لن تعثُر في الإعلام الفلسطيني الرّسمي مهما حاولت واجتهدت على أيّ موقف أو أراء مخالفة لسياسات "الرّئيس" الفلسطيني محمود عباس، فكل شاشات وفضائيات وصحف واذاعات "فلسطين الرسمية" دون إستثناء مفتوحة 24 ساعة لأبواق السلطة من "جماعة الرئيس" فقط. فلا مكان للآخرين فيها ولو دقيقة واحدة، رغم انها من المفترض، نظريًا وقانونيًا، تُسمى "مؤسسات وطنية عامة" و"ملكية للقطاع الفلسطيني العام " وليست مزرعة أو ملكية خاصة تابعة لرئيس السلطة وجوقته من جيش التابعين والمرتزقة والعرّافات ومن صدقوا أنفسهم انهم " إعلاميون " و " إعلاميات " فقط لانه هيكلا يرتدي بدلة جديدة وله لسان !.
هذا السطو الشامل على المؤسسات الإعلامية العّامة الرّسمية من قبل "حركة فتح" وطبقة المال يؤكد حالة التماهي بين الحركة والمنظمة ومؤسسات السلطة. لقد جرى مسخ الاعلام الفلسطيني ولم يعد لديه قطرة من مصداقية، وهذا نموذج واحد فقط عن حالة الهيمنة المطلقة لسلطة اوسلو وكيف تتغول حركة فتح على مؤسسات الشعب الفلسطيني.
تخيل مثلا: ما الذي يمكن أن يحدث لو قامت "فضائية/ تلفزيون فلسطين " باجراء مقابلة إعلامية عادية وعابرة لمدة نصف ساعة مع الدكتور عزيز الدويك، وهو رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب تساله عن رأيه في حل مجلسه مثلا؟ لكن هذا لن يحدث. لقد أصبح اعلامنا الفلسطيني أسوأ من إعلام الانظمة العربية. تفوقنا عليه في الكذب والتسحيج وإقصاء الآخرين.
إن الفساد في المؤسسة الاعلامية الفلسطينية الرسمية يعكس الواقع كله ولا يحتاج الى أدلة وبراهين. فما عليك الا أن تجلس وتتفرج على القوم داخل صندوق/ تلفزيون السلطة!
كان لدينا في الماضي مؤسسة اعلامية فلسطينية موثوقة ومحترمة ولكنها لم تعمر طويلا عاشت بضع سنوات قبل ان يجري اغتيال كمال ناصر وغسان كنفاني وماجد ابو شرار وقبل اقصاء عشرات الكفاءات الفلسطينية ، بعد فترة اصبح لدينا إدارة فاسدة ومؤسسة اعلامية عرفاتية ، واليوم يوجد ادارة للفساد و" مؤسسات " يحتلها اعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح من كبار الموظفين و اصحاب النفوذ، فلا تسمع فيها الا صوت عباس وعريقات والهباش والرجوب وعزام الاحمد و حسين الشيخ و المجدلاني ومحمد شتية وصولا الى "المتحدث الرّسمي" باسم حركة فتح!
ولا ينسحب الأمر على البرامج السياسة فقط في اعلامنا العاثر ، فالسلطة المُطلقة، كما يقال، مَفسدة مطلقة بالضرورة ، يعم الخراب (كل البرامج) الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والرياضية، هكذا يصبح تزوير التاريخ مهمة "المؤرخ" وتزييف الواقع مهمة السياسي، تتحول المؤسسات الإعلامية إلى ماكنة لتفريخ الكذب والدجل والتسويق الرّخيص. إن بعضهم يكذب حتى في تقارير نشرة الأخبار وحالة الطقس. الكذب ايدلوجيا اعلام النظام السلطوي و "ملح رجال السلطة" وبقدر ما يحاول تلميع الواقع الرّديء واخفاء وطمس رائحته العفنة بقدر ما يسقط أكثر ويكشف نفسه أمام جمهور فلسطيني يقظ لن تخدعه الخراريف .
من الصعب أن تحصي عدد الساعات التي يظهر فيها هؤلاء القوم في الاعلام الفلسطيني/ العربي الرّسمي، دائمًا يظن أبواق السلطة انهم اذا أكثروا في الكلام واللغو، واذا احتلوا الشاشات والاذاعات سيكون في وسعهم "إقناع الشعب ". فالسلطوي الفلسطيني اذا شحنته ثم وضعته امام كاميرا إما ان يردح لحركة حماس أو يمدح " الرئيس " او كلاهما ، يعلك الكلمات طوال الوقت ولا يقول فكرة واحدة ويكرر ما قاله بالامس . ولا يقول أي شيء. مجرد خراريف.
السلطة الفلسطينية الفاشلة في السياسة والتنمية هي أكثر فشلاً في الاعلام. هذا الاخير صوت السلطة وبوقها ، ويفشل الاعلام حتما إذا خاطب الشعب الفلسطيني ولم يحترم عقله، فهذا شعب قديم ومجرب، يقظ ولمّاح، عجنته تجربة تاريخية طويلة ويملك فطرة عجيبة اذ " يفهمها ع الطاير " وقد " خلّع اسنانه " في مسيرة الالم والنضال والبحث والشك من كثرة ما تعذب وما كذبوا عليه. للشعب الفلسطيني اعلامه الشعبي البديل الذي يتفوق على اعلام السلطة ، في وسعه دائما ان يرد على تصريح مخادع ويحوله الى نكتة شعبية فلسطينية حارقة سرعان ما تنتشر بين الناس كالنار في الهشيم!