المسجد الأقصى في صراعنا مع الصهاينة هو الرمز والراية، رغم احتلالِه منذ خمسين عاماً ما تزال هويته رايةً مرفوعةً لم تنكّس، تشهدُ بأن هذا الصراع لم يحسم، رغم 100 عامٍ من العدوان، رغم مجيء بريطانيا بجيشِها وعسكرها لتؤسس هذا الكيان اللقيط على أرضنا، ورغم دعم القوة العظمى أمريكا منذ خمسين عاماً.
ما زال الصمودُ يمنع الهزيمةَ الكاملة، ويراهنُ على مستقبلٍ يتعدلُ فيه ميزان القوى المختل، ويُفتح فيه باب النصر من جديد.
المسجد الأقصى بذلك هو قضيةُ كل فلسطيني وكل عربي، مسلمٌ كان أم مسيحي، إسلاميٌّ أم قومي، فهي ليست قضيةَ الحجرِ كما تميل بعض الأفهام إلى تسطيحها، بل هي قوةُ الإيمان والحضارة والتاريخ في وجه قوة الحديد والنار إذ تعجز عن إلغائها وتتقزم عند أعتابها.
اليومَ إذ يظن الصهاينة أنهم يستغلون الضعفَ والعجزَ والتواطؤَ الرسمي العربي لتقسيمه، يُخطئون في قراءة ميزان القوة الحقيقي، فحضارةُ المادة والحديد والنار تقف عاجزةً أمام فهم قوةِ النص والإيمان والقيَم، فالمسجدُ الأقصى لم يكن محمياً في يومٍ من الأيام بعسكر العرب ولا بمدرعاتهم ولا طائراتهم ولا ألقاب دُوَلهم ولا ممالكهم.
الأقصى يحميه أنه آيةٌ محكمةٌ نزلت من فوق سبع سماوات، يحميه الإيمانُ الذي وقر في القلوب فما زال يُحرّكها بما لا يحدُّه توقّعٌ ولا تخطيط، يحميه أنه كان منتهى الرحلة السماوية لمحمد صلى الله عليه وسلم، وبوابة السماء، فكيف لأمة دمَّر الاستعمار دنياها ولم يبقى لها إلا تطلعُها إلى السماء أن تسلوَ بوابتها ومعراجها؟!
الأقصى تحميه سلسلة من التاريخ تقول بأن أوروبا بممالكها وعسكرها جاءت إليه يوماً فخرجت صاغرةً ذليلة.
اليومَ وقد قرر الصهاينة مستعينين بقرار ترامب أن يخوضوا معركة تغيير هوية الأقصى في موسم أعيادهم الأخير المتبقي لهذا العام، يقفزون في الهواء، ويُقبلون على ما عجزوا عنه في 2015 أمام انتفاضة السكاكين، وعام 2017 أمام هبة باب الأسباط، والفرصة مواتيةٌ اليوم لفرضِ التراجع عليهم من جديد.
فرغم كل الاختلالِ في الميزان، إلا أن قوة الإيمان إن مضت بها الجموعُ وتوثَّبت بها زنودُ المقاتلين النمور كفيلةٌ بأن تسوءَ الوجوهَ وترد الكيدَ وتُفشِل المسعى وتكسِر العدوان وتُذل المعتدي، فهذا كان عهدها منذ بدأ هذا الصراع، وعهدها حتى نصرِ باب الأسباط في 2017، ويجب أن يكون عهدَها حتى يوم التحرير قريباً كان أم بعيدا.