رام الله- خاص قُدس الإخبارية: ترقب وحالة من الخوف والقلق، ساعة ونصف مرت بعد الثالثة عصرا، تساؤلات بدأ يطرحها والدا الطفل أيهم صباح عن سبب تأخره في العودة من مدرسة نور الهدى إلى منزله الكائن في مدينة بتونيا، كل الاحتمالات غير المتوقعة أصبحت تخطر في ذهني والديه، إلا احتمالا واحدا: أن ينفذ أيهم عملية!
في يوم الخميس (18/شباط) دقت عقارب الساعة الثالثة عصرا، الموعد الذي تغلق فيه المدرسة أبوابها، مرّت الدقائق ولم يعد أيهم صباح (14 عاما) إلى منزله، ما أثار خوف والدته التي لم تعهد أن يتأخر نجلها دون أن يبلغها عن سبب تأخره.
في ذلك اليوم كان مفترضا أن يتوجه بسام صباح برفقة زوجته وطفليه: أيهم، وأحمد (11 عاما) إلى بلدة قفين قضاء طولكرم، حيث مسقط رأسه لزيارة عائلته، لكن في تمام الساعة الرابعة هاتفت والدة أيهم زوجها بسام تبلغه عن تأخر عودة نجلهما، طمأنها وقال لها ربما هو في طريقه إلى المحل، وطلب منها أن تحضر برفقة أحمد إلى المحل لينطلقوا من هناك إلى قفين.
مرت نصف ساعة دون أن يصل أيهم إلى المحل الذي اشتراه والده حديثا بمدينة رام الله، ما دفعه للاتصال بنائب مدير المدرسة يسأله عن سبب تأخر عودة ابنه، إلا أن الأخير أبلغ بسام أن أيهم خرج من المدرسة الساعة الثالثة عصرا، إذ كان يلعب كرة القدم مع مجموعة من الطلاب، ورجح أنه خرج برفقة صديق له كان يقول إنه ذاهب لرام الله، دون معرفة من هو ذلك الصديق.
على أمل أن يطل عليهم أيهم، جلست عائلته على الكراسي أمام باب المحل تنتظر، لكن دون جدوى، وفي تلك اللحظات بدأ كل منهم يفكر بالسبب الذي دفع أيهم للتأخر، "ربما تشاجر معه أولاد؟! .. هل تعرض لحادث؟!".
تقول والدة أيهم لـ قُدس الإخبارية، "بالعادة أيهم لا يخرج كثيرا إلا برفقتنا، وإذا حصل وخرج لوحده وأراد أن يتاخر يتصل بي ويخبرني، لكنه عندما يذهب إلى المدرسة لا يأخذ هاتفه ولذلك كنا عاجزين عن معرفة مكانه".
وتضيف أنه في ذلك اليوم تدرب أمام إدارة المدرسة على قصيدة كان يفترض أن يلقيها يوم الأحد في حفل مدرسي للمتفوقين، وطلب من والده بضعة أشياء للحفل.
أما عن صفات أيهم، فهو يمتلك بنية جسدية صغيرة، طيب القلب، حنون، متعلق بعائلته كثيرا، يحرص على نيل رضا والديه، مسالم، هادئ، متفوق بمدرسته وكان دائما يحصل على المرتبة الأولى، كان يتجنب أن يشارك بأي شجار، أو يلجأ إلى الضرب.
في كل عطلة صيفية كان أيهم يذهب برفقة والدته إلى الأردن حيث تقطن عائلتها، وفي العطلة ما بين الفصلين قرر أن يلتحق بمركز "AMIDEAST" لتحسين لغته الإنجليزية، وكان مشاركا بنادي كرة القدم في بيتونيا، لكن عقب اندلاع الانتفاضة توقفت عائلته عند إرساله إلى المركز.
عقارب الساعة تشير إلى السادسة مساء، والخوف والقلق سيدا الموقف، تبع ذلك اتصال هاتفي تلقاه والد أيهم يغير مجرى حياة العائلة.. أجاب بسام وقد بدت على ملامحه علامات الحيرة والاستغراب، بعد أن عرّف المتصل عن نفسه بـ "الكابتن يحيى"، وطلب منه أن يحضر إلى المركز عند حاجز قلنديا، قائلا له: "في خبر مش منيح بدي أحكيلك إياه".
أقسى ما كان يتوقعه بسام أن يقول له الضابط: "اعتقلنا أيهم"، مرجحا أن يكون السبب بسيطا، توجه برفقة زوجته وأخيه إلى الحاجز، دخل لوحده إلى المركز، وهناك بدأ "الكابتن" يوجه له أسئلة عامة.
ساعة كاملة كان خلالها يجلس "الكابتن" على كرسيه ويوجه الأسئلة بكل هدوء "اسمك وأين تقطن بالتحديد أخبرني على "google earth"، ماذا تعمل، متى انتقلت للعيش برام الله، كم ابن لديك؟ من هم أصدقاؤك؟ وأصدقاء أيهم وأحمد؟ تخلل تلك الفترة هدوء، كان يلعب خلالها الضابط بهاتفه.
بعد ساعة من الأسئلة العامة، نهض الضابط وقال لوالد أيهم: "سأخبرك بخبر ما، لكن أريد منك أن تمسك أعصابك"، تساءل بسام: "ما هو الخبر؟!"، فأجاب الضابط سأخرج لخمس دقائق وبعد أن أعود سأخبرك.
بعد دقيقتين عاد الضابط وقال لـ بسام: "بدي أحكيلك اشي مهم، ابنك أيهم عمل عملية"، كان وقع الجملة على والده صادما ما جعله يتساءل بعفوية: "ماذا تقصد بعملية، عملية جراحية!" فأجابه الضابط: "ابنك طعن إسرائيلي وقتله".
حاول والد أيهم أن يستوعب ما قاله الضابط "أيهم، عملية طعن، مستوطن"، فتساءل متعجبا "هل جننت أيهم طفل عمره 14 سنة! يستحيل أن ينفذ ابني عملية، أنا أعرفه جيدا، لو عرضت علي شريط فيديو للعملية لن أصدق".
خرج الضابط من الغرفة، وبعد دقائق عاد ضابط آخر وطلب من والد أيهم أن يخرج من المركز، فسأله: "أجبني أولا ماذا فعلتم بأيهم؟ هل قتلتوه؟ اعتقلتوه؟ فطلب منه مرة أخرى أن يخرج".
في طريقه إلى حيث ينتظره شقيقه وزوجته وقعت عينا بسام عليهما فشاهدهما يبكيان، إذ كانا وأثناء انتظارهما له سمعا خبرا أن الطفلين أيهم صباح وعمر الريماوي نفذا عملية طعن في متجر "رامي ليفي" شرق رام الله، وأن أيهم ارتقى شهيدا.
تضاربت الأنباء بشكل غير مسبوق من قبل الجهات الفلسطينية الرسمية وكذلك المصادر الإسرائيلية حول مصير الطفلين، حتى تم حسمها بالإعلان عن أنهما مازالا على قيد الحياة ووضعهما الصحي مستقر، وأنهما قيد الاعتقال داخل مستشفيين إسرائيليين.
لكن هذا الخبر وإن برّد قليلا من النار في قلب أم أيهم، إلا أنها بقيت ليومين شبه فاقدة للوعي، لا تذكر ماذا جرى من حولها، تحاول أن تتخيل ما حدث هو مجرد كابوس، ستستيقظ منه وترى بجانبها أيهم يعتني بها.
وتحمل العائلة قناعة كاملة بأن طفلها لم يقدم على تنفيذ أي عملية، ومازالت تسأل نفسها: "طفلان يدخلان إلى المتجر بعد تفتيشهما ولا يبدو عليهما أنهما متوتران، هل سينفذان عملية؟ كما أن أيهم عندما خرج من المنزل كان طبيعيا جدا، وقبلها بيوم تحدث مع أحد أقاربه على "الفيسبوك" قال له إننا سنأتي إلى قفين، طالبا منه أن يأخذه معه إلى جامعة النجاح".
ورغم أن العائلة لم تدخل يوما إلى متجر "رامي ليفي" الاستيطاني، إلا أنها تُرجع ذهاب نجلها إليه بترجيح أنه ذهب لشراء حاجيات لأنه يحب الأشياء الغريبة المميزة.
بعد إصابته بعدة إيام سمحت سلطات الاحتلال لوالد أيهم بالحديث معه، قال الأب لابنه: "يا بابا بعرف إنك مظلوم وإن شاء الله قريبا بتطلع"، فأجاب أيهم: "آه يا بابا".
وحسب ما أعلن عنه نادي الأسير سابقا؛ فإن أيهم أصيب في كتفه الأيمن وقدمه اليسرى، ما تسبب بقطع شريان في يده وخضع إثر ذلك لعملية جراحية لزراعة شريان له، وقد بدأ يتحسن تدريجيا لاحقا وأصبح قادرا على السير على قدميه.