نزار السهلي: تدخل المدينة المقدسة أعلى مراتب الخطر منذ حريقها الشهير قبل أكثر من أربعة عقود, مع الفصل الجديد من سجل الاعتداءات اليومية المتطورة اقتحامات لباحات المسجد الأقصى وانتهاك لمصلياته والاعتداء على المرابطين ومنع دخول المصلين إلى المدينة, ومشاريع الاستيطان الضخمة التي يتم الكشف عنها دورياً, ومصادرة الممتلكات وهدم البيوت في المدينة, يأتي الرد على العدوان الإسرائيلي من سكان المدينة, و لم يبدأ مع معتز حجازي متصديا لايهود غليك ولن ينتهي عند إبراهيم عكاري شهيد عملية الدهس في القدس.
سباق الاحتلال الإسرائيلي بات واضحا بالنسبة للقدس, تكفي جولة واحدة في المدينة, لمشاهدة مشاريع الاستيطان والتهويد الواضحة في المدينة وبتسارع ملحوظ لتغيير وجهها عبر مشاريع الإسكان للمستوطنين, وطرد المقدسيين ومصادرة أراضيهم وسحب بطاقة الهوية من آلاف المقدسيين, وتهجير بدو المدينة مع ممارسة الابتزاز لمسيحييها وتقييد دخول أهل المدينة إلى الحرم القدسي والفرز العنصري للفلسطينيين في المدينة, لتصبح اليوم قضية القدس في أعلى مراتب الخطر, وبالتالي كل بيانات التنديد والشجب للممارسات الصهيونية بحق المدينة لن تستطيع وقف بلدوزر التهويد المستمر, وما تكشفه الجمعيات الاستيطانية من مشاريع تهدف للسيطرة المطلقة وخطط التهويد المستمر للمدينة تؤشر إلى الأهمية التي تبديها المؤسسة اليهودية للقدس خارج جعجعة الخطاب العربي والإسلامي.
خطة فصل للقدس بتواصل الاستيطان
ليس صدفة أن يقوم الاحتلال الكشف عن مشاريع استيطانية جديدة, بينما كان الرئيس الأمريكي اوباما يجتمع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو, السياسة الإسرائيلية اتجاه المدينة المقدسة صارمة وحاسمة ولا مكان للصدف إزاء خطط التهويد, وهي منظمة وتراكمية لأقصى حد, ففي ذات الوقت كانت بلدية الاحتلال في القدس تصادق على عملية فصل جنوب القدس عن بيت لحم من خلال مشروع استيطاني جديد لبناء 2610 وحدة استيطانية في أراضي بيت صفاقا, والتي أطلق عليها الاحتلال مستوطنة "جفعات همتوس"، فضلا عن نشر جمعية "العاد" الاستيطانية بيانات على موقعها الالكتروني تطلب فيه مستوطنين للسكن في منازل تمت مصادرتها في حي سلوان مقابل 500 شيكل يوميا لكل مستوطن يسكن في المنازل المصادرة, وكانت بلدية الاحتلال في القدس قد وافقت بشهر آب الماضي على خطة لبناء مدرسة دينية يهودية مؤلفة من تسعة طوابق في حي الشيخ جراح القريب من البلدة القديمة.
وكشفت مخططات الاستيطان لشهر أيلول الماضي عن وضع خطة لبناء 12 ناطحة سحاب على مدخل القدس الغربي ومصادرة 211 دونما لبناء مجمع للوزارات " الإسرائيلية " حسب وزير البناء والإسكان الإسرائيلي "أوري أريئيل" الذي صادق على خطط البناء في المدينة, وكشفت صحيفة هآرتس العبرية في وقت سابق عن تصعيد سلطات الاحتلال من البناء الاستيطاني ومصادرة الأراضي وممتلكات المقدسيين واستهداف البدو في شرقي القدس بحيث وصلت عمليات الهدم إلى 13عملية هدم منذ بداية العام وتضيف "هارتس ": للمقارنة، هدمت الإدارة المدنية في الشهور الأخيرة في كل منطقة "ج" 346 مبنى وأبقت 668 فلسطينيا دون مأوى. وفي عام 2013 هدمت 565 مبنى سكني أدت إلى تشريد 805 فلسطينيين", إضافة للانتهاكات اليومية التي يقوم بها قطعان المستوطنين لباحات الأقصى تحت حماية جنود الاحتلال والاعتداء على المصلين والمرابطين بساحاته وحرمه.
تشكل قضية الأرض والمسكن واحدة من أكثر المخاطر التي يتعرض لها المقدسيون للتضييق عليهم ودفعهم نحو التهجير, وليس بعيداً عن القدس يواجه سكان بلدات الداخل الفلسطيني في المثلث والجليل نفس المصير والمخاطر حسبما كشفت مصادر داخل الخط الأخضر عن تعرض أكثر من 60 ألف منزل فلسطيني للتهديد بالهدم من قبل " دائرة أراضي إسرائيل" بحجة عدم الحصول على تراخيص وتشن دائرة أراضي "إسرائيل" حملة هدم ضد منازل الفلسطينيين في بلدات الجليل والمثلث، وكان أخر تلك المنازل هدم 28 منزلاً في النقب المحتل الأسبوع الأخير من ايلول الماضي.
التركيز المستمر للاحتلال في المدينة المقدسة يسمح له تمرير مشاريع مصادرة الأراضي داخل الخط الأخضر وتنفيذ عمليات الهدم والترحيل في المناطق البدوية في النقب والأغوار, هو من باب بناء واقع ميداني يشكل سدا منيعا لأوهام المفاوضات, وأيضا لمحاصرة ردود الفعل الفلسطينية الشعبية وإحباطها, تأتي الخطة الإسرائيلية باستهداف البدو في شرقي القدس في سياق سياسة التهجير والتهويد التي تتبعها سلطات الاحتلال في المناطق الفلسطينية, الأمر الذي دفع الأمم المتحدة مطلع الأسبوع بالتحذير من المخطط الإسرائيلي الذي يهدف إلى "تهجير قسري" لآلاف البدو الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة لتوسيع المستوطنات وتهديد حل الدولتين.
لا إسناد فعلي للمدينة
قضية القدس, بالنسبة "لإسرائيل" مفصل محوري لا يمكن تأجيل العمل به, ولا تترك اية فرصة لإحكام القبضة على المدينة بتصريحات سياسية مدعومة ميدانيا بمشاريع الاستيطان, فيما يُترك للجماهير العربية بالداخل الفلسطيني مواجهة مصيرهم بأنفسهم دون مساندة حقيقية من الطرف الفلسطيني المفاوض الذي يركز في مجمل جولات التفاوض على الحدود الإدارية لعمل السلطة الفلسطينية حسب شروط التفاوض بعدما أخرجت من هم داخل الخط الأخضر من سجلات التفاوض قبل أكثر من عقدين, بحيث يتم التصرف بالقدس على أنها خارج العملية التفاوضية من وجهة نظر صهيونية, بحيث بات اسم القدس شعاراً لديباجة الخطابات والبيانات المتكررة فيما الاحتلال وجمعياته الاستيطانية ينفق مئات الملايين من الدولارت لتهويد المدينة ويرصد المليارات لتنفيذ ذلك, لا تجد المدينة وسكانها دعم حقيقي يصد تلك المخاطر على العكس من ذلك يباشر البعض العربي تمويل شراء بعض العقارات لتسهيل تهويد المدينة.
ما تبقى من القرارات الدولية؟
هناك عشرات القرارات الدولية حول القدس التي تنتهكها إسرائيل يومياً ولا يجري التركيز عليها, والعمل على إجبار اسرائيل الانصياع لها :
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2253 لعام 67 اعتبار ضم القدس باطلاً وفي ذات العام اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا آخر يحمل الرقم 2254 يدين إخفاق إسرائيل في الالتزام بالقرار السابق.
قرار مجلس الأمن 252 في 21 أيار 1968 الذي عالج مصادرة الأراضي بالقدس وأكد على وجوب التزام إسرائيل بقرارات الجمعية العامة 2253و2254.
- قرار مجلس الأمن 267 في الثالث من حزيران 1969 أدان بالإجماع إخفاق إسرائيل في إظهار أي احترام لقرارات الجمعية العامة وقرارات مجلس الأمن ومطالبة إسرائيل بإلغاء كل الإجراءات المتخذة.
قرار مجلس الأمن رقم 271 لعام 1969 بتاريخ 15 أيلول يدين إسرائيل لحرق المسجد الأقصى.
قرار مجلس الأمن رقم 446 في 22 أيار 1979 الذي اكد على وجوب التزام إسرائيل بإلغاء الإجراءات المتخذة لتغيير الوضع القانوني والطبيعة الجغرافية للمناطق المحتلة بما فيها القدس.
قرار مجلس الأمن رقم 672 في 12 تشرين الأول عام 1990 والذي يدين بشدة قتل إسرائيل للمدنيين في ساحة الحرم القدسي الشريف في8 تشرين الأول والذي أسفر عن سقوط 20 مصلياً وأكثر من 150 جريح.
في تموز عام 1980 نقل مناحيم بيغن مكتب رئيس الوزراء إلى القدس الشرقية, واتخذ مجلس الأمن القرار رقم 476 الذي أعلن أن الإجراءات الإسرائيلية لا تنطوي على أي مفعول قانوني وهي باطلة.
في 20 أب 1980 تبنى مجلس الأمن القرار رقم 478 الذي اعتبر, قرار الكنيست الإسرائيلي, بإقرار قانون القدس الأساسي الذي اعتبره المجلس انتهاكا للقانون الدولي وحث الدول التي لها بعثات دبلوماسية في المدينة على سحبها منها.
ملف لا يمكن إغلاقه
تبقى الإشارة برغم كل ما تقدم, أن قضية القدس هي الأشمل والأعم, ومحور للصراع الدائم لأنها طموح الفلسطينيين وأمل العرب ومهوى أفئدة المسلمين والمسيحيين في العالم, وطالما لا يأخذ المحتل بعين الاعتبار بديهيات التاريخ والجغرافيا والحقوق, فإن كل مساعي المفاوضات والسلام المزعوم, ستبقى هشة, وإذا كانت المحاججة تقوم على أن الوضع الدولي والإقليمي لا يسمح بتطبيق قرارات الأمم المتحدة ولا فرض تلك القرارات على الاحتلال إلا من بوابة التفاوض العاجز، فأقله أن لا يجري تكبيل الشعب الفلسطيني بمجموعة من الالتزامات والاختراعات خارج نصوص القانون الدولي الإنساني والتشريعات الأممية, وأقله أن لا يجري التعامل مع هذا الاحتلال تنسيقا امنياً واقتصادياً, المطلوب استخدام قوة وإرادة هذا الشعب في فرض المتغيرات المطلوبة لتغيير الواقع الانهزامي للمجتمع الدولي ودول الإقليم التي دأبت على اجترار خطاب سياسي أجوف وزادت من تصاعد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية بحق القدس وسكانها, فلا يعقل في كل مناسبات العدوان التي تشهدها الأراضي الفلسطينية و محيط القدس أن يكون الرد الفلسطيني والعربي والإسلامي من على منابر سيئة الصيت والفعل وعديمة المعنى مقابل تغول صهيوني يحيل كل تلك المنابر إلى قعر التجوف ويرفع ناطحة السحاب الإسرائيلية في القدس.