شبكة قدس الإخبارية

فتحي الشقاقي: في إعادة تعريف الصراع

1-278
ثائر أبو عياش

بعد الهزيمة التي مُنيت بها المنطقة العربية، وتحديدًا ما بعد عام 1967 دخل الفكر الناصري في مأزق الأسئلة، والبحث عن الإجابات المصيرية، والوجودية، وخصوصًا سؤال ما هو الفكر الذي يجب الارتكاز عليه في الصراع مع الاحتلال؟، وأكثر كيف يُمكن فهم حالة الصراع مع الصهيونية، وما هي أبعاد هذا الصراع الدينية، والسياسية، والاقتصادية...، وفي سياق المأزق النظري، تمت إعادة طرح مفهوم "الرؤية الإسلامية" لواقع للصراع، وعلى سبيل المثال لا الحصر يقول المفكر الفلسطيني "منير شفيق" في هذا المضمار: "بعد فترة الناصرية، وهزيمة 67 قمنا بإعادة تطوير قراءة جديدة لمفهوم الصراع، وقررنا أن نرتكز على الإسلام كحل لهذه المعضلة رغم معارضة الكثير لهذا الطرح".

انطلاقًا من كلماتنا السابقة، شكّل الشهيد فتحي الشقاقي شخصية قيادية وعلمية، ومحورًا مهمًا على الصعيد الفكري، والسياسي، والعسكري، وبات شخصية تجديدية استثنائية على صعيد القضية الفلسطينية، وأيضًا على صعيد الحركة الإسلامية، ويُعتبر الشقاقي من أبرز رموز التيار المستنير داخل الحركة الإسلامية، حيثُ كان يتمتع بثقافة موسوعية، واستيعاب عقلاني لقضايا الحركات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، ولذلك كان يؤمن الشقاقي بضرورة تعزيز التضامن الإسلامي من أجل التخلص من الصهيونية. بالإضافة إلى أن الشقاقي شكّل أيضًا نموذجا جديدا لما بعد الهزيمة، وخصوصًا بتأثره بانتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وأكثر عزز مفهوم قراءة الصراع من المنظور الإسلامي، وفي هذا السياق يقول الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي: "ما دمنا نعتمد على ثلاثة مبادئ، سننتصر وننجح: أولًا: ألّا نقدم فلسطين دون الإسلام، وثانيًا: ألّا نكتفي بالإسلام دون فلسطين، وثالثًا: هذان لن يتيسّرا دون الجهاد والشهادة".

إذن، طرحت الهزيمة أسئلة كثيرة في عقل الشقاقي، وغيره من المفكرين والقيادات في تلك المرحلة، وبات السؤال الأكثر إلحاحًا "لماذا هُزمنا؟"، والأهم أيضًا كان السؤال عن كيفية استعادة القراءة الحقيقية لطبيعة الصراع مع الاحتلال في بعده الوجودي، ولذلك ذهب الشقاقي نحو بناء فكر صلب يؤسس لتشريح الحالة الفلسطينية من منظور إسلامي، وحتى نتشرب حقيقة المشهد، يُمكن لنا قراءة ما قاله الشقاقي في هذا السياق، إذ يقول الدكتور فتحي: "إن الفكر الذي قُدِّم لي في تلك الفترة لم يكن مقنعًا للأشهر التي قضيتها متألمًا ومسحوقًا، لم يقدم التفسير الفعلي لأسباب الهزيمة، بينما كان الفكر الإسلامي الذي جاء أكثر إقناعًا بالنسبة إليّ، لقد أجاب الفكر الجديد عن العديد من الأسئلة التي كنت أطرحها بعد الهزيمة النكراء. من نحن، ولماذا نُهزم، ولماذا انتصرنا سابقًا، وخسرنا الآن؟

لم يكتف الشقاقي بإعادة صياغة الصراع على الصعيد النظري فقط، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حيثُ قام بتأسيس حركة تحرر فلسطينية _ الجهاد الإسلامي _ على أُسس إسلامية، ودفع بهذه الحركة نحو تجديد "الكفاح المسلح" تحت راية الإسلام، وكان الهدف من تأسيس هذه الحركة هو إعادة تعريف الهزيمة، وكيفية تحقيق شروط الانتصار، وأكثر كيفية التمسك بالثوابت، بالإضافة إلى تعريف النهج الصحيح للتخلص من الاحتلال، وفي هذا السياق يقول الشهيد الشقاقي: "في الأساس نحن حركة إسلامية تقوم على أساس الشريعة الإسلامية والمبادئ المستمدة من القرآن الكريم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتقوم على الاستفادة من الموروث الإسلامي عبر اجتهادات الأئمة والعلماء الكبار في تاريخنا... فكل هذا نضعه كأساس نقيم عليه حركتنا في هذه المرحلة أو في هذا التوقيت من التاريخ، وحركة الجهاد الإسلامي كحركة تجديدية داخل هذا الفكر الإسلامي بدأت تتساءل وتطرح إجابات حول كيف يمكن أن يفهم الإسلام بعلومه وفقهه برؤية منهجية تستخدم الأدوات المعرفية والتاريخ".

على عتبة النقاش السابق، يأتي السؤال المحوري، وخصوصًا ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 "لماذا نحنُ بحاجة لفكر الشقاقي؟"، ويأتي السؤال هنا في سياق أن الدكتور فتحي يمتلك قراءة علمية دقيقة للخارطة السياسية فيما يخص أبعاد القضية الفلسطينية، وأكثر كان يمتلك الرؤية والمسار، ومعالم الطريق بشكلٍ واضح، وعليه يُجيب الدكتور فتحي على السؤال، إذ يقول: "منذ نشأتنا في فلسطين قررنا أن لنا عدوًا واحدًا وأساسيًا، هو العدو الصهيوني، وأن الصراع فقط هو مع هذا العدو، وأن ما تبقى هو مجرد خلافات فكرية أو سياسية مع القوى الفلسطينية المتواجدة على الساحة، وأن العنف موجَّه فقط ضد العدو الإسرائيلي".

 حتى نفهم ما كان يصبو إليه الدكتور فتحي علينا قراءة فكر هذا الرجل بتمعن وتأني، حيثُ ترك هذا الشهيد أرثًا ثقافيًا لمفهوم الصراع يستحق أن يتجدد حتى لا يتبدد، ومن أهم ركائز هذا الإرث هو مفهوم "مشاغلة العدو"، وكتب الشقاقي في هذا السياق يقول: "إن الثورة عمل غير مؤجل، وإن الوجوب فوق الإمكان، وإن مهادنة العدو والهروب من مواجهته حتى تكتمل ما تُسمى بالقدرة المكافئة هو وهم يشلّ الحركة ويقتلها، ويسمح للعدو بالنمو والتعاظم، ويجعله دومًا في الوضع الأفضل للانقضاض".

يُعتبر الشهيد الشقاقي نموذجًا فريدًا في المقاومة، فهو القائل: "لا تصّدقوني إلاّ إذا رأيتموني شهيدًا"، وبالفعل رحل شهيدًا صادقًا بعد أن تم اغتياله على يد الموساد "الإسرائيلي" في جزيرة مالطا في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1995، وأكثر يًعتبر الشقاقي رمزًا وقائدًا ومفكرًا. وأخيرا وليس أخرًا يًعتبر الشقاقي صاحب وصايا ما زالت قابلة للتطبيق حتى اليوم، ومن أهم تلك الوصايا التي يجب الارتكاز عليها " أن دور المجاهدين اليوم أن يمنعوا استقرار "إسرائيل" بأي ثمن".

 

 

#الشقاقي