على هامش الندوة العامة لنائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين السيد أبو أحمد فؤاد، والتي عُقدت في اسطنبول تحت عنوان "النضال الوطني والتحديات السياسية الراهنة بعد العدوان على غزة"، أجرى فريق شبكة قدس مقابلة حصرية معه تم التعريج فيها على أبرز القضايا التي يدور الحديث عنها اليوم بشكل عام، وحول التغيرات الي حصلت بعد المؤتمر الأخير في داخل صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
هذا نص المقابلة:
بعد الانتخابات الأخيرة للمكتب السياسي، هل هنالك تجديد لخطاب الشعبية لتحرير فلسطين يستجيب ويتناسب مع المتغيرات المتسارعة؟
في الحقيقة، لقد أفرز المؤتمر السابع الكثير -خاصّة فيما يتعلق في البرنامج السياسي- إفرازات تتناسب مع التطورات التي تعيشها المنطقة، بالإضافة إلى أنّ هناك وضعا تنظيميا جديدا؛ حيث المؤتمرات دائمًا ما تفرز وضع تنظيمي جديد؛ فلقد انتخب المؤتمر قيادة جديدة، وأخذت هذه الانتخابات بعين الاعتبار أن يكون هنالك تجديد بنسبة 60-65%، هذا ينطبق على الهيئات القيادية الأولى، اللجنة المركزية ثم المكتب السياسي، بالإضافة لبعض مفاصل العمل الأخرى، كزيادة عدد الشباب في الهيئات، وفي المكتب السياسي انتخب ثلاثة نساء، وفي اللجنة المركزية هنالك ما لا يقل عن 15-20 مناضلة فلسطينية، وقد لا تجد هذا في الفصائل الفلسطينية الأخرى، هذ المؤتمر أعطى الشباب دوراً، وأعطى المرأة دوراُ، ولكن نريد أكثر، ولذلك قد نضع نسبة معينة تضمن مشاركة الشباب والمرأة في حال رأينا أن العملية الانتخابية لا تضمن للشباب والمرأة دورهم.
أما فيما يتعلق بخطاب الجبهة الشعبية فهو لا يختلف كثيرًا عما سبق؛ ولكن أُخذ بعين الاعتبار التطورات التي حصلت من حولنا، خاصة التطورات الداخلية تحديداً موضوع الانقسام وكيف نعالجه، هذا الموضوع أساسي بالنسبة لنا.
لقد تحول الثقل السياسي اليوم للخارج، هل نستطيع ان نقرأ في ذلك نوع من انواع المراجعات داخل قيادة الشعبية؟
نعم، هذا أحد إفرازات المراجعات التي أجريناها، عادة ما نقف وقفات نقد ذاتي في مؤتمراتنا تشمل الجانب السياسي والتنظيمي والنضالي لنقيّم ما الذي جرى وما لذي علينا فعله؟! نعترف بالأخطاء ونقوم بتوثيقها من خلال أدبياتنا مهما كانت الأخطاء كبيرة أو صغيرة، ولذلك، وقفات المراجعة هذه جعلتنا نقول أن هنالك مسائل يجب أن تتقدم على مسائل أخرى، وأن هنالك مجالات عمل ليس بالضرورة أن تبقى على شكلها السابق.
فيما يخص العمل العسكري، ماذا ناقش المؤتمر الأخير؟
كما كنا سابقاً نعطي المقاومة والكفاح المسلح اهتماماً كبير، وبعد هذا المؤتمر، أصبحنا نعطي العمل المسلح اهتماماً أكبر، نحن في غزة أو في الخارج نعمل بشكل علني تقريبًا، ونعطي جهدًا للعمل العسكري بشكل خاص في المكان المهيأ لذلك، وهذا لا يعني أننا لا نفكر في العمل المسلح في المناطق الأخرى؛ فلدينا تفكير جدي بالقيام بأعمال عسكرية في بلاد الطوق، بالتشارك مع القوى المحلية أو المقاومة اللبنانية أو ما شابهها، إن أمكن ذلك، فالعمل العسكري ضد العدو يجب أن لا يقتصر على غزة فقط، بل يجب على العمل العسكري أن يكون في كل فلسطين المحتلة وخارجها، إن تمكنا من ذلك.
الحرب على غزة:
في الوقت الذي اعتبرها البعض انتصارا واستنكر البعض الآخر ذلك، هل يعتبر السيد ابو أحمد فؤاد نهاية حرب غزة انتصارا؟
هنالك معايير للانتصار، المعيار الأول هو إذا لم يحقق العدو أهدافه فهذا جزء من الانتصار، ونحن نعتقد أن العدو لم يحقق أهدافه، والذي حققه هو ارتكاب الجرائم بحق المدنيين والأطفال، وبالتالي هي وصمة عار في جبين العدو، وقد أحدثت استياء من هذا العدو لدى الرأي العام العالمي، ونحن كنا نريد ذلك، نريد لهذا الرأي العام العالمي، أن يرى بالصوت والصورة هذه الجرائم.
س: لقد سمعنا أن الفصائل كانت على قلب رجل واحد في بداية الحرب ، ولكن لقد ظهرت لنا خلافات وفجوات بين الفصائل في جولات المفاوضات، ما مدى مستوى التنسيق السياسي وما الخلافات التي ظهرت؟
في العمل الميداني يجب أن تكون هناك قيادة موحّدة، وعندما يعمل كل فصيل على حدى؛ يحصل الإرباك، لذلك ركّزنا على ضرورة وجود غرفة عمليات موحّدة وهو ما حصل. ونتيجة لهذا؛ كان هنالك وفد موحّد يفاوض مفاوضات غير مباشرة في القاهرة. ويجب تكريس ذلك. الآن نحن نريد أن يبقى هناك غرفة عمليات مشتركة في السلم و في الحرب، ويشمل ذلك العمل العسكري سواء على مستوى فتح النار أو على مستوى التدريب وخلق كفاءات جديدة بالإضافة لتصنيع الصواريخ والمواد المتفجرة، نريده كله عمل مشترك، وصولاً إلى خلق برنامج سياسي موحّد لهذا الجهد المقاوم، نأمل أن نتمكن من ذلك.
قد يصوّر البعض أن كل الفصائل الفلسطينية تفاوض، وأنها موافقة على المفاوضات، وهذا غير صحيح، وهنا عليّ أن أأكد أن الوفد المفاوض الموحد في القاهرة هو وفد مؤقت وقد مارس التفاوض غير المباشر لقضايا محددة تتعلق بالمطالب ووقف إطلاق النار، وهذا لا يعكس نفسه على المفاوضات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية أو القيادة المتنفذة في منظمة التحرير، فالتفاوض المباشر نحن نرفضه بشكل واضح وصريح.
س: سبق وقلت في الندوة أن الوفد المفاوض لفصائل المقاومة لم يكن لديه علم حول إعلان أبو مازن لوقف إطلاق النار وقد تفاجأت به الفصائل، هل يمكن توضيح هذه النقطة تحديدا؟
إن الوفد المفاوض في القاهرة لم يكن على دراية باتفاق وقف إطلاق النار، الوفد كان قد قدم الورقة الأخيرة وفيها المطالب التي أجمعت عليها فصائل المقاومة وتلك التي اتفقت على تأجيلها، وخاصة موضوع المطار. وبقيت باقي المطالب والتي تشمل: رفع الحصار، ودخول مواد الإعمار، والصيدعلى 12 ميل أو 6 ميل بحري، هذه كلها عليها تأكيدات في الورقة المصرية التي قدمت للجانب المصري والذي قدّمها بدوره للجانب الإسرائيلي، والوفد الإسرائيلي غادر حتى يقوم بعملية اغتيال محمد الضيف، وضرب بعرض الحائط المطالب.
في هذه الأثناء الوفد أنهى مهامه لأن المصريين كان جوابهم "لا يوجد شيء يمكن فعله"؛ فالوفد الإسرائيلي غادر واعتبرت الفصائل أنه لم يعد هنالك شيء يمكن الاتفاق عليه، ولذلك عاد الوفد إلى مرجعيته في قطر ولبنان وسوريا وغزة، وانتهى الموضوع على أساس إن جاء الجانب المصري رداً من الإسرائيليين، يعود ويدعو الوفد الفلسطيني، لنفاجأ بعد مغادرة الوفد وعلى أرضية أن لا هنالك اتفاق، الأخ أبو مازن أعلن وقف إطلاق النار وهذا قبل اجتماع القيادة الفلسطينية في رام الله، ونحن علمنا بعد ذلك؛ أن هذا القرار كان من الولايات المتحدة الأمريكية دون مراجعة أحد من الفصائل، فلقد جرى ترتيب الأمر بين قطر وتركيا والأخ أبو مازن والولايات المتحدة الأمريكية.
س: إذاً، فصائل المقاومة تفاجأت بإعلان أبو مازن وقف إطلاق النار؟
نعم، لم يكن أحد على علم.
س: أكدتم مراراً على الوحدة الوطنية وأهميتها، ولكن ألا ترى سلبية في موقف الحياد للجبهة الشعبية في الخلاف ما بين حماس وفتح خاصة وقد تبين اليوم أنه خلاف بين مشروعين، مشروع المقاومة ومشروع السلطة الواضحة معالمه في الضفة الغربية حيث محاربة كل محاولات المقاومة ؟
نحن لسنا على الحياد، إننا جزء لا يتجزأ من هذا الصراع، لكننا لسنا مصطفين بجانب أحد الطرفين على حساب الوحدة الوطنية، نحن نقف في خندق المقاومة ولسنا في خندق المفوضات، وموقفنا من أوسلو والمفاوضات معلن وواضح، نحن نرفضها بشكل قاطع، ولكن نحن نطرح أنفسنا كطرف ثالث لنبذل جهدًا تصالحياً بين الطرفين، حتى نستعيد الوحدة الوطنية، وهذا هدفنا الرئيسي.
س: ماذا عن الحديث عن سحب سلاح المقاومة وأن "سلاح المقاومة غير شرعي، وسلاح الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية هو السلاح الشرعي الوحيد" ؟
"اللي بدو يسحب سلاح المقاومة بنسحب روحه"، من يجرؤ على سحب سلاح المقاومة؟!، إن كان العدو بكل قدراته لم يستطع سحبه. في النهاية، لن يسحبوا سلاح المقاومة ولن يسحبوا هذه الإرادة عند الشعب الفلسطيني، لا في الضفة الغربية ولا في غزة ولا في أراضي 48 ولا في كل مناطق الشتات، هذا هو شعبنا؛ بالتالي من أراد أن يكون في المكان السليم؛ عليه الاحتكام لهذا الشعب، وها هو اليوم يعلمنا دروساُ في الصمود، هذا الشعب كان دائمًا مُعلّم، ولكنّ بعض القيادات لا تتعلم.
تسنى خلال الندوة لفريق قدس سؤال السيد أبو أحمد حول عدة قضايا لم يتم التعريج عليها خلال هذه المقابلة، ولذلك نوردها لكم أدناه. تؤكدون على أن النظام المصري هو الضامن الوحيد بالرغم من دوره السلبي علينا وعلى مقاومتنا من الحصار على غزة لاغلاق المعابر ومحاربة خطوط امداد المقاومة، فكيف نستطيع الوثوق به؟ بوابة غزة مصر، وأنت تعلم أن هنالك مليونين إنسان في غزّة، وهنالك ضرورة للإبقاء على علاقات جيدة مع مصر حتى لو اختلفنا في السياسة، والا الخيار الآخر في الاتجاه الآخر وأقصد إسرائيل، وهذا لا يمكن أن نقبل به كجبهة وحتى كفلسطينيين، أما السبب الآخر فهو أنّ الجبهة تراهن على الشعوب فهي لن تسمح لأنظمتها بالإساءة لنا، صحيح أن هنالك تحريض اليوم، وأحياناً يشارك فيه المواطنين في مصر، لكن لو عدنا للتاريخ، سنجد أن السادات شتمنا واعتبرنا خونة، والشعب المصري قال له: لا، أنت الخائن وليس الشعب الفلسطيني. وعلى هذا سيكتشف المواطن الصري أن المواطن الفلسطيني في غزة هو أخ وحليف، المسألة مسألة وقت. السلطة الفلسطينية تستمد شرعيتها من منظمة التحرير ، وهي من تقوم بكل الممارسات التي ترفضها الشعبية من المفاوضات الى التنسيق والامني وغيرها، الجبهة الشعبية جزء اساسي من منظمة التحرير، هل نتوقع يوما قيام الشعبية بخطوة جريئة بالانسحاب من المنظمة في حال عدم الاستجابة لمطالبها والذهاب لاطار وطني موحد من اجل سحب الشرعية عن هذه الممارسات؟. السلطة الفلسطينية أصبحت واقع ولكننا لا نعترف بها، ومن المؤسف أن تكون نتائج الانتفاضة الأولى والثانية هذه الصورة الكاركاتيرية من السيادة، لقد أصبح الشعب الفلسطيني كله لا يثق بالسلطة؛ لذلك نقول يجب إلغاء اتفاقية أوسلو، لقد أخذنا موقف في المجلس المركزي، وانسحب وفد الشعبية من اجتماع المجلس المركزي، وترتب على ذلك التوقف عن دعوة الرفيقة خالدة جرار على الاجتماعات، ومنع حقوق الجبهة من منظمة التحرير، لأن الأخ أبو مازن قال: "ما بدنا نمشّي للجبهة الشعبية؛ لأنهم انسحبوا من الاجتماع"، انسحابنا من الاجتماع لأننا كنا صد المفاوضات. الجبهة الشعبية تخوض صراع داخل المنظمة لكن على قاعدة الوحدة، وهنالك فرق كبير بين منظمة التحرير وبعض مؤسساتها، وفي حال نوينا اتخاذ أي موقف، من الممكن أن يكون له علاقة بالمؤسسات التابعة لمنظمة التحرير، ولكن حتى هذه اللحظة، الخيار الذي نفضّله هو توحيد الجهود وتوحيد المواقف.