فلسطين المحتلة- قُدس الإخبارية: عقبت شخصيات حقوقية وقانونية، مساء اليوم الاثنين، على قرار محكمة صلح رام الله بحجب عشرات المواقع والصفحات الإلكترونية في فلسطين.
وأثار قرار محكمة صلح رام الله، بحجب 59 موقعًا إلكترونيًا، استياءً واسعًا، باعتباره يتنافي مع حق الرأي والتعبير وينتهك الحريات الإعلامية بمجملها، مما يشكل جريمة وانتهاكًا بمخالفته للاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها فلسطين، إضافة إلى مخالفة القانون الأساسي الفلسطيني.
من جهته، قال رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، الحقوقي صلاح عبد العاطي، إن هذا القرار يأتي في إطار سياسية معلنة للسلطة الوطنية الفلسطينية تتركز على توظيف المنظومة التشريعية والقضائية لتضيق مساحات حرية الرأي والتعبير، حيث لم يكن قرار محكمة صلح رام الله الأول من نوعه بل سبقه قرارات مشابهة، كان أخرها في شهر أغسطس 2018، حينما قرار المستشار أحمد محمد براك، النائب العام الأسبق، حجب 11 موقعًا إلكترونيًا فلسطينيًا، وذلك عبر توجيه أمر رسمي للشركات المزودة لخدمة الانترنت، بحجب هذه المواقع الالكترونية.
ويرى أن القرار يأتي كتصعيد غير مسبوق لحدة عداء الحكومة الفلسطينية لحرية الصحافة والاعلام، واستمرارًا لقانون الجرائم الالكترونية رقم 10 لسنة 2018، الذي يؤسس لإتاحة الفرصة لوأد وإسكات وإخراس كل صوت معارض للسلطة التنفيذية تحت مبررات حفظ الأمن والسلم الأهلي.
ووفقًا لعبد العاطي، فإن قرار حجب المواقع الالكترونية، يعد انتهاكًا واضحًا للقانون الأساسي الفلسطيني والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، التي كفلت حرية الرأي والتعبير والحريات الصحفية، وعلى رأسها المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكل المبررات لحجب المواقع الالكترونية مرفوضة.
وأكد أن التهم التي تسوقها المحكمة والنيابة العامة الفلسطينية، واهية ومصطنعة؛ لتغطية عداء السلطة التنفيذية الفلسطينية لحرية الصحافة والتعبير في فلسطين، وسعيها الحثيث لملاحقة المخالفين في الرأي والخصوم السياسيين عبر توظيف السلطة القضائية الفلسطينية.
وبحسب قوله، فإنه من الواجب أن يبدأ رجالات السلطة القضائية والنيابة العامة بالتصدي الفعال لمحاولات السلطة التنفيذية توظيفهم للتقليص مساحات حرية الرأي والتعبير، وذلك لترسيخ انتصار أجهزة العدالة لقيم القانون الفلسطيني في مواجهة نفوذ وتغول السلطة التنفيذية.
تجد الإشارة إلى أن القرار ينتهك أيضًا قانون المطبوعات والنشر لعام 1995، وقرار قانون الهيئة الفلسطينية لتنظيم قطاع الاتصالات لعام 2009.
انتكاسة حقيقية ومخالفة للاتفاقيات الدولية
من جهته، قال الحقوقي عصام عابدين، إن حجب عشرات المواقع الإلكترونية، يأتي خلافاً للاتفاقيات والمعايير الدولية، ويؤكد ما سبق وأن أكدنا عليه مراراً بأن التعديلات التي جرت على قرار بقانون الجرائم الإلكترونية رقم (16) لسنة 2017 من خلال قرار بقانون الجرائم الإلكترونية رقم (10) لسنة 2018 مجرد وهم، وذر للرماد في العيون.
وأشار إلى أن جلسات الحوار الثلاث مع الحكومة في العام 2017 فشلت في إحداث أي تغيير يُذكر بشأن قرار بقانون الجرائم الإلكترونية، متابعًا "الانسحاب من لجنة مواءمة التشريعات مع الاتفاقيات الدولية في مجلس الوزراء بسبب الخلاف على طبيعة التعديلات التي جاء بها قرار بقانون الجرائم الإلكترونية 2018 كان مبرراً".
وشدد بالقول: "نحن أمام انتكاسة حقيقة إضافية في مجال حرية الرأي والإعلام والحقوق الرقمية في فلسطين، وتراجع واضح في دور النيابة العامة والقضاء في حماية حرية التعبير والحقوق الرقمية، ولا شك أن ما جرى سيكون له آثار وارتدادات كبيرة وبعيدة المدى".
يُشار إلى المادة 27 من القانون الأساسي الفلسطيني على حظر الرقابة على وسائل الإعلام وعدم جواز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقاً للقانون وبموجب حكم قضائي، كما تنص المادة 19 على كفالة حرية الرأي والتعبير بمختلف أشكالها وصورها.
يوم أسود
من جانبه، قال المحامي ماجد العاروري، إن قرار حجب عشرات المواقع الإلكترونية في فلسطين، "يوم أسود"، حيث تكمم الأفواه بالجملة بقرار قضائي.
وأضاف أن القرار يمهد إلى مرحلة خطيرة تتحول فيها المحاكم إلى أداة لقمع الحريات وشرعنتها في فلسطين، معتبرًا أن القرار في منتهى الخطورة وسيفتح باب التحرك الجماعي للدفاع عن حرية التعبير.
ولفت إلى أن القرار بشأن حجب المواقع اليوم هو أخطر قرار قضائي يستند إلى قانون الجرائم الإلكترونية، ويشكل نذير شؤم فيما يتعلق بحرية الصحافة واستقلال القضاء.
يُذكر أن حق التعبير عن الرأي، مكفول في القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003، وأكد عليه مجلس حقوق الإنسان في قراره حول “تعزيز وحماية حقوق الإنسان على شبكة الإنترنت”، الصادر في حزيران/يونيو 2016، والذي يعتبر الاتصال بالإنترنت حق من حقوق الإنسان، وتضمن منع الدول والهيئات الأخرى من التشويش والإغلاق المتعمد لخدمات الإنترنت، كما ويدين القرار بشكل قاطع التدابير المتخذة بقصد منع أو تعطيل الوصول إلى المعلومات أو نشرها على الإنترنت، في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ويدعو الدول إلى الامتناع عن هذه التدابير ووقفها.