في إطار الحرب الشاملة والمفتوحة التي يشنها الاحتلال على شعبنا الفلسطيني عامة وفي مدينة القدس خاصة، نرى أن المطبخ السياسي والأمني الإسرائيلي في اجتماع دائم ومتفرغ تماما لكيفية الانتقام من أهل القدس وإذلالهم واخضاعهم بالقوة، فمع نهاية كل اجتماع لهذا "الكابينت" تتمخض سلسلة من الإجراءات والعقوبات الجماعية بحق أبناء القدس، ولعل هذه الإجراءات والقوانين والتشريعات والقرارات العنصرية، تريد في النهاية ان تفرض على شعبنا عملية تهجير قسري جماعي من القدس، وفرض راية الاستسلام على من يتبقى عليهم.
ففي ظل حالة من الهوس غير المسبوق التي أصبح يعيشها الجمهور الإسرائيلي، ودفعت بمستوطنيه وجنوده الى ارتكاب عمليات إعدام لشبان وأطفال بدم بارد، ما يستوجب رفع قضايا الى المحاكم الدولية موثقة بالصور عن عمليات الإعدام تلك.
ولعل التصريح بالقتل بحق الفلسطينيين والتشريع له قادته هذه الحكومة المتطرفة ورئيس بلدية الاحتلال لمدينة القدس المتطرف نير بركات الذي حمل سلاحه وتجول به في شرقي القدس "كأزعر"، فعندما تسلح حكومة الإحتلال مستوطنيها وينفلتون من "زرائبهم" ولا توضع أي قيود عليهم بشان إطلاق النار، والتي وصلت حد مجرد رؤية عربي فلسطيني يسير مسرعاً أو منظره لا يعجب او يليق للمستوطنين يستدعي القتل.
أخر ما تفتقت عنه الذهنية الإسرائيلية المشبعة بالعنصرية والتطرف، هو تعطيل كل مظاهر الحياة في معظم أحياء مدينة القدس، والعودة بها الى ما قبل القرون الوسطى، من اجل توفير الأمن والحماية لمستوطنيها في بؤرهم المزروعة في قلب القرى العربية المقدسية، والتي هي مصدر كل الشرور والآثام، ناهيك عن عدم الشرعية بإقامتها على أراضي شعبنا المحتل.
المهم جاءت الدفعة العلنية من العقوبات الجديدة بحق أهل القدس، لكي تزيل الغشاوة عن اعين من يقول بأن هناك قوى سلام لدى الجمهور الإسرائيلي، حيث يثبت كل يوم بان كل الأحزاب الإسرائيلية بمختلف مشاربها الفكرية والوانها السياسية تتسابق في التطرف وعلى من يغول اكثر في الدم الفلسطيني.
نعم في قرى المكبر ورأس العامود والطور والعيساويه، حالة من الشلل الكامل لكل مظاهر الحياة لا مدارس ولا جامعات ولا مواصلات عامة ولا مشافي ولا خروج للعجزة والمرضى ولا حتى ممارسة للشعائر الدينية في الجوامع والكنائس، مكعبات اسمنتيه في الشوارع الرئيسية والفرعية، وما بقي من طرق فرعية، عدا حالة حالات الأزمة الشديدة للمواطنين، فهناك تجد كل أشكال الإذلال من تفتيشات ومس بالكرامة، بحيث ان كل فلسطيني يتولد لديه شعور قوي بانه لم يعد لديه ما يخسره، فهذه الحياة لا تساوي شيئا ولا قيمة لها في مثل هذا الذل.
وليس هذا فحسب بل هناك عقوبات سابقة ولاحقة اتخذت بحق أهل القدس، منها هدم بيوت اهالي الشهداء وسحب الهويات الزرقاء منهم وابعادهم الى خارج حدود بلدية الاحتلال، والحرمان من الحقوق الإجتماعية والصحية للمعتقلين المتهمين بأعمال مقاومة ضد الإحتلال، واليوم يجري الحديث عن عمليات ابعاد بحق النشطاء السياسيين والمجتمعيين والمرابطين والمرابطات منها عمليات ابعاد عن الأقصى والقدس،والاعتقالات الإدارية، وتركيب مئات بل آلاف الكاميرات في كل زقاق وشارع وحي في القدس والضواحي، عدا بوابات التفتيش الألكتروني على أبواب البلدة القديمة من القدس.
واضح بأن الاحتلال المصاب بحالة من الهوس والوسواس القسري من الإنسان الفلسطيني، والذي عبرت عنه "غولدا مائير" بأنها تشعر بالكوابيس مع ولادة كل طفل فلسطيني، وهذه العقوبات التي وضع أسسها وقوانينها "آفي ديختر" مسؤول "الشاباك والأمن الداخلي السابق"، يجري العمل بها وتطبيقها الآن، ويجري استغلال الظروف والأوضاع الفلسطينية والعربية والدولية لتنفيذها على اوسع نطاق، حيث الحالة الفلسطينية المنقسمة على ذاتها والضعيفة، وشلال الدم الفلسطيني النازف لم يفلح في جعلها تتخلى عن اجنداتها ومصالحها الفئوية والصراع على السلطة والنفوذ لصالح المصالح العليا للشعب الفلسطيني.
رغم كل تلك القوانين والتشريعات والقرارات العنصرية التي في المآل النهائي يراد بها طردنا وتهجيرنا قسرياً عن مدينتنا، والاستفراد بمن يتبقى منا،فلا مناص لنا سوى الصمود والبقاء، من خلال ابداع وابتداع أشكال ووسائل نضالية شعبية وسلمية تحمي هذا الوجود، وتسهم في فضح وتعرية حكومة الإحتلال كدولة مغرقة في العنصرية والتطرف،جل هدفها دعم وحماية المستوطنين ومساندتهم في جرائمهم ضد شعبنا.
وربما من المفيد في مواجهة ذلك ان تتشكل هيئة شعبية مقدسية واسعة مؤقتة كمرجعية تقود العمل المقدسي الشعبي والجماهيري السلمي في مختلف جوانبه، بحيث تعمل على تشكيل لجان حراسة وأذرع وامتدادات لها في كل قرى واحياء مدينة القدس للوقوف على احتياجات وهموم الناس.
وهذا يكون بالعمل والتنسيق مع محافظة القدس، والعمل على تنظيم احتجاجات سلميه واسعه في المواقع والميادين المغلقة مثل القيام بمسيرات على الحمير او الخيول تنطلق من القرى المغلقة والمعزولة متزامنة مثل المكبر وسلوان مسيرة.واخرى تنطلق من الطور لأهل الطور والعيساويه، وكذلك مسيرات على الدراجات الهوائية للأطفال باتجاه القدس واخرى لأصحاب الإحتياجات الخاصة والعجزة تظهر مدى عنصرية وفاشية هذا الاحتلال، وكذلك تكون مسيرات ووقفات احتجاجية سلمية وفق برنامج محدد للطلبة والهيئات التدريسية أمام مدارسهم وفي الميادين العامة مطالبة بفتح قراهم وإزالة كل الحواجز والمكعبات الإسمنتية التي تمنعهم من الوصول الى مدارسهم، وهذا ينطبق على الأطباء والتجار وغيرهم.
ولا ننسى هنا ليس فقط رفع المذكرات والمطالب الى الهيئات الدولية الموجودة في القدس، بل تنظيم اعتصامات ووقفات احتجاجية امام مكاتبها ووضعها في صورة ما يتعرض له شعبنا في مدينة القدس،والضغط عليها للقيام بخطوات عملية لوقف إجراءات وممارسات الاحتلال الإذلالية والعنصرية بحق شعبنا.
وكذلك دعوة قناصل الدول الأجنبية والعربية التي تقيم علاقات مع دولة الاحتلال الى زياره القرى والمناطق المغلقة والمعزولة والمحاصرة للوقوف على حجم الظلم والأذى الذي يلحق بالناس جراء تلك الإجراءات والممارسات العنصرية.
ويجب أيضا العمل على تشكيل جسم تنسيقي ما بين تلك الهيئة وأهلنا وشعبنا في الداخل كمحطة إسناد رئيسية لنا في القدس،حيث الحركة والتواصل والتنسيق أسرع،وكذلك التقاطع الكبير في الهموم والمشاكل، دعوة الشعوب والجماهير العربية والإسلامية الى اوسع حملة تضامن ودعم لأبناء شعبنا في مدينة القدس وعلى كل الصعد.
المهم بالمزيد من الصمود والثبات والتشبث بإرادة البقاء والوجود والدفاع عن قدسنا ومقدساتنا وبوحدتنا ولحمتنا لكل مكونات ومركبات مجتمعنا المقدسي، سنفشل كل مخططات العدوان علينا، فالعدو وصل مرحلة الإفلاس القانوني والسياسي وساعات الفجر والانعتاق من المحتل تقترب.