يُواصل السيد محمود عباس (أبو مازن) تمثيل دور "القبطان" وقد أوهم نفسه أنه قادرًا على قيادة السفينة الفلسطينية وإدارة طاقمها وتحديد مسارها لكن مشكلته الوحيدة أنه لا يملك خارطة ولا بوصلة ولا يعرف أي شيء عن السفن ولا يجيد السباحة، وأخيرًا: لا يسمع إلا صوته ولا يرى إلا صورته في الماء. مع ذلك، يواصل طريق التيه والخراب على أي حال، بات جاهزًا ومستعدًا للتعاطي مع أي دور له يجري تحديدة في اطار "الصفقة الامريكية " وفي أي وقتٍ تُحدده واشنطن وتل ابيب والرياض.. ولكن ما سبب هذا الحَرَد الفلسطيني الرسمي من أمريكا؟ وهل حقا "يرفض" عباس وفريقه صفقة القرن؟
إن مشكلتهم الوحيدة مع "صفقة القرن" أنهم صاروا خارجها تقريبًا، وبعبارة أدق، غير ذي صلة، رئيس السلطة الفلسطينية يفتش اليوم عن دور كي تعترف به أمريكا، ولو عضوا شكليا في "الأسرة الدولية" ولذلك يكثر فريقه في الحديث عن "القلم" و "السحر" و"الشرعية" في جيب عباس! تماما مثلما يقبض مختار تقليدي اصابه الخرف على "الختم" وقد انتهت صلاحيته منذ عقود، لكنه لا يزال يصدق انه هو الحاكم بامر الله في القرية!
ويدرك مختار رام الله أن الولايات المتحدة والنظام العربي الرّسمي وشركائهم من الصهاينة والأوربيون يفتشون علنًا وسرًا، وقولاً وفعلاً، عن شريك آخر غيره، يكون عنوانا لهم ويافطة جديدة للمرحلة القادمة. شريك فلسطيني أكثر قبولا من الكل الرجعي ويستطيع ترويج وتسويق البضاعة الامريكية والاسرائيلية في أوساط الفلسطينيين وبطريقة افضل من أبو مازن..يدرك الكون كله هذه الحقيقة وان " شعبية " عباس اصبحت اليوم في اوساط الفلسطينين في أسوأ حالاتها وقد هبطت الى الدرك الاسفل !
هذا التمنع والحرد المبالغ فيه "ضد صفقة القرن" لا يعدو كونه جعجعة فارغة لا ينقل "السلطة" إلى موقع نقيض مناهض لسياسات أمريكا والكيان الصهيوني والحالة الراهنة، فهذه السلطة جزء من التركيبة في مشروع التصفية للقضية والحقوق الفلسطينية، وبالنسبة لامريكا السلطة مهمة لكن عباس لا قيمة له، وهذا الحرد اللفظي والشكلي لا قيمة له في سوق السياسة والصراع، أنه مجرد سعي محموم من أبو مازن وفريقه للعب دور اعلامي ظاهري ، ولو بالتمارض والاستموات. المهم أن يظلوا داخل النادي الامريكي! ويعرف "الرئيس الفلسطيني" يف تأتي أمريكا بأزلامها إلى السلطة وكيف تنصبهم رؤساءً وملوكًا وأمراءً على الشعوب. يعرف ذلك بالتجربة الشخصية والعملية!
"جماعة الرئيس" في رام الله دخلوا مأزقاً جديداً وخطيرًا، يفتشون عن حل لهم، وكالعادة، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني ومن جيب الفقراء وحقوق اللاجئين والطبقات الشعبية. يبحث "الرئيس" في متاهته عن حصته في "صفقة " لا يعرفها!؟ المهم أن تشمل فريقه الرّعاية الأمريكية والاسرائيلية ولا يحرموه من المكارم السعودية والنفطية، لأن الصفقة التي يجري الحديث عنها في الواقع هي مجرد الاسم الرديف "لمسيرة التسوية " التي بدأها نهج التسوية والاستسلام، ولكن هذه لن يكون فيها محمود عباس!
سيتواصل العبث ذاته، لكن دون عباس!
لو كان فريق أوسلو حقًا ضد "صفقة القرن" كما يقول رموزه لكانوا اليوم في غزة، في المعسكر الشعبي المقاوم للهيمنة الامريكية والصهيونية الاستعمارية في المنطقة ولذهبوا إلى المخيمات في لبنان وقطاع غزة والاردن وسوريا وقدّموا اعتذارًا علنيًا وسلّموا للمقاومة الفلسطينية كل القرار واعترفوا بفشلهم
لكن محمود عباس ذهب الى طريق مغاير تمامًا، طريق الاقصاء والاستعماء والطرش وتشديد العقوبات على غزة ورفع وتيرة القمع في الضفة بما في ذلك اعتقال الكتاب والصحفيين (القبطان يعتقل ركاب السفينة!) بل أنه لا يسمع صراخ الاسرى ولا جوع قادتهم في سجون العدو..
نحن إذن أمام دكتاتور يُصّر على التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها مزرعة وملكية خاصة له ولجماعته وعائلته، ويفضّل الهزيمة والركوع ألف مرّة أمام ترامب وبن سلمان ونتنياهو وملك الأردن على أن يتنازل لشعبه ولو سنتيمترًا واحدًا. هذا بالضبط منطق وحال كل ديكتاتور حين يقترب من نهايته ويحفر قبره بيديه.
العقوبات التي يجري فرضها اليوم على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من قبل فريق سلطة رام الله هي جرائم قانونية وسياسية وجرائم فساد، لكنها إلى جانب هذا كله تشكل دلائل وبراهين دامغة على قبول عباس "الصفقة الامريكية " واستعداده لأوسلو جديد وقفزة في الهواء، فلا أحد يواجه سياسة أمريكا والكيان بمعاقبة شعبه وحصار الأسرى وتفتيت جبهته الداخلية وقمع الجماهير!
"القبطان" أبو مازن يواصل متاهته في بحر السياسة فيما السفينة الفلسطينية مخترقة من كل الجهات و تتقاذفها العاصفة وتطوح بها الريح وقد تشارف على الغرق. حينها لن ينقذها إلا الرّكاب وأصحاب العقول الراجحة ويصلوا بها الى شاطئ الآمان!