السكاني من مكتب الإحصاء الأميركي والتعداد الديني العقائدي، الصادر في منتصف عام 2014.
ويشير الفقي إلى أن "عدداً من البائعات يتحدثن اللغة العربية وكانت من بين الأسئلة التي طرحت علي حول جنسيتي، وطبيعة عملي وما إذا كانت له علاقة بالمؤسسة العسكرية الأميركية".
ويؤكد هشام محمد، الأميركي من أصول مصرية، والذي يعمل مهندس كمبيوتر في وزارة الأمن الداخلي بمدينة واشنطن، أنه يتجنب الاقتراب من هذه الأكشاك أثناء تسوقه في المراكز التجارية وذلك بسبب شعوره بالريبة من أسئلة البائعات التي لا تتوقف حول طبيعة ومكان عمله. بدورها، عبرت رندة نحلاوي، الأميركية من أصل سوري، عن تذمرها من أسئلة بائعات مستحضرات تجميل منتجات البحر الميت حول أصولها العربية وطبيعة عملها وإن كانت تعمل في وزارة الدفاع الأميركية ومحاولة التقرب منها بشكل شخصي.
بنتاغون سيتي
وتوثق الصحيفة محاولات بائعة إسرائيلية في "مول بنتاغون سيتي" في حي أرلنجتون شمالي فيرجينيا، سؤال معد التحقيق عمَّ إذا كان يعمل في القوات المسلحة، عقب دعوته لتجريب منتجات البحر الميت.
ويرتاد المول، القريب من وزارة الدفاع، العديد من موظفي وزارة الدفاع الأميركية ومهندسي شركات الأسلحة الموجودة في حي كريستال سيتي.
قبل أيام وصلت البائعة صافيل إلى أميركا قادمة من "إسرائيل"، كما قالت لمعد التحقيق، متابعة أنها تعمل مهندسة كمبيوتر، لكنها لم تجب على سؤال ما الذي دعاها لترك عملها والانتقال لمجال آخر.
ضباط الجيش الأميركي هدف لعملاء الموساد
وينقل التحقيق عن الصحافي الأميركي "وين مادسن" قوله: إنه "ليس من الصدفة أن تتمركز فتيات إسرائيليات يبعن مستحضرات تجميل البحر الميت في مركز "ماك أرثر" التجاري الذي لا يبعد سوى أمتار عن قاعدة نورفوك البحرية النووية.
مادسن كان قد نشر تقريراً في صحيفة "واشنطن بوست" يحذر فيه من أن فتيات الأكشاك الإسرائيليات يحاولن التقرب من أفراد البحرية الأميركية وسؤالهم عن وظيفتهم وأماكن تمركزهم، بل أن الكثيرات منهن يحاولن إقامة علاقات أكثر قرباً وحميمية معهم.
وكشف مادسن أيضاً، في تقريره الذي نشر في 2009، بأن غالبية بائعات الأكشاك ما زلن في الخدمة العسكرية الإسرائيلية أو في الاحتياط أو في المخابرات الإسرائيلية، وأن كثيراً منهن يقمن بالطرق على أبواب منازل العسكريين القاطنين قرب القاعدة للتظاهر ببيع لوحات فنية عالية القيمة تبين فيما بعد أنها لوحات رخيصة ومقلدة.
الكولونيل عمر خالد (اسم مستعار) من أصل عربي يعمل بالبنتاغون، رفض الإفصاح عن هويته لدواع أمنية، كشف لـ"لعربي الجديد"، عن تحذيرات تلقاها من التعامل مع بائعات الأكشاك تجنباً للوقوع في مخالفة قانونية عسكرية تضر بتصريحه الأمني security clerance، باعتباره ملزماً قانونياً بتقديم تقرير أمني في حال حديثه مع عملاء استخبارات من دولة أجنبية على اعتبار أن هوية البائعات معروفة لدى المؤسسات الأمنية الأميركية بأنهن عميلات للموساد، مؤكداً أنهن يستوقفن العرب من ذوي الملامح الشرقية من سن الثلاثين إلى الخمسين والأميركيين من الشباب ذوي البشرة البيضاء من سن 19 بحكم التحاقهم بالخدمة العسكرية مع بلوغ هذه السن.
ويؤكد الصحافي والمحلل الأمني بوب ساندرز، لـ"العربي الجديد"، أن بائعات الأكشاك معروفات في الأوساط الإعلامية الأميركية بأنهن عملاء للموساد وأن اسرائيل معروفة بأنشطتها الاستخباراتية في الولايات المتحدة للتجسس على العرب والإيرانيين في البلاد وأن إسرائيل لديها تاريخ طويل من التجسس على أميركا. وأضاف ساندرز أنه غالباً ما تتغاضى السلطات الأميركية عن أنشطة التجسس الاسرائيلية على أراضيها وحتى لو تم القبض على متورطين متلبسين بتهمة التجسس، إذ يتم ترحيلهم لإسرائيل دون تتبعهم قانونياً.
ويكيليكس
بحسب وثائق لموقع ويكيليكس منشورة في شهر فبراير/شباط 2012، صدرت عن شركة "سترات فور غلوبل انتيليجنس" التي تجمع معلومات في إطار عملها الاستخباراتي لصالح الحكومة الأميركية والوزارات الأمنية وشركات تصنيع الأسلحة، فإن عملاء الموساد يطاردون العسكريين الأميركيين لمعرفة أماكن تمركزهم ووظائفهم العسكرية، ودائماً ما يتمركز هؤلاء في مراكز التسوق القريبة من المواقع العسكرية.
تسريبات أخرى لذات الموقع في أغسطس/آب 2005، كشفت أنه في شهر نوفمبر 2001 تم القبض على العديد من الإسرائيليين من العاملين في الأكشاك المتمركزة في مول "بنتاغون ستي" الواقع أمام وزارة الدفاع الأميركية و"تايسون كورنرمول" القريب من وكالة الاستخبارات الأميركية.
المثير للاستغراب بحسب ذات المصدر أن هؤلاء تم ترحيلهم بعد أن وجهت لهم تهم تتعلق بقضايا الهجرة وليس التجسس في حين أن السلطات الفيدرالية تشتبه بأنهم جواسيس.
غياب المساءلة
يذكر وين ويست، المحلل والخبير في شؤون الإرهاب، أن مول بنتاغون سيتي كان نقطة التقاء الجاسوس الإسرائيلي في البنتاغون لاري فرانكلين، موظف وزارة الدفاع، وموظف في الأيباك (لجنة العلاقات الخارجية الإسرائيلية الأميركية، أكبر لوبي صهيوني في أميركا)، وفي أحد هذه اللقاءات حذر العميل الإسرائيلي موظف الأيباك من أن عملاء إيرانيين سيهاجمون الجنود الأميركيين في العراق إبان الغزو الأميركي للعراق ثم ذهب موظف الأيباك ليطلع رئيسه على تلك المعلومات، والذي اطلع بدوره السفارة عليها.
هذه اللقاءات كانت مراقبة من قبل المباحث الفيدرالية الأميركية التي كانت تتابع مقابلات الموظف الأميركي والعميل الإسرائيلي بشكل سري في مكان التقائهم بفندق ريتز كارلتون الملحق بمول بنتاغون سيتي.
"تقنيات البيع المفترسة"
صحيفة "تايم اوف اسرائيل" أفردت بدورها تقريراً خاصاً عن الشباب الإسرائيلي ونشاطهم والذين يعملون في الظاهر كبائعين متجولين في الأكشاك لبيع مستحضرات تجميل البحر الميت للتمويه على نشاطهم الاستخباراتي، وبحسب ذات الصحيفة فقد كشف موقع ويكيليكس سنة 2009 عن برقية مرسلة من قبل السفارة الأميركية في تل أبيب إلى السفارة الأميركية في روما جاء فيها أن أفراداً يتألفون من عدد كبير من الشبان الإسرائيليين يبيعون منتجات البحر الميت يعملون بتأشيرات سياحية أو تأشيرات عمل مؤقتة منتهية الصلاحية وتأشيرات بهدف التدريب، وهو ما يعد عملاً مخالفاً للقانون الأميركي وقد استقطبت قضايا التأشيرات المخالفة لقوانين العمل في الولايات المتحدة انتباه محققي وزارة الأمن الداخلي ووزارة العمل في الولايات المتحدة.
وبحسب ما جاء في ذات الصحيفة، فإن البرقية المسربة تشرح أيضاً أن إعلانات منشورة في الصحف، تعد برواتب عالية تصل لنحو 5000 دولار، وتدريب المشاركين للحصول على تأشيرة سياحية لدخول الولايات المتحدة.
نشرت "تايم اوف اسرائيل" أيضاً مقاطع مسربة صورت بكاميرات هواة من قبل الشباب الاسرائيلي وهم بصدد تلقي دورات تدريبية على ما سمي بـ"تقنيات البيع المفترسة". ويظهر في أحد المقاطع المسربة مدربون في شركة تدعى أوفرسي، ترسل الإسرائيليين للعمل في الخارج، يقومون بتعليم البائعين في أكشاك منتجات البحر الميت كيفية التصرف في عمليات المبيعات في مجمعات التسوق. وتقول المدربة في الفيديو: "ابدأوا الحديث عبر مجاملة، ثم طلب 10 ثوان من وقت المستهدف، ثم عندما يحتج الزبائن بأن المنتج باهظ الثمن، ادعي حسناً، اليوم الأربعاء، لذلك لدينا حملة تخفيضات لقد فزت معنا".