منذ أيام قليلة، أعلن أحمد يوسف وأكد حسين الشيخ وجود فكرة بأن تخوض حركتي فتح وحماس الانتخابات القادمة بقائمة موحدة. ولم يثر الخبر أصداء كبيرة لعدم تصديقه من جهة، ولعدم وجود أي مؤشرات على قرب إجراء الانتخابات.
لقد شُكِّلت حكومة الحمد الله الوفاقيّة بعد أكثر من ثلاث سنوات على "اتفاق القاهرة"، وبعد خلاف استمر منذ التوقيع عليه مرورًا بـ "إعلان الدوحة" في شباط 2012، وانتهاء بحلف الحكومة اليمين أمام الرئيس؛ تمركز حول إجراء الانتخابات بعد ثلاثة أو ستة أشهر على تشكيل الحكومة.
أصل الحكاية أن الرئيس طرح فكرة الدخول في انتخابات بقائمة موحدة على خالد مشعل، بمشاركة الفصائل التي تقبل ذلك، على أن تضم 70 - 80% من المقاعد، وترك الباقي للمرشحين الآخرين. وكان رد مشعل على الفكرة بأن "حماس" ستدرسها، وهو نفس الرد الذي حصل عليه عزام الأحمد عندما طرحها على إسماعيل هنيّة، ولم يظهر رد رسمي لـ"حماس" حتى الآن، لأن تأكيد يوسف بوجود نيّة عند "حماس" لقبول الفكرة لا يمكن اعتباره موقفًا رسميًّا.
إن الانتخابات شكل من أشكال ممارسة الحريّة والسيادة، وبالتالي لا يمكن لأي انتخابات أن تكون حرة أو نزيهة فعلًا تحت الاحتلال.
بعد "اتفاق أوسلو" بِيعَ الشعب الفلسطيني وهم اسمه "الانتخابات"، لتمكينه من التعبير عن إرادته، ومن خلال أن إجراء الانتخابات يقدم نموذجًا فلسطينيًّا لإقامة سلطة انتقاليّة تمهد لإقامة الدولة الفلسطينيّة، في حين أن ما حدث أن السلطة جاءت لتكريس الاعتراف بإسرائيل و"نبذ العنف والإرهاب"، والتزمت بالاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل ولم يؤد ذلك إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة بعد خمس سنوات على توقيع "اتفاق أوسلو" كما كان مأمولًا.
كان هذا هو التصور الرسمي، ويشمل أن الانتخابات ستتم لمرة واحدة وبعدها ستقوم الدولة، وكان القائد أبو عمار يرفض إجراء الانتخابات رغم مرور الفترة القانونيّة للرئاسة وللمجلس التشريعي، لأنه لا يريد منح الشرعيّة لاستمرار الاحتلال، كون إجراء الانتخابات أكثر من مرة تحت الاحتلال يشرعن الاحتلال ويكرسه كواقع سياسي حتى إشعار آخر.
نقطة الضعف القاتلة في هذا التصور أنه جمد إجراء الانتخابات فقط، وأبقى على كل الوقائع الناجمة عن "اتفاق أوسلو"، ما جعله غطاء لعدم الاحتكام إلى الشعب واستمرارًا لسلطة الحكم الذاتي، وذلك بدلًا من أن يكون عدم إجراء الانتخابات جزءًا من مقاربة جديدة تسعى للتخلص من "اتفاق أوسلو" والالتزامات المترتبة عليه، خصوصًا بعد مرور الفترة الانتقاليّة من دون توصل المفاوضات إلى اتفاق، وبعد تجاوز الحكومات الإسرائيليّة للالتزامات الإسرائيليّة فيه، واستخدامها للاتفاق والمفاوضات وما سمي زورًا وبهتانًا "عمليّة سلام" للتغطية على المضي واستكمال خلق أمر واقع احتلالي؛ يجعل الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد المطروح والممكن عمليًا، وهو حل بكل أشكاله لا يتضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينيّة.
إن الانتخابات وحدها لا تحقق الديمقراطيّة، مع أنه كما يقال لا ديمقراطيّة من دون انتخابات، كما أن أي انتخابات في مرحلة التحرر الوطني لديها وظيفة لا تقتصر على التعبير عن إرادة الشعب، فمثلًا الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة في العام 1996 كانت وظيفتها الرئيسيّة إيجاد "شرعيّة" للسلطة المنبثقة عن "اتفاق أوسلو" لتكون بدلًا من شرعيّة منظمة التحرير، التي جسدت وحدة القضيّة والأرض والشعب، وتبنت خيار المقاومة. فـ"شرعيّة" السلطة أدت إلى فصل القضيّة عن الأرض والشعب، وحوّلت القضيّة إلى مجرد نزاع على الأرض، وقزّمتها إلى إقامة دولة وتجاهل الحقوق الأخرى، مثل حق العودة وتقرير المصير والمساواة، وحوّلتها إلى نزاع حول طبيعة السلام بين إسرائيل الدولة التي اعترفت الضحيّة بها، وبين الضحيّة التي باتت تستجدي اعتراف الجلاد.
أما انتخابات العام 2006 فكانت وظيفتها تجديد شرعيّة سلطة أوسلو وضم "حماس" إليها، خصوصًا بعد تمرد ياسر عرفات ورفضه تصفية القضيّة الفلسطينيّة في قمة "كامب ديفيد" العام 2000 ولجوئه مرة أخرى إلى خيار المقاومة، في محاولة متأخرة لتحسين شروط المفاوضات، أو للخروج من قيودها ونتائجها الكارثيّة.
السؤال الآن: ما هي وظيفة الانتخابات القادمة في الضفة والقطاع تحت نفس الشروط القائمة بالرغم من الحصول على الاعتراف الأممي بالدولة، وفي ظل الانسداد الكامل للمسيرة السياسيّة، وعدم استعداد الفلسطينيين لقبول استمرار اللعبة بالقواعد السابقة، والانقسام الفلسطيني، وعدم مشاركة بقيّة التجمعات الفلسطينيّة، وما يعينه كل ذلك من عدم نضج الظروف لانتخابات حرة ونزيهة تعبر عن إرداة الشعب الفلسطيني وتجسد الاستقلال أو تمهد له؟
عندما فازت "حماس" في الانتخابات ورفضت الاستمرار في "اعتدالها"، إلى درجة الموافقة على شروط اللجنة الرباعيّة الظالمة حتى تقبل كلاعب رئيسي أو كقيادة للفلسطينيين؛ انقلبت إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي على نتائج الانتخابات، ما يدل على أن الانتخابات ليست هي الهدف ولا الاستجابة لإرادة الشعب الفلسطيني، وإنما إخضاعه لشروط التسوية التصفويّة للقضيّة الفلسطينيّة.
أي انتخابات من دون وحدة وطنيّة وشراكة حقيقيّة ومقاربة جديدة لن تمنح شرعيّة وستكون مدخلًا لتكريس الانقسام مثلما حصل مع سابقتها، وستغذي التنافس الداخلي في وقت تكثف إسرائيل من جهودها لتطبيق المخططات الاحتلاليّة والعنصريّة والاستيطانيّة، وتبتعد أكثر وأكثر إمكانيّة التوصل لاتفاق يتضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينيّة، ما يقتضي تراصّ الفلسطينيين ووحدتهم لا العكس.
في ظل الوضع الحالي الذي تعمق فيه الانقسام أفقيًّا وعموديًّا رغم الخطوات الوحدويّة التي ما زالت هشّة، فإن إجراء أي انتخابات وفوز "حماس" بها سيقودنا إلى ما واجهناه بعد نتائج الانتخابات الماضية. أما فوز "فتح" فمن المفترض أن يقود إلى إقصاء "حماس"، وإلا لن يُعترف بسلطة تشارك فيها "حماس" قبل تقديمها شروط الطاعة كاملة، أي أن أفضل الاحتمالات سيئ، هذا من دون استبعاد أن الانتخابات ستجري – إذا جرت الآن - في ظل واقع الانقسام وسلطة وأجهزة أمنيّة هنا تدين بالولاء لـ"فتح" واُخرى هناك تدين بالولاء لـ"حماس"، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة سؤال حول نزاهة الانتخابات وحريّتها، ليس بسبب تدخلات الاحتلال فقط، الذي يرفض مشاركة أهل القدس ويعتقل مرشحين ويمنع الدعاية الانتخابيّة وحريّة تنقل المرشحين في الضفة والقدس وبين الضفة وغزة، وإنما أيضًا بسبب التهديدات والإجراءات والاعتقالات التي تنفذها كل سلطة ضد أنصار وأعضاء الطرف الآخر.
لذا فأي انتخابات بحاجة إلى توفير الشروط الكفيلة بجعلها خطوة تساهم في معركة الشعب الفلسطيني لإنهاء الاحتلال، وإلى توفير الشروط اللازمة لكي تكون حرة ونزيهة من دون تدخل، أو بأقل تدخل ممكن من الاحتلال، بما لا يسمح بالتحكم بها أو مصادرة نتائجها.
في هذا السياق، نضع فكرة خوض الانتخابات بقائمة واحدة – إذا كان الطرفان في وارد إجراء الانتخابات أصلًا - بأنها اجتهاد يحاول أن يلمس الخصوصيّة الفلسطينيّة، لكنه بحاجة إلى تدقيق ومراجعة، لأنها تقضي على فكرة المنافسة وتعدد الخيارات التي هي جوهر أي انتخابات، فالقائمة التي تضم "فتح" و"حماس" وحدهما، أو التي تضم بالإضافة إليهما كل الفصائل ستعني أن القائمة ستفوز بالتزكية، أي بالتوافق الوطني.
ويمكن أن ترجع الفكرة إلى شعور "فتح" المتزايد بأنه من غير المضمون أن تخوض الانتخابات المقبلة موحدة، أو أن تفوز فيها، وشعور "حماس" بأن المطلوب منها خسارة الانتخابات القادمة، لأنها لن تُمكّن من الحكم إذا فازت؛ لذا من الأفضل لها بقاء الوضع على ما هو عليه، لأنها تتمتع بغالبيّة مقاعد المجلس التشريعي، ومن غير المضمون أن يتكرر ذلك. هناك فكرة أجدى بالاتباع وهي الاتفاق مسبقًا على تشكيل حكومة ائتلافيّة وطنيّة في كل الحالات مهما تكن نتيجة الانتخابات القادمة، بحيث تكون وظيفة الانتخابات القادمة تحديد نسبة كل قائمة في المجلس التشريعي والحكومة.
لماذا لا يتم التوافق أولًا على برنامج الحد الأدنى المشترك، وبأي أشكال نضال وعمل يتم العمل لتحقيقه، وتشكيل جبهة وطنيّة عريضة في إطار منظمة التحرير التي يجب إعادة بنائها وتشكيل مؤسساتها، إذ تكون السلطة أداة من أدواتها، استنادًا إلى الخبرات والدروس المستفادة والحقائق والمستجدات، وبصورة تكون إطارًا يجمع مختلف ألوان الطيف ويعبر عن مختلف التجمعات الفلسطينيّة. وبعد ذلك يأتي دور الانتخابات وغيرها من القضايا.