لا حاجة لتكرار العبارة التقليدية المعروفة والممجوجة عن خصوصية العلاقات التاريخية بين الأردن وفلسطين ولكن من الأهمية بمكان التذكير دائماً بأن لهذه الحقيقة وجهان إنها مقولة يمكن تأويلها وتفسيرها لصالح طرفي نقيض طرفي التناقض نحن والاستعمار، وقد تخدم المعسكر المعادي لفلسطين والأردن معاً، إذا لم يجرِ فهمها على نحو علمي وثوري يعتمد حقائق الواقع دليلاً ومصدرًا.
إن الشركات والبنوك والمصانع والمؤسسات الأردنية - الفلسطينية المشتركة يتقاسمها الكومبرادور وحزمة السماسرة وكبار التجار من شرقي النهر وغربة برعاية أمريكية - خليجية - صهيونية، حقيقة قديمة معروفة عن الروابط التاريخية والجغرافية وعلاقات السياسة و الدم.
فهذه طبقة واحدة، تجمعها مصلحة واحدة، من الاقطاع القديم الى سكان القصور و" اصحاب " المال والشرائح المرتبطة بالاستعمار والإحتلال والنفط والمؤسسة الدينية (الأوقاف)، إنها جزء من معسكر معادي وأكبر يستعمر ويحتل المنطقة العربية منذ 100 عام وأكثر.
فالدولار حليف الشيكل، والشيكل صديق الدينار، هذه الحقيقة يجب ان تدفعنا الى السؤال التّاريخي النقيض:
لماذا إذن لا تتحد الطبقات الشعبية المفُقرة المستغَلة؟ الطبقات الشعبية في فلسطين والاردن التي يجلدها الدولار والدينار والشيكل؟ هذه الشرائح المسحوقة في جنين ومعان وغزة والبقعة وحيفا وجرش والكرك؟ أوليست هي صاحبة المصلحة الأولى في التغيير والتحرير والاستقلال الوطني؟ نحن في الحقيقة شعب واحد.
إن الأكثرية الشعبية المضطهدة في فلسطين والأردن هي الأكثرية الصامتة التي تقف على " الضفة الأخرى من المعادلة" غير موحدة وتقبع تحت طبقة سميكة من الجهل ويجري تهميشها في معادلة الصراع ، فلا تجد صوتها، أو من يدافع عن حقوقها المشروعة، حال المواطنين واللاجئين في الأردن وفلسطين هو الحال ذاته، الدم ذاته، العدّو ذاته، القضية ذاتها، من الكرك إلى حيفا.
وإن الأقلية الحاكمة من طبقة المال في الأردن وفلسطين التي تشكل 1 بالمائة تجلد بسياطها وكرابيجها 99 بالمائة من الشعب وهي الاقلية التي جلبت لنا الإستعمار والعار معاً، وتتساوق مع الإحتلال الصهيوني وتؤسس لنظام العبودية والقبلية في عقيدة اسمها ( أوسلو - وادي عربة ) كرّست واقع الهزيمة والعلاقات " الطبيعية " مع الكيان الصهيوني، إنها طبقة موحدة في موقفها السرّي والعلنيّ، تتصل بعلاقات وجودية وثيقة مع الكيان الصهيوني لا فكاك منها، وصار من مصلحتها أن تظل " إسرائيل " قوية وموجودة لحمايتها، هذه نخبة عميلة من الملك عبد الله الثاني إلى أبي مازن، ولا مقدس عندها إلا امتيازاتها ومصالحها ورضى أمريكا والتنسيق الأمني.
يجب أن تتعلم الطبقات الشعبية الكادحة في الأردن وفلسطين هذا الدرس، درس الوحدة، تتعلّمه ولو من جلاّديها، كيف تصنع هي الأخرى وحدتها الشعبية المقاتلة والمغايرة؟ وكيف تقاتل موحدة من أجل مصالحها وحقوقها المنهوبة والمجتمع الديموقراطي البديل ؟ وكيف تحدد هدفها الإستراتيجي وتبدأ بالعمل على إلحاق الهزيمة بالمعسكر المعادي من قوى الإستعمار و الإحتلال و الرأسمال ووكلائهم من سكان القصور في عمان ونابلس؟.
كونفدرالية الشعب بديلا ًعن كونفدرالية معسكر الهزيمة
إن إعادة الاعتبار لخصوصية العلاقات التاريخية الأردنية الفلسطينية من منظور الطبقات الشعبية وليس من منظور وادي عربة - أوسلو، يعني إعادة الإعتبار لوحدة العمل النضالي الشعبي المشترك في مواجهة أعداء الأمة.
هذا يبدأ فقط حين نحدد قضايانا الوطنية وأولوياتنا المشتركة، ليس عيبًا أن نتعلم من البرجوازية درس المصالح أيضاً، المصالح على الأقل وأن ما ينتزعه الشعب الأردني بالقوة والإرادة الشعبية من حقوق سياسية وإقتصادية واجتماعية وثقافية هو انتصار صافٍ لفلسطين والعكس صحيح.
وهذا يعني أيضاً إعادة الإعتبار للعمل الجماهيري والنقابي والسياسي والإعلامي والكفاحي، يعني تعزيز الجهود المشتركة في حركة الدفاع عن حق العودة ومناهضة التطبيع وتوسيع وتطوير حركة المقاطعة والتعاون النضالي والتنسيق الميداني على كافة المستويات، بما في ذلك انتزاع الحق الشرعي في ممارسة الكفاح المسلح عبر "الحدود " (لمن استطاع إليه سبيلا). كلها أشكال نضال ومقاومة وطنية مشروعة ولا تناقض.
وإن قوة وجبروت معسكر العدّو الإمبريالي الصهيوني الرجعي من جهة وضعف بنية الأحزاب والقوى العربية القومية واليسارية في المنطقة من جهة أخرى يحول دون تحقيق الإختراق المطلوب لتحقيق وحدة الطبقات الشعبية، بالمنعى التنيظمي، كما أن البُنيّة القيادّية الطبقية في هذه الأحزاب لا تحتمل أي برنامج كفاحي سياسي جذري سيُعرّضها حتماً إلى مستوى أعلى من الإشتباك مع السلطة الحاكمة ( الإحتلال + نظام وادي عربة - أوسلو ) وفيما يجلس هذا المثلث الاقتصادي – السياسي ـ الأمني ، في اجتماعات سرّية دورية للتنسيق والتشاور، تتصارع أحزابنا الوطنية على حصتها من الفراغ، يا للعار.
من الصعب تحقيق هذا الإختراق المنشود إلا إذا إستعدّت الأحزاب اليسارية والقومية وأعدّت نفسها للتغيير الثوريّ الحقيقي وليس الشكلي والصوريّ، تغيير ديمقراطي يبدأ في داخلها أولاً، قبل أن تبدأ بالتبشير والتنظير عن تغيير ما لا تقوى على التأثير فيه. إن أقّدَامها وأدواتها المتكلسة أوهن وأضعف من التصدّي للتحدّيات الكبيرة في مواجهة الكيان الصهيوني والطبقات الحاكمة المجُسّدةً في حِلف " وادي عربة ـ أوسلو " إذن، لابد من سلوك طريق التغيير التجديد الدّاخلي أولاً.
البُنية الشاملة في هذه الأحزاب ليست بنية ثورية عماليّة أو شعّبية، كما أن حضورها في المخيمات وأحزمة البؤس في المدن والريف والبادية حضور رمزي ولا يكاد يذكر. ولأن العامل الذّاتي، هو دائماً العامل الحاسم والمركزي في هذا الصراع ، كما في كل صراع ، تصبح مسألة مغادرة حالة الضعف والترهل والميوعة القيادية في أحزابنا والإنتقال إلى حيّز المبادرة والفعل والوحدة مسألة حياة أو موت وليست ترفاً " للحوار الفكري" ! هذا يأتي فقط من خلال الدفع الواعي بالعناصر والكوادر الشابة الجذرية من " تحت " إلى موقع القرار السياسي، من الهامش إلى المركز ومن الصمت الى مواقع المسؤولية، هكذا يتكشف مثلاً الدور الحاسم للشباب وللمرأة ويستعاد دورها المركزي وهكذا تولد الهيئات الشبابية والطلابية والعمالية والفلاحية، هذا إذا أردنا حقاً أن تكون الأجيال الجديدة أمام اختبار تاريخي لإرادتها، فهو حق لها وهو الواجب الوطني في آنٍ واحدٍ.
نحن دائمًا في حاجة الى ولادة قوى ثورية جديدة في فلسطين والأردن ومنطقتنا ، كضرورة موضوعية ونضالية وبديلاً عن العلاقات المشوهة الراهنة التي تحكمنا ، شرط أن تكون ولادة طبيعية تأتي من رحم الواقع المادي المعاش ومن قلب الصراع، لا من بوابات المخابرات ولا من شبابيك منظمات الليبرالية المعولمة ( إن جي اوز ) أو التيارات التي تسللت إلى مجتمعاتنا واستنزفتها من الداخل.
ما يريده الشعب في فلسطين والاردن ومستعد للبذل والتضحية من أجله هو بناء قوى ثورية جديدة تدرك دورها التاريخي وعلاقتها الكفاحية ومصيرها المشترك وتطلق حياة جديدة في شرايين الحركة الوطنية، وليس شعارات فارغة ومُكررة مجترة عن "العلاقات الأخوية بين الشعّبين " ! لا يوجد شعبين ، هذا شعب واحد ، والأردن وكل فلسطين وطنه الواحد الموحد.
نحن في حاجة الى قوى سياسية تجدد وتحدد خياراتها السياسية وتعلن في وضوحٍ وصراحةً أن هدفها الإستراتيجي هو تحقيق التحرير الشامل، الإستقلال الوطني الناجز وإزالة الكيان الصهيوني ونظامه الإستيطاني العنصري وبناء نظام الجمهورية، فهكذا تستجيب لنداء الشعب وللتحدّيات الوطنية والقومية الرّاهنة وتكون قادرة على إشاعة أجواء نضالية جديدة تولد وتنشأ في رحمها قوى البديل التاريخي والثوري التي تملك الإستعداد والجاهزية والخطة والرؤية الواضحة، نحو الوطن الموحد والمجتمع البديل والممكن.
الأردن وفلسطين، لا توجد دولة أو قوة قادرة على فصلهما، فإما أن يكونا معاً ويتقدما صفوف المعركة معاً ويصنعا الكرامة من جديد، في نهر النضال التحرري الموحد ، أو يكونا خنجرًا مسمومًا في جسد هذه الأمة، الأمر يعتمد على الطبقات الحاكمة التي تسود ، تجسيد حي لحقيقة ومقولة وحدة وصراع الطبقات.