شبكة قدس الإخبارية

شاهد| عندما فخخ الأشبال أزقة مخيم جنين

شذى حمّاد

جنين – خاص قدس الإخبارية: "هذا إنجاز أشبال الأكواع، المقاومين الذين لا يتعدون 16 عاما"، هكذا صرخ محمد النورسي وسط ساحة مخيم جنين وهو يستعرض أمام الأهالي أشلاء جنود الاحتلال ومعداتهم، بعد أن وقعوا في كمين الأشبال.

(100-150) شبلاً تتراوح أعمارهم بين (14-17) عاما، هم خط الدفاع الأول عن مخيم جنين، كمائنهم زرعت أينما تلفتت عيناك، ذخائرهم عبوات ناسفة جاهزة في أيديهم دائماً، أما القرارات فإن تأخرت بالوصول إليهم، فهم سادة الميدان، ولكن الخط الأحمر الوحيد هو مخيم جنين.

الثاني من نيسان لعام 2002، آليات الاحتلال التي دفعت إلى محيط مخيم جنين بدأت تتقدم شيئاً فشيئاً، ليعلن المقاومون بدء المعركة، ويتعهد الأهالي بأن تكون أرض مخيمهم قبوراً لجنود الاحتلال.

المعركة الأولى

من منطقة العمارة التي تقع على أطرف المخيم، حاول عدد من جنود الاحتلال التسلل، وفي معركة لم تستمر طويلاً مع أشبال المخيم، تراجع جنود الاحتلال تاركين خلفهم معداتهم وأشلاء عدد منهم.

"بعد أن نجحنا في صد اقتحام جنود الاحتلال، توجه القائد محمد النورسي إلى المنطقة ليعود إلى الساحة وهو يحمل أشلاء جنود الاحتلال ومعداتهم"، يروي أحمد عويس أحد أشبال مخيم جنين الذي كان يبلغ من العمر حينها (16عاما).

محمد النورسي الذي ارتقى في العاشر من نيسان خلال معركة مخيم جنين، أصر حينها على عقد مؤتمر صحفي بعد أن جمع حوله خمسة أشبال من بينهم أحمد عويس الذين نجحوا في التصدي لقوات الاحتلال، "كان هدفه أن يشجع باقي الأشبال على الاستمرار في التصدي لقوات الاحتلال"، يعلق أحمد.

ويقدر أحمد أن أشلاء الجنود التي أحضرها الشهيد النورسي ومعداتهم تعود لأكثر من جنديين، فيما لم تنشر تفاصيل أدق حول ذلك من قبل الاحتلال.

[embed]https://www.youtube.com/watch?v=Y-u2YXej4Mg&feature=youtu.be[/embed]

فمع التلويح المستمر للاحتلال باجتياح مخيم جنين، بدأت فصائل المقاومة والأهالي في المخيم تحضيراتهم للتصدي للاجتياح، حيث جمع ( 150 -200 ) قطعة سلاح، فيما بدأ ذوو الخبرة من المقاومين بصناعة العبوات الناسفة.

يروي أحمد عويس لـ"قدس الإخبارية"، "بعد اليوم الثاني من حصار المخيم، بدأت آليات الاحتلال باجتياح المداخل الخارجية (..) وهنا برزت مهام أشبال الأكواع"، مبينا أنه بالأيام الأولى للحصار ثم الاجتياح برزت فرق الأشبال في التصدي قبل أن تبدأ عمليات الاشتباك بين المقاومين وقوات الاحتلال في اليوم الرابع.

بعد اليوم الرابع اجتاحت آليات الاحتلال أزقة مخيم جنين، وبدأت بعمليات التفجير والهدم للمنازل المحيطة في حارة "الحواشين"، "في هذا اليوم أيضا كان لأشبال الأكواع دور مهم وكبير في التصدي لقوات الاحتلال وآلياتهم وإلقاء العبوات اتجاههم وزراعتها في طريقهم".

وبالرغم أن كل من في مخيم جنين من أهالي ومقاومين هبوا للدفاع عن مخيمهم إضافة لمقاومين توافدوا من الخارج، إلا أن المخيم ارتأى تشكيل غرفة عمليات قادها الشهيد يوسف ريحان (أبو جندل)، الشهيد زياد العامر، الشهيد محمود طوالبة، الشهيد محمود أبو حلوة، وجمال حويل.

ويبين أحمد عويس أن غرفة العلميات قامت بتشكيل الفرق المسلحة وتوزيعها في أزقة المخيم، يعلق، "كل فرقة كانت تضم خمسة مقاومين مسلحين إضافة لعشرة من أشبال الأكواع (..) مساحة المخيم كيلو مترا واحدا استطعنا أن نغطيه بالكامل، فبين الفرقة والأخرى كان يفصلنا خمسة أمتار فقط".

العبوات الناسفة اليدوية والتي تعرف محليا "بالأكواع" أو "أكواع الشختورة"، هي عبوات مصنعة محليا تكون عبارة عن اسطوانة حديدية مغلقة بإحكام من الجانبين وزنها لا يزيد عن ثلاثة كيلو غرام، محشوة بمواد قابلة للاشتعال إضافة إلى مسامير وبراغي وقطع حادة.

يقول أحمد عويس لـ"قدس الإخبارية"، "العبوات تم تصنيعها داخل المخيم من قبل قادتنا ومن لهم خبرة عسكرية من شباب المقاومة في المخيم".

وفي فيديوهات قديمة سجلت قبل اجتياح الاحتلال لمخيم جنين، يقول القيادي في حركة الجهاد الإسلامي بسام السعدي: "إن استعدادات المقاومين بدأت بإعداد الورش الخاصة لتصنيع "الأكواع"، "هي حرب حقيقة دارت بالذخائرة الحية".

وفي تسجيل آخر للشهيد محمود طوالبة أحد قادة المعركة، يقول فيها: "الاستعدادات جيدة جدا في مخيم جنين، من ناحية الاستشهادين والعبوات الناسفة والموجهة.. الاستعدادات جيدة والمعنويات عالية".

[embed]https://www.youtube.com/watch?v=y5oN24V9cMI[/embed]

طيلة معركة مخيم جنين، لم يستطع الأشبال العودة إلى منازلهم، لتصبح كل امرأة في المخيم هي أم لهؤلاء الأشبال، "أهالي المخيم سمحوا لنا بفتح ممرات بين المنازل عبر ثقب جدرانها لنستطيع التحرك بسلام، فيما كانوا يفتحون لنا منازلهم للنام فيها، وكانت النسوة تعد لنا الطعام حتى ارتقت مريم وشاحي شهيدة وهي تخبز لنا"، مشيرا إلى أنه كان في المخيم 20 محلا تجاريا، تركها أصحابها مفتوحة للمقاومين والأشبال.

عائدا من الموت كان أحمد عويس حينما انضم مجددا لفرق الأشبال التي تخوض معركة مخيم جنين متصدية لاجتياح آليات الاحتلال، للمرة الثانية، ففي شهر آذار كان هناك محاولة أخرى للاحتلال لفحص الإمكانيات المتوفرة بين يدي المقاومة.

"كنت ومجموعة أشبال نلقي الأكواع ونطلق النار صوب دبابة الاحتلال قبل أن تتراجع، ثم تبدأ دبابة أخرى بفتح رشاشتها صوبنا"، يقول أحمد، مبينا أن الدبابة قصفت الأشبال الخمسة بسبعة قذائف قبل أن تفتح رشاشاتها صوبهم.

نهض أحمد عويس مسرعا يتفقد أصدقاءه وبدأ بسحبهم إلى داخل المخيم، "سحبت أحد المصابين وحملته داخل المخيم، وبعد مرور وقت انتبهت أني مصاب بثلاث رصاصات في الصدر".

ويبين أن ما قام به ورفاقه الأشبال حينها جاء ردا على استشهاد الطالبة رهام أبو الورد والتي ارتقت خلال قصف الاحتلال لمدرسة جنين.

ولا نمر عن قصص أشبال الأكواع في معركة جنين، دون ذكر الشهيد ربيع النورسي أحد قادة فرق الأشبال، الذي كان مميزا بصوت جهور ما أن يصدح حتى يبث الرعب بين جنود الاحتلال، فيقول أحد أهالي المخيم، "كنا نسمع صراخ جنود الاحتلال "ايما ايما" كلما كبر ربيع".

في عائلة منتفضة تربى أحمد عويس الذي قضى ثماني سنوات في سجون الاحتلال فقبل أن يكمل (14 عاما) حمل السلاح وتعلم إطلاق النار، "عام 1991 تفتحت عيني على هدم الاحتلال منزلنا بعد الحكم بالسجن المؤبد على أخي، فيما أبعد أخ آخر لي".

أما عبد الكريم شقيق أحمد والمعتقل في سجون الاحتلال منذ (24 عاما)، فهو أحد مؤسسي حركة الفهد الأسود في الانتفاضة الأولى، وأحد قادة كتائب الأقصى في الانتفاضة الثانية، والذي كان له الدور الأكبر في تعبئة أحمد وجعله أحد الأشبال المدافعين عن المخيم.

يروي أحمد، "لم أعش مع أخي عبد الكريم سوى عامين بين (1999-2001) علمنا خلالها أنا وشقيقي الشهيد سامر عويس كيف نفكك السلاح ونعيد تجميعه كما علمنا على إطلاق النار"، مبينا أنه كان يشجعه وشقيقه سامر على إلقاء الحجارة وما أن بدأت الانتفاضة المسلحة حتى كان يترك سلاحه مع شقيقه الشبل أحمد ليشجعه على حمله والتمسك به.

"نضجنا مبكرا وسبقنا عمرنا كثيرا، كانت مسؤولية كبيرة ملقاة علينا خلال المعركة (..) والمقاومة كانت مدركة تماما أننا نحن الأشبال الأساس في هذه المعركة"، يعلق أحمد، مبينا أنه وتسعة أشبال آخرين تم اعتقالهم في الأيام الأخيرة من اجتياح المخيم، حيث  تم التعامل معهم ومحاكمتهم كرجال وذلك لأثر فعلهم خلال المعركة.