شبكة قدس الإخبارية

حكومة بانتوستان

مروان أبو فريح

نعم، نتنياهو كان يعرف أنه سينتصر، لكن أي انتصار؟ هذا ما كان يشغله.

انتصار أراد به أن يسحق اليسار وكل من تحداه، "أنا نتنياهو أنا الزعيم"، دهاء سياسي، ابتداء من إقالة ليفني ولبيد إلى تعيين ريفلين، وصولاً إلى منصة إيران والكونغرس مروراً بشعاراته المدغدغدة بعدم قيام دولة فلسطينية، انتهاء بتصريحاته ضد فلسطينيي الأراضي المحتلة عام ٤٨، حتى تقبيله سارة وابتسامة الثلاثين مقعدا إلى حكومة اليمين الناسفة الجديدة، نعم، أنت الزعيم، هذا ما يريد أن يسمعه.

نتائج الانتخابات الأخيرة لم تخلف توقعاتي بالكثير، ربما بفارق المقاعد بين اليمين واليسار فقط، على كل الأحوال ما استطاع فعله نتنياهو وسط الكم الهائل من الغمام الذي أحاطه به كل من أمريكا وأوروبا وتيار اليسار، لم يكن بالساهل ولم يراهن أحد على انتصاره الساحق في هذه الدورة، لكن إن دل كل هذا فيدل على أن بني صهيون بأكملهم أتباعا ومناصرين للتيار اليميني لا اليساري، بمعنى آخر هم يعرفون جيدا في حال وقعت السلطة بيد اليسار لن تسلم "دولتهم" المزعومة من الإرهاب على حد قولهم ومعتقداتهم.

ومن هذا المنطلق خرج نتنياهو يوم الانتخابات ليصرح بأقوال شبيهة للتصريحات العنصرية في سنوات الستينات حين خرج الأفارقة الأمريكيون للإدلاء بأصواتهم في انتخابات أمريكا لأول مرة، وإن عدنا قليلا لسنوات الثلاثينات سنرى اليهود وهم  يتوافدون بأعدادهم الكبيرة إلى الصناديق، أما نتنياهو فقال: "ها هم العرب يتوافدون بأعداد كبيرة للإدلاء بأصواتهم ليسرقون منا دولتنا، فاخرجوا وصوتوا لتمنعوهم، وهنا ينادي ويستنجد باليهود جميعا من اليسار واليمين، أنقذوا "الدولة".

في هذا التصريح المشؤوم تمكن نتنياهو من تلخيص واقع وفكر أغلب اليهود، فهم كلهم جبناء وهذه لغة الجبان، وهذا ما يتقنه نتنياهو، استطاع الوصول إليهم بعقله ليحرك فيهم جبنهم فقلبهم، يدعمهم ويقوي شوكتهم فيمتلكهم، فمرحلة الانتخابات كانت عبارة عن معركة شرسة بين اليسار واليمين، بين حدود ال٦٧ وبين صواريخ غزة، بين حل الدولتين وبين سرقة الدولة، بين إيران وأوباما وبين سارة ليفني وزهافا، هكذا كان التصويت بين يمين يدعي أنه "مقاتل" وبين يسار يدعي الفكر.

السيناريو الأكثر تداولاً في فترة ما قبل الانتخابات كان نجاح حزب "المعسكر الصهيوني" وتشكيله حكومة ائتلاف مع القائمة المشتركة، وهذا وحده كان يجعل نتنياهو يتصبب عرقاً؛ فبمجرد التفكير في هذا السيناريو كان نتنياهو بحاجة إلى جرعة ترامادول، وهنا يكمن نجاح القائمة المشتركة رغم كل الصعوبات التي واجهتها قبل وبعد "الوحدة"، وما أفرزته نتائج الانتخابات، إلا أن هذا السيناريو وحده كان بحد ذاته إنجازا.

وإن سألنا، أي خطر تشكل هذه النتيجة على فلسطينيي ال ٤٨؟! سيكون الجواب بنوع الحكومة التي سيشكلها نتنياهو في الأيام القليلة، وحسب الوضع الراهن ستكون حكومة أقصى درجات اليمين، أي كما يسمونها حكومة "المعسكر الوطني"، ائتلاف كامل من التيار اليميني المتطرف، وفي هذه الحالة، كل سيعمل على إثبات قدراته وكسب جمهور جديد، كدعاية انتخابية لسنوات قادمة.

ستكرس هذه الحكومة قصارى جهدها على سلب ونهب أراضي النقب والتي تقدر ب ٨٠٠ ألف دونم (مخطط برافر)، على عدم الاعتراف بأي قرية من القرى ال ٣٨ "مسلوبة الاعتراف"، وعلى تهجير ٤٠ ألف فلسطيني منها، ومثل النقب مثل باقي قرى فلسطين الداخل (في الشمال)، المثلث والجليل، اللد والرملة، كما وستعمل هذه الحكومة على منع فلسطينيّي ال ٤٨ من نيل حقوقهم أو عرقلة الأمر عن طريق سن قوانين أو تعديلها.

ومن الناحية العامة تشكل هذه الحكومة خطرا كبيرا على تهويد القدس والأقصى، واستمرار مشروع المستوطنات وزيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية والذين يبلغ عددهم اليوم ٣٨٥ ألف بالتقريب، وحسب تصريحات ليبرمان ونتنياهو سيُعمَل على عدم قيام دولة فلسطينية مستقلة، أو الأصح على مفاوضات ومفاوضات حتى تأتي انتخابات الولايات المتحدة بزعيم جديد، وعهد جديد، وإلى أن تحين انتخابات الكنيست القادمة، ويحين الموعد الجديد للمفاوضات.

حكومة الاحتلال الجديدة والتي ستتشكل من الأحزاب اليمينية المتطرفة عبارة عن لعبة فصل فلسطينيي الأراضي المحتلة عام ٤٨ إلى بانتوستان واحد كبير، شبيه بحال الضفة الغربية، القدس الشرقية وغزة، أي كلعبة شارون الأخيرة والتي بموجبها نموذج البانتوستان هو الحل الأمثل لحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.

ومن هذا المنطلق ها هو الاحتلال يعمل على إحاطة الفلسطينيين بشكل كامل من قبل معسكراته والمستوطنات، والإبقاء عليهم كشعب فقير دائم بشكل يظهرهم على أنهم تعساء وخطيرين، أي أن الاحتلال يعمل على تطبيق نموذج شارون دون أن يشعر بهم أحد، إلا الوقت، ويبقى هبوط الاحتلال من سياسة تفريق عنصري دائم إلى بانتوستان كامل مسألة فعل وردة فعل.

فلسطين بأكملها أمام أربع سنوات حامية الوطيس وحكومة احتلال من الدرجة الأولى، لم يشهدها التاريخ منذ عام ١٩٦٧، والمراهنة على عمرها ليس بالأمر السهل، لأنها ستعمر وتعمر، وفي حال صدقت التوقعات قد يلجأ نتنياهو لتكليف كل من بيغن بوزراة العدل وليبرمان بالدفاع، وهنا يكتمل المشهد.