رام الله - خاص قدس الإخبارية: انخفض سعر صرف الدولار أمام الشاقل ليصل إلى 3.15 على الشاشة الرسمية وفي البنوك، فيما تتصاعد التساؤلات بين الفلسطينيين حول النتائج والتوقعات التي قد يصل إليها الدولار الأمريكي خلال الفترة المقبلة.
وفي ضوء التقلبات التي شهدتها العملة الأمريكية، فإن الشارع الفلسطيني ينقسم بين مستفيد يسدد دينه بعملة الدولار، فيما يخشى من يتقاضون رواتبهم بالعملة الأمريكية من تبعات هذا الانخفاض.
وفي السياق، يتفق مراقبون للشأن الاقتصادي على وجود عوامل اقتصادية بعضها متعلقة بالاقتصاد الأمريكي والسياسات النقدية المتبعة، وأخرى متعلقة بالاقتصاد الإسرائيلي بعملة الشاقل وهو ما أدى لهذا التقلب الملحوظ في سعر الصرف.
حول ذلك، قال نصر عبد الكريم أستاذ العلوم المالية والاقتصادية في كلية الدراسات العليا في الجامعة العربية الأميركية إن أسباب انخفاض سعر صرف الدولار أمام الشاقل يعود لعوامل اقتصادية أمريكية مرتبطة بالسياسات النقدية القائمة حالياً.
وأضاف عبد الكريم لـ "شبكة قدس": "الانخفاض ليس له علاقة بخصائص زوج العملات الدولار والشاقل، فالدولار انخفض أمام سلة العملات، وبالتالي هذا الانخفاض سينعكس على الشاقل الذي يعتبر من العملات المتداولة في العالم".
وأوضح أستاذ الاقتصاد أن الانخفاض يعود إلى أن البيانات الاقتصادية التي صدرت في نهاية الأسبوع عن الاقتصاد الأمريكي بالذات، المتعلقة بالنمو واحصائيات التضخم، والتي لم تكن محفزة أو مؤيدة لفرضية قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة على الدولار، وبالتالي جاءت بيانات الاقتصاد الأمريكي ضعيفة ومعدلات النمو أقل مما كان متوقعاً.
واستكمل قائلاً: "كان متوقعاً قبل بضع أسابيع أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة إذا ظهرت بيانات الاقتصاد غير قوية، ولهذا السبب ارتفع الدولار أمام العملات قبل نحو أسبوع قبل أن يعاود الضعف في الأسبوع الأخير".
وبشأن تأثر أسعار السلع في فلسطين بانخفاض سعر الصرف علق قائلاً: "الواضح أن الأسواق الفلسطينية غير مرنة فيما يتعلق بانعكاس أسعار صرف العملات على السلع الأساسية، فهي لا تتأثر إلا صعوداً فقط وهو ما نلحظه حينما انخفض سعر صرف الدولار من 3.6 إلى 3.3 لم تتأثر الأسعار كثيراً".
ورجح عبد الكريم أنه في حال استمر الدولار بالضعف أمام الشاقل أن يتدخل البنك المركزي الإسرائيلي من أجل ضبط سعر الصرف، إذ أنه معني بشاقل ضعيف وليس قوي في ظل اعتماد السوق الإسرائيلي على الصادرات في الحركة التجارية.
من جانبه، قال الباحث في الشأن الاقتصادي جعفر صدقة إن الدولار يتحرك في ضوء التوقعات الخاصة بمستقبل السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، إذ أن البنك المركزي الأمريكي قبل شهرين كان قريباً من تحديد موعد لبدء التشدد في سياسته النقدية المرنة حالياً.
وأضاف صدقة لـ "شبكة قدس": "البدء بتشديد السياسة النقدية يستهدف مواجهة الضغوط التضخمية، وهذا كان له دور كبير في ارتفاع الدولار خلال الفترة الماضية، غير أن آخر بيانات صدرت عن الاقتصاد الأمريكي كانت سلبية، حيث كان النمو أقل بكثير من المتوقع، إلى جانب أن البطالة وسوق العمل ما زال تحت تأثير تداعيات جائحة كورونا خصوصاً في ظل المتحورات الجديدة".
وأشار إلى أن البنك المركزي وضع معيارين من أجل تطبيق السياسة النقدية الجديدة، ويتمثلا في أن يعود سوق العمل لطاقته الكاملة قبل جائحة كورونا، وأن يثبت مستوى التضخم عند مستوى 2% على المدى المتوسط، وحالياً التضخم أكثر بكثير من المستهدف".
وأوضح صدقة أن كل العوامل التي يريدها الفيدرالي الأمريكي غير متحققة حتى الآن، بالإضافة إلى أن البيانات الأخيرة الصادرة كانت تدعم هذا الموقف، بتأجيل تطبيق السياسة النقدية الجديدة المتشددة ووقف سياسة التحفيز المرنة المتبعة في الفترة الماضية.
ورأى الباحث في الشأن الاقتصادي أن رفع سعر الفائدة غير متوقع قبل منتصف عام 2022، خصوصاً مع بقاء برنامج التحفيز الذي بدأ في مارس 2020، والذي يتم عبره ضخ 120 مليار دولار شهرياً، لتوفير سيولة نقدية فيما خفضت الفائدة إلى مستوى تاريخي يتراوح ما بين 0 إلى 0.25%.
واستكمل قائلا: "كلما كانت التوقعات تتجه باتجاه اقتراب التشدد في السياسات النقدية سيرتفع الدولار، وكلما تراجعت هذه التوقعات وأضحت التوقعات باتجاه إرجاء التشدد في السياسة النقدية سينخفض الدولار ولهذا السبب فإن الدولار تراجع في الأيام الأخيرة".
وبحسب صدقة فإن "البنك المركزي الأمريكي يواجه ضغوط لرفع الفائدة والتشديد، إلا أنه يمتنع لأن ذلك سيرفع كلفة الدين، فخلال عامي 2021 و2020 ارتفع دين العالم بشكل مذهل وأصبح الآن في حدود 296 تريليون دولار على الحكومات والشركات والأفراد، وفي حال رفع أسعار سعر الفائدة فإن خدمة هذه الديون سترتفع وسيؤدي إلى موجة إفلاسات واسعة لكيانات وأفراد وربما حكومات، مع الإشارة إلى أن الارتفاع في مستويات الدين لم نصلها منذ الحرب العالمية الثانية".
وأتبع قائلاً: "البنوك المركزية حالياً بين نارين إما رفع سعر الفائدة وبالتالي إمكانية انهيار كيانات وأنظمة اقتصادية أو إبقاء سعر الفائدة كما هي وبالتالي فإن نسبة التضخم سترتفع وهو ما سيؤثر على شرائح واسعة من الفقراء والشرائح ذات الدخل المتدني".
أما محلياً، فبحسب صدقة فإن الاقتصاد الإسرائيلي نجح في تخطي تداعيات جائحة كورونا بعد القيام بأسرع حملة تلقيح ضد فيروس كورونا، عدا عن رفع بعض القيود بشكل مبكر فيما عاد الاقتصاد تقريباً إلى مستوى قريب مما كان عليه قبل الجائحة، بالإضافة لوجود تدفقات من العملة الصعبة للاقتصاد الإسرائيلي بشكل أكبر ومن أكثر من مصدر.
واستدرك قائلاً: "لكن هذا يشكل هاجساً مرعباً بالنسبة للمصدرين الإسرائيليين الذين طالبوا الحكومة في بيان صحافي بكبح جماح الشاقل، وإلا فإن ذلك سيؤدي لانهيار بعض مؤسسات التصدير"، مشيراً إلى أن البنك المركزي الإسرائيلي قد يتدخل لشراء كميات كبيرة من الدولار كما حصل عام 2020 حينما اشترى 22 مليار دولار، وعام 2021 حينما تم شراء 30 مليار دولار بهدف إضعاف الشاقل.
وشدد الباحث في الشأن الاقتصادي على أن البنك المركزي الإسرائيلي لن يسمح للدولار بالانخفاض إلى حدود 3 شاقل أو أدنى، فهو مستوى حرج وخطر ينعكس بالسلب على التصدير وعلى الاقتصاد الإسرائيلي ككل.
ويعتقد صدقة أن العالم دخل في نقطة حرجة قد تفضي إلى أزمة مالية عالمية سواء حال تم رفع سعر الفائدة أو تم ابقائها كما هي.