يقوم حصار غزة في المبدأ على اعتبار الكيان الصهيوني نفسه جداراً حديدياً مسدوداً أمام غزة، وتعزيز قدرته على كسر المقاومة في غزة يتطلب إحكام الحلقات الرخوة من حولها فلسطينياً عربياً وإقليمياً وعالمياً، وهو ما انصب الجهد على تحقيقه على مدى ١٢ عاماً منذ ٢٠٠٧.
رُفعت جدران الحصار حول المقاومة واحداً بعد الآخر، فالانقسام الفلسطيني سمح بتحويل فعل خياني من طراز المشاركة في حصار غزة إلى وجهة نظر باسم النكاية مع الغريم الداخلي، بينما أسقط الخلاف العميق الناشئ خلال الثورات العربية غطاءها الإقليمي، ما منع المقاومة من ترجمة إنجازها العسكري في حرب ٢٠١٤ إلى نتائج سياسية، فيما جاءت موجة الردة على الثورات لتصعد بالصهيونية العربية إلى الواجهة، حتى باتت الضغوط العربية لحصار المقاومة وفرض تصفية نهائية للقضية الفلسطينية أشد وطأة من تلك الأمريكية، وأخيراً جاء دونالد ترامب بقناعاته اليمينية وقاعدة ناخبيه الإنجيلية ليفرض رؤية أمريكية أكثر تطرفاً من الرؤية الإسرائيلية للمرة الأولى في عمر هذا الصراع.
هي فترة "ذهبية" إذن لإسقاط المقاومة الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد من وجهة نظر أعدائها، والحقيقة أن المقاومة على مرّ تاريخها لم تمر بإجراءات حصار مالي وسياسي أقسى من تلك المفروضة عليها الآن.
السؤال المهم هنا: ما الذي يمنع هذا الحصار المحكم وهذه الظروف المتضافرة من تحقيق هدفها؟
حسناً، لقد وقع ما لم يكن في حسبان المحاصرين، فالحائط الحديدي المسدود لم يعد حائطاً ولا مسدوداً، وأمام إحكام جدران الحصار المحيطة بات الكيان الصهيوني هو الحلقة الأضعف و"الحيط الأوطى" في هذا الحصار، وبات الضرب المباشر لهذا الكيان الخيار الأفضل والأكثر جدوى لمغالبة الحصار وتحديه.
من وراء هذا التبدل هناك تراجع أكبر وأهم وهو أن الولايات المتحدة وصلت إلى قمة يمينيتها وصهيونيتها في الوقت ذاته الذي لم تعد فيه قطب العالم الأوحد ولم تعد قادرة على قتل أحدٍ بحصارها، بل إن دولاً في خاصرتها الأقرب باتت قادرة على تحديها علاوة على مؤسسات شعبية تواصل حياتها وعملها رغم إدراجها على لائحة الإرهاب الأمريكية.
اليوم بات الكيان الصهيوني بذاته أمام خيارين: إما أن يذهب إلى حرب شاملة لإسقاط قلعة المقاومة في غزة مستفيداً من ذروة الحصار، وإما أن يعمد هو بيديه إلى تخفيف وطأة الحصار طلباً للهدوء وتفادياً لحلقات التصعيد التي باتت تنطلق كل أربعة أشهر تقريباً وتنتهي بنتائج غير حاسمة وبتراجعات مذلة... أما مواصلة الوضع الحالي فهو في المحصلة يصب في مصلحة المقاومة التي ستفرض التراجعات الصهيونية بالتدريج مرة بعد مرة.
المطلوب الآن هو تعزيز قدرة المجتمع الغزي بكل جهد شعبي ممكن، وتخفيف ثمن هذه المِحنة الصعبة عليه إلى أن يتعداها، وأن تعزز غزة بتصعيد في القدس وعلى نقاط التماس في الضفة الغربية، فالعدو يدرك صعوبة بل واستحالة خوض المعركة على أكثر من جبهة بميزان القوى الحالي، وإذا ما عززت غزة بجبهات أخرى وإن اقتصرت على التظاهر والحراك الشعبي فإن نصر غزة سيكون أسرع، والثمن الذي ستدفعه سيكون أقل.
#المقاومة_درعنا