رغم الجهد الكبير الذي بذلته مصر لتسريع انعقاد مؤتمر إعادة إعمار غزة ورغم نجاح الفلسطينيين بتقديم موقف وحكومة موحدة للمجتمع الدولي فان الكثيرين يشعرون بالقلق من تكرار السيناريوهات السابقة لمثل هذه المؤتمرات التي تبدأ بوعود كبيرة وتنتهي بأقل القليل من التنفيذ.
ولا بد هنا من الاشارة الى الغيابات الثلاثة عن مؤتمر إعادة إعمار غزة :-
اول الغائبين كان أصحاب الشأن انفسهم، أي الاربعمائة الف مواطن الذين دمرت بيوتهم ومصالحهم ومصانعهم والذين كنا نأمل أن يعطى ولو واحد منهم الكلام أمام المؤتمر ليعطي شهادة حية عما تعيشه عائلات 2160 شهيد وشهيدة ومنهم 580 طفلاً، و11300 جريح وجريحة ثلثهم أصبحوا معاقين للأبد، وعن معاناة مئات الآلاف الذين سيستقبلوا فصل الشتاء وأمطاره دون مأوى يحميهم ويحفظ كرامتهم.
أما وقد حدث ذلك الغياب المؤسف، فلعلنا نأمل ان تشكل في قطاع غزة لجنة وطنية لمتابعة الاعمار يمثل فيها أصحاب البيوت والمصالح المدمرة وهم اولى الناس واحقهم في معرفة ماذا يجري وما الذي سيجري وهل ستلبى احتياجاتهم ام سيكون مؤتمر إعادة الإعمار تكراراً لمؤتمر سابق وعد بالكثير ولم يحقق الا النزر اليسير.
ثاني الغائبين...كانت محاسبة اسرائيل على الجرائم التي ارتكبتها وغياب قرار من المجتمع الدولي المتشدق بحقوق الانسان والقانون الدولي يجبرها على دفع تعويضات فورية على الدمار الذي أحدثته وعلى الأرواح البريئة التي أزهقتها مدافعها وطائراتها ودباباتها وسفنها وبراميلها المدمرة التي لا تجرؤ أي وسيلة اعلام رئيسية غربية على مجرد ذكرها.
بالطبع لا يوجد مال في الدنيا يعوض عن حياه طفل، أو شهيد قضى برصاص اسرائيل، لكن التعويض هو وسيلة لتحميل المسؤولية لمن يتهربون من عواقب جرائمهم وأداة ردع فعالة كي لا يكرروا هذه الجرائم.
فهل يعوض هذا الغياب بتوقيع ميثاق روما وجر اسرائيل، بعد طول انتظار، الى محكمة الجنايات الدولية؟
أما الغائب الثالث عن مؤتمر إعادة الاعمار، فكان قرار دولي برفع الحصار عن قطاع غزة.
فغزة ما زالت تحت الحصار والاحتلال الاسرائيلي. وبرها وجوها وبحرها محاصر بجيش اسرائيل ومعابرها تحت سيطرة اسرائيل، ودخول مواد الاعمار اليها مرهون بالقرار الاسرائيلي – وهذا ما اكده افيغدور ليبرمان وزير خارجية اسرائيل الذي قال أنه ليس مهماً ان اسرائيل لم تدعى الى المؤتمر فهي التي تمسك بمفاتيح المعابر وبإدخال مواد الاعمار وبالرقابة عليها، وهي التي ستستخدم ما تسميه وسائل الرقابة على استعمال مواد الاعمار للعبث بالعملية كلها.
وذلك يعني حدوث ما نخشاه وهو ان اسرائيل ستسعى لاستغلال الحاجة لإعادة الاعمار لابتزاز تنازلات سياسية من الجانب الفلسطيني، وثانيا انها ستعمل على تحقيق ارباح بتوريد مواد بناء اسرائيلية او من خلال اسرائيل، وبذلك تكون كمن " قتل القتيل ومشى في جنازته وباع بضائع لتحقيق ارباحاً خلال الجنازة ".
لا يمكن الحديث عن إعمار فعلي دون رفع الحصار عن غزة, ودون فك السيطرة الاسرائيلية على ما يدخل لغزة او يخرج منها.
ولا يمكن الحديث عن رفع الحصار عن غزة الا باعادة بناء ميناء غزة – الذي أنشأ في السابق حسب الاتفاقيات القائمة – وتوفير ممر بحري آمن ومحمي دولياً ومستقل عن أي تدخل أو إشراف إسرائيلي.
وإذا كان الممر الوحيد لدخول مواد البناء الى غزة سيبقى عبر المعابر الاسرائيلية، فانها بوتيرة عملها الحالية وحتى لو كانت كاملة (وهذا مستبعد) ستحتاج الى خمسين عاماً كما تقول الصحفية الاسرائيلية عميرة هاس، لادخال مواد البناء اللازمة لإعادة اعمار الخمسين الف منزل وبناية التي دمرت.
لسنا من دعاة التشاؤم ، غير أن تجربة مؤتمر إعادة الإعمار السابق والوعود بالمليارات التي تبخرت بسرعة تجعل أهل غزة يقولون ، اننا سنصدق ان الإعمار يجري عندما نراه على أرض الواقع..... وليس على الورق او في بحر الوعودات.