رام الله – خاص قُدس الإخبارية: مع بلوغه سن التاسعة عشر، وجد الأسير يعقوب ثلجي الريماوي من بيت ريما قضاء رام الله نفسه فاقدًا لحريته ومقبلاً على خسائر جسيمة أخرى، بدلاً من ممارسة حياته كأي شاب يغادر لتوه مرحلة الطفولة.
ففي شهر كانون أول من عام 2004 اعتقلت قوات الاحتلال الريماوي ووجهت له تهمة الانتماء للمقاومة وتنفيذ أعمال ضد المستوطنين، لتبدأ بعد ذلك حكاية معاناة امتدت لعشر سنوات قضاها بين السجون والمحاكم والمستشفيات، وخرج بعدها بآثار عميقة لبشاعة السجن والسجان.
البداية فقد للبصر!
بتاريخ 27/3/2006 عقدت جلسة محكمة ليعقوب في سجن عوفر، طالب قاضي الاحتلال بسجنه لـ (18 عامًا)، فيما حاول محاميه التوصل لاتفاق يقضي بسجنه لـ (15 عامًا)، وقد أمر الاحتلال بنقله لغرف الانتظار في سجن عوفر حتى إنهاء المفاوضات بين الطرفين.
حاول جندي نقل يعقوب إلى غرفة تضم أسرى مدخنين، فاعترض معللاً ذلك بأنه يعاني من أزمة صدرية، لكن الجندي دفعه بقوة وأسقطه أرضًا.
يكمل يعقوب قصته لـ قُدس الإخبارية، "نهضت مصعوقا من تصرف الجندي وسألته، لماذا فعلت ذلك؟ وما الذي فعلته حتى تدفعني؟" وما أن أنهى يعقوب جملته حتى هجم عليه وبدأ بضربه ضربا وركله، وعندما حاول يعقوب أن يتصدى لضرباته بوضع يديه المكبلتين على وجهه وقع الجندي، فهجم باقي جنود وحدة النحشون عليه وبدأوا بضربه وركله على رأسه بأعقاب بنادقهم.
عندما رأى الاسرى همجية ووحشية قوات النحشون بدأوا بالصراخ والاحتجاج، فأغلق الجنود الأقسام وسحبوا يعقوب إلى غرفتهم الخاصة بهم، ليتركوا على جسده الذي بقي مكبل اليدين والقدمين ما لا يمكن أن ينساه.
بعد الضرب المبرح الذي تلقاه يعقوب فقد وعيه لمدة لا يعرف كم استمرت، وعندما استيقظ رأى سوادًا حالكا من حوله، ظنّ أن الليل قد حل لكن شيئا فشيئا بدأت عينه اليمنى ترى ضوءا خافتا، فأدرك وقتها أنه يعاني من مشكلة في نظره.
العزل والإهمال المتعمد
أعيد يعقوب بحالته هذه إلى سجن بئر السبع، لكن هذه المرة ليس إلى الغرفة التي كان يتواجد فيها أو إلى عيادة المستشفى، وإنما إلى غرف العزل بجانب غرف سجناء جنائيين، وذلك خوفا من ردة فعل الاسرى عندما يروا حالة يعقوب، فيما أبلغتهم الإدارة أن يعقوب نقل إلى المستشفى
ويوضح الريماوي، أنه أضرب عن الطعام لمدة ثلاثة أيام، لم يكن يقوى خلالها على الوقوف على قدميه، فبقي ممددًا على الأرض المليئة بالحشرات، حتى جاء ضابط اسرائيلي وسأله عن سبب اضرابه فأجابه يعقوب: تضربونني وتعتدون علي وتريدون مني أن أتصرف وكأن شيئا لم يحدث؟
ويضيف، أن سلطات الاحتلال أعادته إلى غرفته السابقة، ليكتشف الأسرى حقيقة الكذبة ويقرروا إرجاع الوجبات والاحتجاج طالبين نقله فورا إلى المستشفى.
بعد عشرة أيام تدهورت خلالها صحة يعقوب وأصيب بتشنجات، نقلته سلطات الاحتلال إلى مستشفى "سوروكا"، ليبلغه الطبيب بأنه لن يستطيع الرؤية بعينه اليسرى للأبد، مضيفًا، أن إنقاذ عينه كان ممكًا لو تم نقله للمستشفى فور الاعتداء عليه.
زودت مصلحة سجون الاحتلال يعقوب بناء على تعليمات الطبيب بأدوية كانت تسكن آلامه لبضعة ساعات، ويقول يعقوب إنه علم لاحقًا أن هذه الأدوية تساهم في فقدانه لذاكرته على المدى البعيد، وهو ما تنبه له أحد الأسرى الأطباء، محذرًا يعقوب من الاستمرار في استخدام الدواء، ومؤكدًا، أنه دواء مخصص لـ "المجانين".
ويتابع يعقوب، أن مصلحة السجون وعدته بعد ذلك بنقله لمستشفى في القدس، لكنه لم ير من ذلك سوى الوعود، فيما كانت تزداد حالته سوءا يوما بعد يوم نتيجة إصابته بالتشنجات.
ويقول، "كان تأخيرهم متعمدا وهذه سياسة يتم اتباعها مع كل الاسرى المرضى، وذلك من أجل أن يبقى تفكير الأسير بمرضه وألمه، الدواء الوحيد الذي كان يتم تزويده للمرضى الاسرى هو حبة أكامول كنا نسميها الحبة السحرية".
"ضربني وبكى سبقني واشتكى"
تفاجأ يعقوب بعد شهرين بنقله لمحكمة "عوفر" بدلاً من نقله لمستشفى في القدس، ليعلم أن عنصر قوات النحشون الذي اعتدى عليه رفع قضية ضده، ويجد نفسه يواجه لائحة اتهام تدعي تهجمه على جندي اسرائيلي.
رفع يعقوب قضية مماثلة على الجندي وعلى الوحدة التي نقلته في ذلك اليوم واعتدت عليه، بقيت القضية لسنوات كان يُنقل يعقوب خلالها لساعات طويلة في سيارة البوسطة بوضعه الصحي الصعب من السجن إلى محكمة عوفر.
ويبين، أن سلطات الاحتلال أخذت تنقله كل شهرين من سجن لآخر، كعقوبة وفي محاولة للضغط عليه لسحب القضية، لكن إصراره على حقه ورغبته في الانتقام من تلك الوحدة جعلته يبقى متمسكا بقضيته.
نصف جسد ثم حرية
ظل يعقوب يتنقل بين المشافي والعيادات والسجون حتى آذار من العام الجاري، أصيب بتشنجات نقل على إثرها لعيادة السجن، يقول إن الأطباء والممرضون حاولوا إجراء تنفس اصطناعي له، ارتعش جسده على إثرها لثوان ثم توقف، عندها أطلقت العيادة جرس الإنذار الموصول بالسجن منوهة بأن حالة الأسير صعبة جدًا.
ويتابع، "تم نقلي إلى مسشتفى سوروكا مقيدًا بيديّ وقدميّ رغم صعوبة وضعي الصحي، نقلوني مباشرة إلى غرفة العناية المركزة التي بدورها أخبرت مصلحة السجون أن هناك احتمالين، أولهما الموت وثانيهما الشلل".
خرج يعقوب بعد تسع ساعات من العناية المركزة بقلب ينبض لكن بنصف جسد مشلول، عائلة يعقوب تم إعلامها بصعوبة وضعه الصحي، لم يكن وقع الخبر سهل على العائلة التي كانت تعد الأيام والساعات لاستقبال ابنها بعد عشرة أعوام من الاسر، كما شكل الخبر صدمة للأسرى الذين توقفت فرحتهم لاقتراب موعد تحرره، متسائلين إن كان سيعود لأهله جثة هامدة أو على كرسي متحرك.
كسب يعقوب القضية التي رفعها على وحدة "النحشون"، وأصدرت المحكمة قرارها بتخفيض رتبة الضابط الذي نفذ الاعتداء، وطلبت منها التعهد بعدم التعرض للأسير يعقوب حتى الإفراج عنه.
بتاريخ 7/تشرين أول من العام الجاري أشرقت شمس الحرية واستطاع يعقوب أن يعانق نسيم الحرية، لكنه خرج على عكازة فاقدًا النظر بعينه اليسرى، ومصابًا بتلف في عصب قدمه اليمنى، وبارتفاع الضغط والقرحة وضعف في شريان يؤدي إلى القلب.