جنين - خاص قدس الإخبارية: لم يعد الهرب كل ليلة ممكنا للأسير أشرف أبو الرب كما اعتاد، فمنزله بات الآن معروضا للبيع، وحلمه الذي بناه تبخر في الهواء بقرار من السلطة الفلسطينية.
ففي كل ليلة وما أن كان أشرف أبو الرب (41 عاما) يضع رأسه على الوسادة، حتى يهرب بخياله من زنزانته وصولا لمنزله في مدينة جنين، ليتفقد حجارته، حجرا حجرا، ثم يبدأ بالتفكير: (ماذا سيضع هنا، وكيف ستكون هذه الغرفة، وأي غرفة سيختار لطفلتيه).
إلا أن حلمه الذي بذل جهودا كثيرا ليحوله لحقيقة سيفقده قريبا، فقد قرر أشرف أبو الرب عرضه للبيع، بعد أن قطعت السلطة الفلسطينية راتبه، ضمن الحملة التي طالت 277 أسيرا من محرري ومبعدي وأسرى صفقة وفاء الأحرار.
ففي عام 2011 تحرر أبو الرب وآخرين ضمن صفقة تبادل بين حركة حماس وسلطات الاحتلال، وبعدين عامين وإثر اتهام عناصر من حركة حماس بخطف مستوطنين وقتلهم في الخليل، أعاد الاحتلال اعتقال 50 من محرري الصفقة المتواجدين في القدس والضفة المحتلتين، قبل أن يعيد لهم أحكامهم السابقة.
رشا أبو الرب زوجة الأسير أشرف تروي لـ قدس الإخبارية، أن زوجها الأسير أشرف كان محكوما بالسجن 35 عاما، قضى 10 سنوات قبل أن تحرر في صفقة وفاء الأحرار، لافتة إلى أن الاحتلال أعاد له حكمه السابق إذ يقضي الآن حكما بالسجن 25عاما.
أشرف وبعد تحرره في المرة الأولى تزوج رشا وأنجبا الطفلتين شام (ثلاث سنوات) ويمنى (عامين وثلاثة شهور)، وبدأ معا بالتخطيط ببناء منزل صغير خاص يأويهم، وقبل أن يبدأ أشرف بتنفيذه على أرض الواقع، اعتقله الاحتلال وأعاد له الحكم السابق، لتكمل رشا تنفيذ حلم زوجها، بما يحصل عليه من مستحقاته المالية كونه أسيرا في سجون الاحتلال.
"المنزل شبه جاهز ونحن الآن في المراحل الأخيرة من تجهيزه، إلا أن قطع راتب أشرف أوقف كل شيء" تقول رشا، مبينة لـ قدس الإخبارية، أنها اعتمدت على نظام الشيكات في بناء المنزل، ومنذ شهرين لم يتم دفع أي شيك للبنك ما سيدفعها للعثور على طريقة أخرى سريعا.
السلطة الفلسطينية لم تخرج بتصريح واضح تواجه به الأسرى والمحررين الذين تم قطع رواتبهم، فلا أسباب واضحة حتى الآن، سوى أنها رضخت للضغوطات الأمريكية والإسرائيلية، تقول رشا، "تم الحجز على الراتب بشكل مفاجئ، توجهنا كأهالي أسرى إضافة للمحررين واعتصمنا أمام مكتب رئيس الوزراء، وأمام هيئة الأسرى، إلا أن مطالبنا لم تسمع ولم نحصل على أي رد".
تلقت عائلات الأسرى والمحررين وعودات عديدة لحل قضيتهم، إلا أن أي منها لم تنفذ حتى الآن، فيما ترفض الجهات الرسمية عن اتخاذ القرار إصدار أي موقف واضح حتى الآن، لأسرى والمحررين المقطوعة رواتبهم أو للرأي العام.
وأكدت رشا على أن قطع راتب زوجها الأسير أشرف، دفعهم لتخلي عن حلمهم بمنزل إذ قرروا عرضه للبيع، "كنت أسعى لإنهائه حتى أستقبل أشرف به فور تحرره من سجون الاحتلال"، مضيفة، "كان أشرف يكررا دائما أنه سيعود لمنزله الجديد ليتسقر ويسكن به بهدوء، فكل أحلامه تمثلت بهذا الحلم".
الأسير أشرف وأسرته يعتمدون على الراتب بشكل كامل في أمور حياتهم اليومية، فلا يوجد لهم مصدر رزق آخر، تعلق رشا "اليوم أشرف لا يفكر سوى كيف سيؤمن لنا مصدر رزق جديد، وكيف سيؤمن مستقبل طفلتيه".
المقطوعة رواتبهم يعتبرون قرار السلطة الفلسطينية مساسا بكرامتهم وكرامة عائلاتهم، كما تهدف بشكل خاص للمساس بقيمة الأسير الذي ينال تقديرا شعبيا كبيرا ويعتبر أحد رموز وأيقونات النضال الفلسطيني.
وتتساءل رشا وعائلات الأسرى الآخرين، "هل نبحث عن شعب وسلطة أخرى يعيدون لنا كرامتنا وتقديرنا؟ هل نلجأ إلى الجزائر مثلا التي تحترم مناضليها لتتبنانا؟".
كباقي عائلات الأسرى، تحمل رشا في قلبها الكثير من الغضب بعد قرار قطع راتب زوجها، "هل يرضى المجتمع أن تقف زوجات الأسرى وأطفالهم يتسولون في الشوارع؟".
مذ صدور قرار قطع رواتب الأسرى والمحررين، وعدد منهم يعتصمون وسط مدينة رام الله بعد أن قمعتهم الأجهزة الأمنية وطردتهم من أمام مجلس الوزراء.
الأسير المحرر عبد الله أبو شلبك والذي قضى 20 عاما في سجون الاحتلال أحد المحررين الذين يواظبون على الاعتصام اليومي وعلى مدار الساعة، يقول لـ قدس الإخبارية، "لا جديد في قضيتنا حتى الآن، بدأنا بالقيام بجولات على مكاتب المسؤولين، ولكن لم يتحمل أحد المسؤولية، وكلهم عبروا عن رفضهم للقرار".
ويدرس المحررون التوجه للقضاء لمواجهة القرار المفاجئ الذي اتخذ بحقهم، إلا أن عدم وجود قرار مكتوب ومنشور حتى الآن يعيق ذلك، وهو ما يؤكد عليه أبو شلبك، مبينا أنهم والآخرين المقطوعة رواتبهم يستمعون للكثير من الاستشارات القانونية حول ذلك.
ولفت إلى أن عددا من المؤسسات الحقوقية تبنت قضيتهم وأخذت على عاتقها التوجه بها أمام القضاء، إلا أن عدم وجود قرار رسمي حتى الآن يعيق تحركها.
وأكد على أن عائلات الأسرى والمحررين المقطوعة رواتبهم باتت تتراكم عليهم المسؤوليات المالية، وخاصة أنهم يعتمدون بشكل أساسي على هذه الرواتب، ولا يوجد لهم مصادر رزق بديلة.