ينشغل العديد من السياسيين الفلسطينيين هذه الأيام ومعهم العديد من وسائل الإعلام بمسألة ضم الكيان الصهيوني لمنطقة الأغوار وبعض المناطق الاستيطانية الصهيونية للكيان الصهيوني قانونيا (وفق القوانين الصهيونية والمخالفة لكل الشرائع الأممية).
هناك من يشعر بالأسى وضياع فرصة حل الدولتين، وهناك من يهدد بإلغاء الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني واللهاث وراء المؤسسات الدولية، وهناك من يسهر الليالي في تحضير بيانات الاستنكار شديدة اللهجة. ولا يظهر أمامنا من يتحدث عن الأمر بمنهجية مضادة للمنهجية الصهيونية وهي منهجية القوة وفرض الأمر الواقع.
طالما تم التحذير من تجزئة القضية الفلسطينية وتحويلها إلى عناوين فرعية لما في ذلك من اعتداء رهيب على الوعي الفلسطيني والوعي العربي عموما. كان يتوجب أن تبقى قضية فلسطين كلا متكاملا غير قابلة للتجزئة، وأن تبقى الحقوق الفلسطينية متماسكة كعنوان واحد غير قابل للتناثر. حولوا القضية الفلسطينية إلى قضايا ممزقة إلى حد بعيد مثل مسألة المستوطنات ومسائل القدس ومصادرة الأراضي وتهويد الضفة الغربية وإقامة دولة فلسطينية، الخ. وقد تشتت المواقف الفلسطينية وفق تشتت العناوين، ولم تعد في الوعي الفلسطيني فلسطين المغتصبة بكامل مساحتها، وإنما ذهب التفكير الفلسطيني في التركيز على قضايا مجزأة متنقلة من قضية إلى أخرى. أصبح الفلسطيني أسيرا للمحاور المتنوعة التي تتبادل الأهمية والتغطية الإعلامية. ساسة العالم بخاصة ساسة الدول الغربية والكيان الصهيوني يتحكمون بالتفكير الفلسطيني الخاص بالقضية الفلسطينية. يوما تكون القضية الفلسطينية مسألة الأغوار، وتارة أخرى تصبح بوابات الأقصى، وثالثة الحرم الإبراهيمي ، ورابعة بناء الاستيطان، الخ. هذا كله تغذى على الوعي الفلسطيني بحيث لم يعد الفلسطيني يفكر بوطنه ككل، وإنما بالمسألة الآنية التي يطرحها الآخرون لتصبح اهتماما عاما. ولتصبح الضفة الغربية وقطاع غزة الأراضي الفلسطينية، أو شطري الوطن وشطب الأرض المحتلة/48 من الوعي الوطني..
ما نعرفه أن فلسطين بكامل مساحتها الانتدابية مغتصبة من قبل الصهاينة، وأن الكيان الصهيوني يقوم على التراب الفلسطيني. ونحن لا نعلم إلا العمل باستمرار على استعادة كامل الحقوق الفلسطينية وعلى رأسها عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وممتلكاتهم في الأرض المحتلة سواء كانت محتلة عام 1948 أو عام 1967، وما عدا ذلك هو اعتداء على هذه الحقوق واستهتار بوعي الشعب الفلسطيني وتواطؤ مع الأعداء الذين اغتصبوا الأرض وشردوا الشعب.
لقد نجح الصهاينة ومن يدعمونهم في اختراق الوعي الفلسطيني والعربي، وما نشهده الآن من تنسيق أمني مع الصهاينة من قبل السلطة الفلسطينية وعدد من الأنظمة العربية مثل الأردن ومصر ما هو إلا تجسيد ملموس وواضح لسياسات القيادات الفلسطينية التي أدارت ظهرها لكل المواثيق والقرارات الفلسطينية، وفتحت الأبواب أمام غزو الثقافة الوطنية الفلسطينية والوعي القومي العربي والالتزام الإسلامي بتحرير المقدسات.
لم يكن خافيا منذ البداية أن القيادات الفلسطينية تسير في طريق مخالف لما كانت تتحدث به للجمهور الفلسطيني والعربي. وقد كتبت منذ السبعينات أننا ذاهبون إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني والتنكر للثوابت والحقوق الوطنية لأهل فلسطين. لقد ورطتنا تلك القيادات إلى درجة أن بعضنا قد أصبح عونا أمنيا للصهاينة ويلاحق الفلسطينيين بالنيابة.
وإذا كان لنا أن نواجه ضم الكيان قانونيا لمناطق في الضفة الغربية، فإن علينا تغيير ما نحن فيه. التنسيق الأمني والفساد الإداري وغياب الشرعية عن المؤسسات الفلسطينية وتمزق الهوية الفلسطينية وإساءة توزيع الحظوظ المادية والمعنوية كلها أمور تسيء للقضية الفلسطينية ولأهل فلسطين. الزمجرات الإعلامية والاستنكارات تهدم ولا تبني، وتعزز الاستسلام ولا تستنهض أحدا ولا تخيف أحدا. نحن نسير في الطريق الاستسلامي الخنوعي الذي يتغذى على الحقوق الفلسطينية، ولا بد من ضغط جماهيري في النهاية من أجل إحداث التغيير الذي يتطلبه التحرير.
أسوق هذا لأنتهي إلى أن متطلبات الوعي بالكل الفلسطيني تختلف تماما عن متطلبات الاهتمامات الآنية. تتطلب متطلبات الوعي بالكل الفلسطيني حشدا جماهيريا وترتيبا للطاقات الفلسطينية جديدا، وتعميق الثقافة الوطنية المصحوبة بنفس الالتزام والانتماء، الخ. أما متطلبات المسائل الآنية الطارئة، ووفق تجربتنا، تؤدي إلى الاستهتار والمزيد من "الانفلاش الوطني."
بناء على ما نحن فيه، الصهاينة سيضمون الأغوار والمناطق الاستيطانية دون رد فعل يذكر، كما حصل بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعتراف أمريكا بالاستيطان، الخ.