عبّر التيه الفلسطيني الذي سبق الموجة الانتفاضية الحالية التي اندلعت على خلفية الاعتداءات على المسجد الأقصى؛ عن نفسه مجددًا في تقييم ما جرى ويجري هذه الأيام، إذ حذّر الرئيس والسلطة من انزلاق الوضع إلى انتفاضة وجرّها إلى دائرة العنف التي تريدها إسرائيل وبعض الأطراف الفلسطينية، بينما "حماس" وغيرها من الفصائل أعلنت النفير العام ودعت إلى انتفاضة عارمة تزلزل الأرض تحت الاحتلال، فيما دعا خضر عدنان إلى انتفاضة حرية واستقلال وليس انتفاضة من أجل استئناف المفاوضات، وتعرض لموجة نقد عاتية وصلت إلى التشكيك به، متجاهلة النموذج الذي يمثله والصمود الأسطوري الذي عبّر عنه.
وهناك من دعا إلى انتفاضة سلمية وحذّر من انتفاضة مسلّحة. كما حذّر البعض من زجّ الأطفال في المعارك، ومن كل المواجهات على الحواجز ونقاط التماس التي وقودها الفلسطينيون بينما يتعرض الإسرائيليون في المقابل لخسائر قليلة، بينما اعتبر آخرون أن الانتفاضة ليست لنا، لأنها انتفاضة المستوطنين وليست انتفاضة فلسطينية، ولأنها انتفاضة لتحريك الموقف واستئناف المفاوضات كما تأكد ذلك من خلال حديث الرئيس بأنه يريد الحل السياسي واستئناف المفاوضات وإحياء خارطة الطريق!!!، وهناك من قال بأننا سننهزم في ظل القيادة الحالية في كل الأحوال سواء بانتفاضة أو من دونها.
السؤال: هل تختار الضحية متى تموت وهل من حقها أن تدافع عن نفسها، أم أن الجلاد هو الذي يختار؟ فإسرائيل بجنود احتلالها وبقطعان مستوطنيها المسلحين هم الذين يفرضون المعركة على الفلسطينيين، وعلى الفلسطينيين الاختيار بين هل سيقاومون أم يستسلمون أم ماذا يفعلون؟ وماذا يقترح عليهم المثقفون والنخبة والسياسيون؟
من حق الفلسطينيين طالما تعرضوا للاعتداءات الدفاع عن أنفسهم بالحجر وكل ما تصل إليه أيديهم، بما في ذلك البندقية إذا استطاعوا إليها سبيلًا. فالمستوطنون الذين نفذوا 11 ألف اعتداء على الفلسطينيين خلال السنوات العشر الماضية، إضافة إلى أكثر من ألف اعتداء خلال الأشهر الأخيرة، يقومون باعتداءاتهم قبل الموجة الانتفاضية الأخيرة وبعدها، ولكن هذا الصمود وتلك الموجات يمكن أن تربكهم أو تردعهم إذا وجد الهدف والتنظيم والقيادة التي تبادر لقيادة الانتفاضة وتوظيفها، لا الخوف منها والعمل على احتوائها، فليس كل يوم تندلع فيه انتفاضة أو موجة انتفاضية. وإذا توفرت لها وحدة ميدانية تمهيدًا لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وتشكيل جبهة وطنية واحدة وقيادة وطنية واحدة.
بدلًا من تذكيرنا بملكة هولندا التي تساءلت عن وجود الأطفال الفلسطينيين بمقربة من دبابات الاحتلال، وتناسي السؤال عن سبب وجود الدبابات بين الأحياء الفلسطينية وعلى الطرقات، وبدلًا من انتقاد المبادرات الفردية وغير الفردية ، التي تجعل القضية حية وتحاول ملء الفراغ؛ لا بد أولًا من انتقاد القيادة، وفي مقدمتها الرئيس، ثم القوى التي أوجدت الفراغ لعدم تحملها لمسؤولياتها، وبعد ذلك يمكن انتقاد أي ظواهر خاطئة.
الشارع لم ولن ينتظر... فعلى النخبة المثقفة ألا تتقاعس عن حركة الشارع، وعليها أن تتفاعل معها لمزج الوعي بالكفاح، ولتوفير متطلبات تحوّل الموجات الانتفاضية إلى انتفاضة شاملة (ولو بعد حين) قادرة على الانتصار. فكل انتفاضة لنا، وعلينا التفاعل معها، والسعي بكل ما نستطيع لترشيدها ورفدها بالبرنامج والأسباب التي تحتاجها. "الانتفاضة" الحالية لا أبًا لها سوى الشعب بالرغم من ادّعاء الكثيرين بأبوّتها.