لم ألتق بأحد اليوم الموافق 12/شباط/2020 إلا سألني عن خطاب عباس الأخير في الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن الدولي، ولتوفير الشرح المتكرر، أقدم النقاط التالية:
اولا: يغلب عادة طابع التباكي والاستجداء على خطابات عباس، وهو طابع يضر ولا ينفع من حيث أن رسالة الضعف والهوان لا تنفع على الساحة الدولية، وهي تحفز الآخرين وبالأخص الأعداء للاستمرار في اعتداءاتهم واستهتارهم بالشعب الفلسطيني. إذا كان الطرف الآخر في المعادلة يؤكد على ضعفه واستنجاده بالآخرين لإسعافه والوقوف معه، فإن الطرف الآخر يستشرس. وهذه هي خبرتنا في الأمور مع الصهاينة عبر السنوات.
ثانيا: يكرر عباس مقولة دولة فلسطينية وأخرى صهيونية، ويكرر مسألة القدس الشرقية، والصهاينة كما الأمريكيون لا يستجيبون للطرح، والاستمرار في طرحه يشكل استفزازا للشعب الفلسطيني الذي لا يؤمن جزء كبير منه بتقسيم القدس ولا بتقسيم فلسطين. لماذا التكرار إذا كان الطرف الآخر يصر على عكس ما تطرح؟
ثالثا: عباس لا يريد أمريكا وسيطا بعد صفقة القرن. لكنه قال إنه لا مانع من أن تكون أمريكا عضوا في هيئة دولية تبحث في إقامة السلام في المنطقة، وضرب الرباعية الدولية مثلا. تتكون الرباعية الدولية من الاتحاد الأوروبي وروسيا وأمريكا والأمم المتحدة. أمريكا كانت دائما الطرف المتحكم بالرباعية الدولية، والآخرون لم يضعوا بصمات على نشاطات هذه الهيئة. وعلى ذات الشاكلة، إذا تكونت هيئة من عشرين دولة، وكانت أمريكا عضوا فيها، فإن أمريكا ستكون مهيمنة.
من الضروري إخراج أمريكا من رؤوسنا نهائيا، ومن المفروض ألا نقبل أي دور لها. لتلعب هي مع الصهاينة كيفما تشاء، لكن مطلوب ألا نفتح لها ملعبنا بأي شكل. الثبات على الموقف خطوة مهمة نحو صلابة الإرادة.
رابعا: قال عباس إنه سيحارب الإرهاب. لو كنت من موزامبيق أو نيبال وسمعت عباس يقول هذا لقلت إنه سيفتح النار على الصهاينة ومن يرعاهم من الأمريكيين ذلك لأن الاحتلال بالتعريف إرهاب ومن يدعم الإرهاب إرهابي. الصهاينة يخضعون المدنيين بقوة السلاح من أجل تحقيق أهداف سياسية، فهم إرهابيون. والأمريكان يدعمون الإرهاب ويرعونه فهم إرهابيون. لكن عباس كان يعني الفلسطينيين الراغبين بمواجهة الصهاينة للأسف الشديد. الشعب الفلسطيني ليس إرهابيا وهو له الحق بمقاومة العدو لأسباب عدة على رأسها أن الدفاع عن النفس حق طبيعي لا علاقة له بقوانين وضعية أو مواثيق. والشرائع الدولية التي يتمسك بها عباس تجيز للذين يقعون تحت الاحتلال مقاومة الجهة التي تحتله بكافة الوسائل بما في ذلك استعمال السلاح الناري. يبدو أن عباس يختار الشرائع التي تحافظ على الكيان الصهيوني، ولا يريد من شعب فلسطين أن يدافع عن نفسه. هذه معادلة صعبة.
خامسا: المفروض أن خمس وعشرين سنة من الفشل الديبلوماسي أن أقنعت السلطة الفلسطينية ومن يقوم عليها بأن هذه الطريق نهايتها الفشل. قالوا عن المقاومة فاشلة بعد خمس عشرة سنة من ممارستها (من 1967 إلى 1982)، ولهذا أداروا لها ظهورهم. أنتم تفاوضون منذ عام 1988 ولا تستطيعون الجدل بأنكم أنجزتم شيئا، فلماذا تتمسكون بالطاولة التفاوضية؟
سادسا: أين حق العودة في الخطاب بالنسبة للاجئين الفلسطينيين؟ وأيضا أين اللاجئون في ساحة الدفاع عن حقوقهم؟ وهذه رسالة للاجئين الفلسطينيين في كل مكان يتواجدون فيه.
باختصار، الخطاب جزء من عملية استنزاف الشعب الفلسطيني معنويا ووطنيا وعاطفيا وأخلاقيا، لكن الشعب باق، وسواعده فقط هي التي تسترد الحقوق.