شبكة قدس الإخبارية

إغراق الضفة بالكاميرات.. دوافع ورسائل عديدة وخطر يحاصر المقاومة

هيئة التحرير

رام الله – خاص قُدس الإخبارية: لا تنفك حكومة الاحتلال وجيشها يبتدعان الوسائل التي يظنان أنها ستتيح لهما قمع الهبة الجماهيرية في القدس والضفة، وقبل يومين أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتيناهو عن نيته إغراق الضفة بالكاميرات، مؤكدا أن هذه الخطوة من شأنها حماية المستوطنين ومنع العمليات الفدائية.

ولا يعتبر استخدام الكاميرات في ملاحقة المقاومين جديدا بالنسبة للاحتلال، فطوال السنوات الماضية كان الجيش يعمد لمصادرة كاميرات المحلات التجارية والمنازل القريبة من موقع أي عملية، بل إن الأمر وصل به إلى اقتحام مدرسة في بيت لحم بهدف الحصول على شريط التسجيل الخاص بها، الشهر الماضي.

وشكل هذا الأسلوب هاجسا لدى كثير من الفلسطينيين، الذين وقعوا بين نار حماية مصالحهم الشخصية من المجرمين واللصوص، ونار حماية المقاومين من ملاحقات الاحتلال باستخدام كاميراتهم الخاصة، وهو ما دفع كثيرا منهم إلى حذف أشرطة التسجيل فور وقوع أي عملية، حيث اعتاد النشطاء الدعوة لذلك بعد كل عملية.

انتهاك خلف جرائم حرب

مراقبة الضفة وإغراقها بالكاميرات، ليست مشكلة حقيقية يمكن استخدامها لمحاسبة "إسرائيل" دوليا، هذا وفقا للخبير في القانون الدولي ياسر العموري، الذي يرى أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن "إسرائيل" تحتل الضفة وترتكب جرائم فيها، وهذا أهم من مسألة تركيب الكاميرات بالنسبة للقانون الدولي، فهذه الجرائم هي من تمثل انتهاكات جسيمة ترقى لجرائم الحرب.

ويوضح العموري لـ قُدس الإخبارية، أن الاحتلال سيمارس من خلال هذه الكاميرات جريمة أخرى هي الاستفادة منها في ما يخدم مصالحه الأمنية، وسيتجاهل ويخفي كل ما يثبت ارتكاب جنوده لجرائم حرب بحق الفلسطينيين في الضفة، مبينا، أن السلطة الوحيدة على هذه الكاميرات ستكون للاحتلال ولن يتمكن أحد من الاطلاع عليها.

ويضيف، أن ما ستسجله هذه الكاميرات قد يشكل جزءًا مما يسمى بـ"الملف السري" الذي يحاكم على أساسه مئات الفلسطينيين، فالاحتلال هنا ليس محتاجا لعرض هذه التسجيلات في المحاكم أو مواجهة المتهم بها لإجباره على الاعتراف، بل إن بإمكانه إرفاقها في "الملف السري" المزعوم لكل أسير ومحاكمته بناء عليه دون أن يعرف أي شيء عنه.

نية مبيتة

وتتعدد دوافع الاحتلال لهذه الخطوة وأهدافه منها ورسائله أيضا، فيرى المختص في الشأن الإسرائيلي عمر أبو عرقوب، أن الأحداث الحالية في الضفة مثلت فرصة ذهبية بالنسبة لنتنياهو بهدف تنفيذ مخطط معد سابقا بفرض رقابة صارمة على كل ما يجرى في الضفة، بهدف إحكام السيطرة عليها، وخاصة في مناطق التماس مع المستوطنات.

ويقول أبو عرقوب لـ قُدس الإخبارية، إن انشغال الجانب الفلسطيني بالتصعيد الكبير والعمليات المتتابعة وارتقاء الشهداء في أوقات متقاربة، قلل بشكل كبير من الاهتمام بهذه الخطوة التي تمثل انتهاكا كبيرا لخصوصية الفلسطينيين، إضافة للانتهاكات اليومية لحقوقهم الشخصية ولحياتهم أيضا.

ويضيف أبو عرقوب، أن الاحتلال كان يعتمد في السابق على ما تسجله الكاميرات الفلسطينية، لكن انتباه الفلسطينيين إلى ذلك وتعمدهم مسح أشرطة الكاميرات أحدث نقصا كبيرا بالنسبة لجيش الاحتلال، خاصة أن هذه الكاميرات كانت عشوائية وتوجد في مناطق دون أخرى، ما دفع الاحتلال للتأسيس لكاميرات منظمة وفق مخطط معين وتخضع لسيطرة الجيش.

ويتفق الكاتب ساري عرابي مع أبو عرقوب في هذا الجانب، حيث يرى أن الاحتلال وبرغم استخدامه للكاميرات الفلسطينية فإنه يواجه نقصا كبيرا، ما دفعه لإغراق الضفة بالكاميرات، مشيرا إلى أن الاحتلال لا يضيف شيئا جديدا بخطوته هذه بل يعزز منهجا استخدمه سابقا، حيث اكتشف في وقت سابق زرعه لكاميرات سرية حتى على الأشجار وفي الممرات البرية.

خطر حقيقي

ويوضح عرابي لـ قُدس الإخبارية، أن الكاميرات سهلت بالفعل طوال السنوات الماضية مهمة الوصول إلى المقاومين واعتقالهم، بالإضافة لاختصارها وقت تنفيذ ذلك، هذا إن لم تكن قد ساهمت في إحباط عمليات قبل وقوعها.

ويبين، أن الاحتلال يستهدف من سياسته هذه بشكل أساسي المجموعات الفلسطينية المسلحة والعاملة بشكل منظم، وليس العمليات الفردية التي لا يستطيع أحد التحكم بها أو السيطرة عليها، أو المشاركين في المواجهات هنا أو هناك، مؤكدا، أن هذه الكاميرات تشكل خطرا حقيقيا على المقاومة الفلسطينية المنظمة، وقد أثبتت نجاعتها طوال السنوات الماضية.

ويرى عرابي، أن الاحتلال يبعث من خلال قراره هذا بثلاث رسائل، أولها رسالة إثبات وجود لأذرعه العسكرية وبأنه مازال قويا وقادرا على السيطرة وقمع المقاومين، والثانية إلى المستوطنين لتهدئة روعهم وطمأنتهم بأنه يعمل من أجلهم ويبذل قصاري جهده لتوفير الحماية لهم.

أما الرسالة الثالثة فيوجهها الاحتلال إلى الشعب الفلسطيني وتحديدا نشطاء المقاومة، حيث يحاول القول بأنه سيكون قادرا على إحباط العمليات قبل وقوعها أو على الأقل ضبط الخلايا التي تنفذ العمليات خلال وقت قصير، الأمر الذي سيؤدي لإحباط المقاومة وإضعاف العزيمة لدى الفلسطينيين، كما يعتقد الاحتلال.

ويشير عرابي إلى أن استخدام التطور التكنولوجي بما في ذلك نشر كاميرات المراقبة جاء كنتيجة لسنوات من دراسة المجتمع الفلسطيني وأساليب المقاومة ومحاولة التعامل معها، منوها إلى أن هذا يستدعي أن تهتم المقاومة أيضا بدراسة أساليب الاحتلال وتطوير نفسها ومحاولة إحداث اختراق في أنظمته الأمنية.