طغت العقلية السحرية على عقول أناس كثر في بلادنا، فحلت الأسطورة الشعبية الوهمية مكان المنطق العلمي فيما يتعلق بجائحة كوفيد19 أو كورونا.
كم من شخص سألني عن تحليلي لما سموه مؤامرة كورونا وإشغال الناس عبر العالم بها؟ وكانت إجابتي باستمرار أن الجائحة ليست مؤامرة ولا هي أسطورة شعوذة، وعلينا ألا نعكس تجربتنا الفلسطينية المليئة بالمؤامرات والخداع والتضليل على جائحة عالمية حقيقية. وفي أغلب الأحيان، كان السائل غير مرتاحا واعتبرني جاهلا بما يجري على الساحة الدولية من أزمة صحية.
النتيجة أن أعداد كبيرة من الناس استهترت بالأمر، وأقنعت نفسها أنه لا توجد كورونا، ولا توجد جائحة، وأخذوا يتصرفون بلا مسؤولية لا تجاه أنفسهم ولا تجاه أفراد عائلاتهم، ولا تجاه المجتمع ككل. ومن الناس من ظنوا أن عودة العالم إلى النشاط الاعتيادي وفتح المؤسسات والشركات يعني انتهاء الوباء.
وكم تحدثنا مع الناس أن الخطر ما زال قائما ويتفاقم مع الأيام، لكن لا أحد يريد أن يصدق كالذي ما زال يشكك بصعود الإنسان إلى القمر.
المحال والشركات والمؤسسات فتحت أبوابها لأن مصالح الناس قد أصيبت بأضرار هائلة، وكذلك الاقتصاد القومي في كل بقاع الأرض، ولم يعد هناك مفر من تخفيف الإجراءات الوقائية لكي يعود الناس إلى أشغالهم وأعمالهم دون الاستهتار بمعايير الوقاية. ضغط حاجات الناس المعيشية كانت أقوى من ضغط استمرار الحجر.
الصين وأمريكا لم تتآمرا على بقية العالم، ولم تخترعا الفايروس. الفايروس هذا، وفق كل الاختبارات العالمية ليس مخترعا. وحتى لو كان مخترعا، ما هي مصلحة الصين وأمريكا في تعطيل الاقتصاد العالمي وهما أكبر اقتصاديتين في العالم؟ خسائر أمريكا الاقتصادية والمالية هائلة جدا واقتصادها مديون.
من المؤسف أننا في كثير من الأحيان نجري وراء أوهام ونترك الحقائق العلمية خلفنا، وعندنا الإشاعة أقوى بكثير من الحقيقة العلمية، وفي كثير من الأحيان نغلف هذه الأوهام بغطاء ديني. وبسهولة يقول الشخص منا إن الأعمار بيد الله، وخلاص توكل على الله، والذي سيحصل سيحصل لا مفر. وليت أحدهم يفسر كيف يتوكل على الله دون أن يعقل. التفكير القدري يلغي دور الإنسان وينزع عنه المسؤولية في الدنيا والآخرة.
كورونا لا علاقة لها بالسياسة ولا باتفاق أوسلو ولا بضم الأغوار ولا بمحمود عباس ولا بنتن ياهو ولا بفتح وحماس ولا بنفنزويلا وإيران وسوريا وحزب الله. كورونا فايروس ينتشر ويعم العالم، والإصابات الآن تعد بالملايين، وما زالت أعداد الإصابات تتزايد والخطر ما زال يطل بقرنيه. وإذا قال اشتية إن هناك معايير وقاية يجب الالتزام بها فهذا هو رأي المختصين في مسائل الطب والصحة العامة، وليس مجرد رأي شخصي له.
أضرار المعايير الوقائية على الناس في كل العالم هائلة وضخمة، والاقتصادات العالمية من الشرق والغرب تضررت، ونحن تضررنا بقدر حجم اقتصادنا. لكن ضررا أخف من ضرر آخر. الاستهتار يجلب علينا الضرر الأكبر، والالتزام برأي العلماء والمختصين أفضل بكثير من الالتزام بالأوهام والظنون.