بيت لحم- خاص قُدس الإخبارية: كان جسده يصارع الموت لكن إرادته بقيت تقاوم متشبثة بالحياة، أما والدته التي تمكنت من رؤيته عقب دخوله في مرحلة الخطر بقيت تجلس بجانبه تمسك بيديه وتتحسس وجهه النحيل، وتهمس في أذنه "ستنتصر بإذن الله"، فلا شيء تفعله سوى تأمل نجلها والتضرع إلى الله أن يعيده إليها بكامل صحته.
في الثاني والعشرين من شهر أيار العام الحالي اقتحمت قوة من جيش الاحتلال قرية هندازة جنوب بيت لحم، شعر مالك القاضي (20 عاما) بحركة غريبة حول منزلهم، وأدرك أنه سيتم اعتقاله مجددا رغم أن 43 يوما فقط مرت على تحرره من اعتقاله الإداري الأول والذي أمضى فيه أربعة أشهر.
بطريقة وحشية تم اعتقاله، إذ تم تقييد يدي وقدمي مالك بثلاثة قيود بيضاء وشدها بطريقة مؤلمة ما زالت آثارها حتى اليوم، وفي داخل الجيب بقي مالك يجلس على ركبيته بين أرجل الجنود، وبعد نحو ساعة توقف الجيب وتم إنزال مالك، خلع الجنود سترته وقيدوه بعامود وبدأوا بتصويره عبر هواتفهم وقالوا له:" بس تروح رح تشوفهم على غوغل"، لينهالوا عليه بعدها بالضرب المبرح لما يقارب 15 دقيقة.
بعد نحو نصف ساعة، تم فك قيوده من العامود وإعادتها كما كانت عند الاعتقال ونقلوه عبر الجيب، ليتوقف مجددا في الطريق ويتم إنزال مالك وشاب أخر يعتقل لأول مرة، وكما في المرة الأولى تم تقييده بعامود وانهالوا عليه بالضرب الذي تركز على الأعضاء التناسلية حتى سالت الدماء من أنحاء متفرقة من جسده.
في مركز توقيف "عتصيون"، رفض المسؤول إدخال مالك على الزنازين وعندما سأله الجندي عن السبب أخبره أنه يجب أن يخضع لفحص طبي بسبب الضرب الذي تعرض له، وبسبب إصرار المسؤول أمسك الجندي مالك واقتاده إلى بوابة المركز وتركه هناك لمدة نصف ساعة، ليأتي بعدها المسؤول برفقة شخص يدعي أنه طبيب.
خضع مالك لفحص طبي شكلي وهو مقيد، وأخبره المسؤول أنه يجب التوقيع على إفادة طبية، لكنه رفض وأصر على موقفه، ليأتي جنديان ويضرباه على معدته، ومن ثم فكوا قيده وأمسكوا بيده ليضعوا القلم فيها ويوقعون على الإفادة.
عقب تبديل كافة ملابسه وإعطائه "بيجامة" مبللة، تم نقل مالك إلى زنانة رقم "3" ويقبع فيها أشبال كانوا في حينها نائمون، ولم يتوفر سوى سرير علوي ونتيجة للضرب لم يستطع مالك الصعود، فاضطر أن ينام بجانب دورة المياه.
الإضراب في سبيل الحرية
صدر حكم إداري بالسجن لأربعة أشهر بحق مالك دون تهمة، لكن مالك يبين أن اختياره لجامعة القدس لدراسة تخصص الصحافة والإعلام هو سبب اعتقاله، ففي الاعتقال الأول قال المحقق لمالك:" غيّر جامعتك بتريح راسك"، لكن مالك رد عليه "طموحي أكبر منك ومن دولتك".
منذ لحظة اعتقاله، قرر مالك أن يخوض إضرابا عن الطعام في حال صدر بحقه حكم إداري، لكن حلول شهر رمضان جعله يؤجل الإعلان عن الإضراب، وفي الرابع عشر من شهر تموز أعلن مالك الإضراب عن الطعام، وكان في حينها يقبع في سجن "عوفر".
يقول مالك:" أنا عاشق للحياة، لكن إذا كان الموت في سبيل الحرية لا يبقى خيار أمامي سوى خوض المعركة".
ماطلت إدارة السجون في الموافقة على القرار بذريعة أن مدير السجن غائب، ولمدة ثلاثة أيام رفض الأسرى المضربون في حينها: مالك، عياد الهريمي، مهند جبر، ومحمد البلبول، تناول الوجبات، وفي اليوم الرابع رفضوا الدخول إلى الأقسام مطالبين التوقيع على الورقة الرسمية التي قدموها وأعلنوا فيها إضرابهم ليتم نقلهم إلى الزنازين والتعامل معهم كأسرى مضربين.
إغراءات وضغوطات
عقب نقل مالك إلى الزنازين أبلغت إدارة السجون الجهات المسؤولة والرسمية الفلسطينية بخوضه الإضراب لليوم الأول، غير محتسبة إضرابه في قسم عوفر لثلاثة أيام، وفي ذات اليوم اقتحم السجانون الزنزانة وبدأوا بشواء اللحم والدجاج.
في ليلته الأولى، اقتحم السجانون الزنازنة التي لا تتعدى مساحتها متر في متر وتم تفتيشها كإجراء عقابي لإعلانه الإضراب ومحاولة لفكه، وفجر اليوم التالي اقتحمت وحدة "اليماز" الزنازنة متسخدمة الكلاب، وبدأو بتفتيشها بطريقة همجية، وتم الإعتداء بطريقة غير مباشرة على مالك.
بقي مالك لما يقارب 30 يوما يشرب من الصنبور "القذر" الموجود في دورة المياه. قائمة من الممنوعات فرضتها إدارة السجون على مالك منها: يمنع من تبديل ملابسه، تقليم الأظافر، الاستحمام، التواصل مع أي شخص، الاستماع إلى الراديو.
كان السجانون في كل يوم يجلبون أشهى المأكولات ويضعونها أمام مالك ويتناولون ما لذ وطاب أمامه، أما عن يومه في الزنزانة فكان مالك يقضيه بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن، وفي أحيان كثيرة كان ينهض من سريره ويبدأ المشي والغناء بصوت عال:"شدو الهمة..الهمة قوية"، "يمي العسكر بيني وبينك لو طولت بيعلى جبينك".
تعرض مالك للضرب خلال تواجده بالزنزانة وكان يتركز على المفاصل بسبب امتناعه عن فك الإضراب، وعقب تدهور وضعه الصحي تم نقله إلى مستشفى "ولفسون"، وهناك أيضا تعرض للضرب.
يقول مالك لـ"قدس الإخبارية": "في المشفى طلبت من السجان الذهاب لدورة المياه، وعندما وصلت طلبت منه فك قيودي لكنه رفض وأمسكني بيديه وضربني بالحائط بقوة، ولو لم أمسك بقطعة مثبتة بالحائط لأصيب رأسي".
دخل مالك في غيبوبة لمدة 10 أيام وكان وضعه الأعقد من بين الأسرى الذين خاضوا إضرابا عن الطعام، الأطباء في "ولفسون" استغلوا وضعه، وقاموا بإخضاعه للعلاج القسري إذ تم إدخال الأنابيب عبر فمه وأنفه وعبر يده وعلى مفصل رجله عند الأعضاء التناسلية، وعندما استيقظ لعدة دقائق في اليوم السادس بدأ بإزالة الأنابيب، الأمر الذي تسبب بجرح الأوتار الصوتية وحدوث مشاكل صحية، وعندما وصل الأطباء لغرفته بدأوا بإزالة الأنابيب لرفضه العلاج القسري.
حاول مستشفى "ولفسون" التلاعب بالتقارير الطبية التي يقدمها، إذ كتب في إحدى تقاريره أن مالك يتناول 5غم من الملح والمدعمات يوميا، وعلى إثره طالب مالك رؤية محاميته لفهم الأمور، وعقب ذلك استدعى نائب مدير المشفى وطلب تغيير التقرير على الفور وإلا سيضرب عن الماء، وأنه إذا تم ذلك سيتناول المدعمات كوسيلة لإقناعهم على تعديل التقرير.
إشارة نصر
في الواحد والعشرين من شهر سبتمبر توصلت إدارة السجون مع الأسرى المضربين إلى اتفاق يقضي بعدم تجديد اعتقالهم إداريا، ليكون ذلك قبل يوم من الموعد المحدد لإنتهاء محكومية مالك، وفي اليوم التالي جاء الضابط الإسرائيلي الذي سحب قرار الإفراج عن مالك مع الشقيقن البلبول، وقال له مالك "أنا روحت غصب عنك" ورفع إشارة النصر في وجهه، رافضا العلاج في المشفى الإسرائيلي.