(قصة للناشئة)
صحا مسمار من نومه فزعا، تحسس رأسه المفلطح ليتأكد أنه لا يزال سليما غير معطوب، مسح جسده بقماشة جافة، بعد أن بالغ في التأكد من جفافها، فقد تعلّم في المدرسة أنَ الماء عدوه الأول، فالماء يُصيبه بالصدأ، والصدأ يفقده صلابته، ويحوله إلى كائن ضعيف هش، لا يحتمل طرق الشواكيش... فيفقد ما يعطي لوجوده معنى في هذا العالم... أن يكون قابلا للطرق.
كان العفن يحتلُّ جسد مسمار شيئا فشيئا بسبب عدواته المتطرفة للماء، تعايش مسمار مع العفن وإعتبره من طبيعة بيولوجيا الكائنات المسمارية، ومن فعل ذلك الشيء المسمى الزمن، تمضي الأيام فتتغير الأجساد. قام مسمار بعمل تمرينات تقوية عضلات الرقبه الصباحيّة، وتوجه الى المدرسة.
اصطف في طابور الصباح، ردد نشيد المطرقة الوطني، وتوجه عبر الممر الطويل إلى الصف، حدّق في المسامير المزروعة في الجدران كأنه يراها للمرة الأولى، كان كل مسمار يتباهى بما يحمله من لوحات، وبما يُثبته من أشياء. لم يكن مسمار قادرا على الإقتناع بأنّ المصير الطبيعي للمسمار في الحياة، أن تهوي على رأسه مطرقة في يوم ما لتزرعه في جدار ما.
رتابة الحياة، ووضوح المصير المعلوم، فجّرا ينابيع الأسئلة الوجودية في ذهن مسمار، لتتجمع في نهر سؤال واحد: ما معنى أن تكون مسمارا في عالم بدون شواكيش؟.
دفع السؤال مسمار في رحلة مضنية لإكتشاف معنى ذاته ووجوده، ليصل الى معنى للحياة غير مرتبط بكونه قابلا ومعدّا للطرق .تملّى مسمار جسده وقال: رأسي المفلطحة هذه، هي ما تمكّن الشواكيش منّي، وتجعلني أرى ذاتي قابلة للطرق، ولكن! لماذا لا تكون رأسي هي طرفي المدبب؟، بدأ مسمار ينظر إلى ذاته والعالم من رأسه المدبب الحادّ:
" أنا الان غير قابل للطرق"
ستنزلق المطارق إن حاولت أن تهوي على رأسي، وسستصاب بخدوش تجرح سطحها المصقول الذي طالما تباهت به أمامنا.
بدأت مسلمات عدّة تفقد قدرتها على التشبث برأس مسمار المدبب، بعدما كانت مستلقية باسترخاء في رأسه المفلطح المضياف، وماذا عن عدوي اللدود الماء، الذي ينخر قوتي ويكسر قامتي ؟ لم يكن يريدوني أن أبتل لئلا أصدأ، لأنني إذا ما صدأت لن أصلح للطرق، ولكنّ الماء يعني النظافة والتخلص من بقع العفن الكريهة! لما لا يكون الصدأ هو من طبيعة جسدي ومما تجريه علينا الحياة إن عشناها بخيراتنا لا بخيارات الآخرين... أنظر الى كل هذا العفن، الذي صادقته مجبرا بسبب عدواة الماء، يخنق مساماتي ويسدّ منافذ روحي... قفز مسمار في حوض الماء، أصيب بالرعب عندما نظر الى جسده مثنيّا، خرج مذعورا، وما أن خرج حتى عاد جسده سليما، أعاد الكرّة ، واكتشف الخديعة البصرية التي طالما تم إستخدامها في زرع رعب الماء في ذهنه.
وُلِد مسمار من جديد، وفي اليوم التالي لم يذهب إلى المدرسة، وانما قرر الذهاب في رحلة يكتشف فيها العالم حوله، ولكن هذه المرة برأسه الجديد. تعرّف الى سر تماسك مملكة المطارق الكامن في المسامير وأبناء عمومته البراغي، قال في نفسه:
" سيتفكك هذا العالم ويتهاوى لو أن كلّ مسمار فكر برأسه المدبب الجارح لا برأسه المفلطح المهادن".
حملته دروب البحث والكشف إلى مصنع المسامير، وما أن وصل بوابة المصنع حتى بدأ قلبه بخفقان عنيف، كما لو أنه قد أقترب من الإصطدام بحقيقة الحياة والعالم وجها لوجه، تسلل الى داخل المصنع من فتحة في الجدار، وما أن دخل المصنع ، حتى أعمى وهج باهر عينيه... فقد القدرة على الإبصار للحظات، ليفتح عينيه على نهر من الحديد المصهور يشع بهاء وعنفوانا، يتدفق النهر الوهاج ليدخل في "ماكينة" يخرج من طرفها الآخر مسامير حمراء تفقد توهجها شيئا فشئيا الى أن تنطفئ.
"يا الهي من قرر ان يحوّل هذا الجبروت الناري الهادر الى كائنات مسمارية هزيلة،ومن ثم يزرع فيها القناعة بأن الغاية من وجودها هي أن تُدق في الجدران وتثبتَ بها الأشياء! "، لم يتأخر وصول الإجابة، فأثناء جوله بنظره في أرجاء المصنع، وقع نظره على شواكيش ومطارق تضع نظارات سوداء مربعة، تدير بهمة ونشاط مصنع الكائنات المسمارية.