كتب: بن وايت – صحافي وناشط في حقوق الإنسان
خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2015 قتلت "إسرائيل" 26 فلسطينياً في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما بلغ متوسط عدد الجرحى قرابة الـ 45 فلسطينياً كل أسبوع. لكن خلال الأسبوعين الماضيين حطموا هذه الأرقام، إذ ارتقى خلال هذين الأسبوعين من الشهداء عدد مماثل لذلك الذي ارتقى خلال الأشهر التسعة السابقة.
وحتى ساعة كتابة هذا المقال فقد استشهد ما يقارب 33 شهيداً منذ الأول من تشرين أول الجاري، سقط غالبيتهم في خضم المواجهات التي اندلعت في نقاط التماس مع قوات الاحتلال. بالإضافة لبعض من سقط من الشهداء في عمليات الطعن والدهس بالإضافة للشهداء الذين ارتقوا بعد عمليات القتل الميداني لهم، (العدد حسب وقت نشر التقرير الأصلي أما بعد ترجمته فقد بلغ العدد 53 شهيدا).
وإذا عدنا بذاكرتنا إلى "الربيع العربي" و"ثورة الياسمين التونسية"، فقد كان الناشط التونسي صدري الخياري، قد كتب مقالاً في 2011 حول قوة العصيان، قال فيه أنه قرأ على مر السنوات العديد من الدراسات المتعلقة بالسياسة التونسية والاقتصاد والمجتمع المدني والثقافي، إلا أنه كان قد أغفل في قراءته جانباً مهما ظهر فجأة في أحداث ثورة تونس ألا وهو "الشعب."
الشعب الذي يقوم بالعصيان، الشعب الذي يقاوم كل يوم في كل تفاصيل حياته اليومية، الشعب الذي نسيه العالم لفترة طويلة، وهو نفسه تكفل بمهمة تذكير العالم به عن طريق إحداث شرخ في سير الحاضر وكتابة تاريخ جديد.
ووفقاً للخياري فإنه "لايوجد عبودية طوعية، والوقت وحده كفيل بتآكل آلة القمع"، فبمرور الأيام ومع ازدياد الظلم، لن يتولد إلا الضغط المتزايد يوماً بيوم ودقيقة بدقيقة. وسرعان ما يواجه الظالم هذا الضغط المتزايد بالتنازلات، التي هي في الأساس خليط من عدم الانضباط والتمرد وأفعال المقاومة المختلفة التي تتكثف وتنفجر في وجه نظام الظلم والاستبداد حين يحين الوقت المناسب لذلك.
ويبدو أن الوقت قد حان مجدداً لمثل هذا الانفجار، لكن ما ينقصنا معرفته حقيقة هو كيفية نهاية هذا الانفجار ونتائجه. وإن كنا لا نزال في خانة التساؤل حول طبيعة الأحداث الجارية في فلسطين الآن وهل هي حقاً بداية لانتفاضة جديدة، فإن الأهم من هذا أن ندرك أننا أمام موجة جديدة من الثورة الفلسطينية ارتفع منسبوها وتكثفت على مدار السنوات الماضية.
تمتاز الثورة الحالية بعفويتها ومشاركة الشباب فيها، بالإضافة إلى تهميش دور الفصائل أو إن صح التعبير رفض الفصائل لتبني أحداثها - في خطوة تعد ذكية منهم -، مما يعني ولادة جيل جديد من الثوار الفلسطينيين الذين يمتازون بعفويتهم وقدرتهم على التحرك الشعبي الواسع.
من جهة أخرى، يستمر الرئيس محمود عباس وقوات أمنه الخاصة بمعارضة الحراك الثوري الأخير وهو أمر لا يثير الدهشة أبداً. لكن وبنظرة عميقة للأحداث فإن السلطة الفلسطينية لا تمثل عائقاً أمام اندلاع موجة الثورة هذه فحسب - بل إنها أحد أهم أسباب اندلاعها.
ولهذا يتحدث الشباب الفلسطينيون عن أهمية إنشاء هياكل تنظيمية "بصرف النظر عن بنيتها السياسية" وذلك بهدف الحفاظ على زخم الانتفاضة وآثارها، بالإضافة إلى ضرورة استمرار عمليات الدعم عبر شبكات التضامن الاجتماعي المنتشرة في فلسطين مما يساعد على توسيع التراكمات الثورية لتصبح حركة اجتماعية.
وكما يمكن أن يكون التاريخ خير وسيلة لفهم الواقع، يمكنه أن يكون خير وسيلة للتضليل أيضاً، فالانتفاضتان السابقتان مختلفتان في طبيعتهما من حيث النشأة والقوى المؤثرة وغيرها من العوامل، وبالكاد هنا نحن تعرفنا على ثلث حكاية هذا الزخم الثوري الحالي.
وبدلاً من النظر بعيداً في التاريخ نحو الانتفاضات السابقة، يمكننا الاكتفاء بالنظر إلى الزخم الثوري الحالي بشكل أفضل من خلال تسلسل زمني مختلف، حيث يبدأ هذا التسلسل باحتجاجات 15 مارس التي تم تنظيمها في عام 2011 والتي انطلقت شرارتها إثر دعوات إلكترونية لبدء الانتفاضة الثالثة.
بالإضافة إلى مظاهرات النكبة من العام نفسه وإضراب الطعام الذي خاضه الأسرى في تلك الفترة والنشاطات الاحتجاجية ضد مخطط برافر في النقب "أوقفوا برافر" عام 2013 ، كل هذا يصب في تكوين زخم ثوري شبابي مختلف عن الزخم الثوري السابق الذي شهدته الانتفاضتان السابقتان.
وهنا أذكر مقالاً كتبه السجين السياسي الفلسطيني أمير مخول، الذي كان يقبع في سجون الاحتلال إبان ثورات الربيع العربي في عام 2011 حيث قال، "في الحكم الدكتاتوري، يظهر كل شيء على ما يرام حتى الدقائق ال 15 الأخيرة."
وليس القصد هنا أن يبدو هذا التحليل قريباً من رؤية القدرية للواقع بقدر ما يعالج الواقع، حيث يضيف مخول "ليس هناك ظلم دون مقاومة، سيكون هناك لحظة حرجة نسير نحوها بسرعة أو ببطء وستقع قبل أن نتوقع بطولة جماعية لشعب لم نكن نتصورها قبل لحظات".
أما نتنياهو على الطرف الآخر فيطمح بدعواته المتواصلة لحفظ الهدوء والعودة إلى الاستقرار إلى التنعم باحتلال هادئ لفلسطين دون أي مقاومة. وعلى الأقل في هذه الأثناء فإن الشباب الفلسطيني قد أمتلك زخماً ثورياً وحركياً كافياً له لكي يرفض هذه الدعوات ويستمر في المقاومة.
المصدر: ميدل ايست موينتور – ترجمة: هيثم فيضي