غزة – خاص قُدس الإخبارية: "الله يسعدك ويوفقك وينجحك أعطيني شيكل .. أمانة أعطيني شيكل خليني اعرف اشتري عشاء لأخواتي"، لا يبدو غريبا سماعك مثل هذه الأقاويل من أشخاص من مختلف الفئات العمرية في طرقات مدينة غزة. فلا يمكن للمارة أن يتخطوا شارع عمر المختار أحد أطول وأهم الطرقات في المدينة دون أن اجتيازهم على الأقل 20 متسولا، جميعهم يستعطفون طالبين المال بدعوى العاهات المستديمة أو الفقر.
هذا المشهد يتكرر في شوارع كثيرة أيضا، وسط أحاديث عن تطوره ليصل إلى مهنة تحقق من خلالها فئات عديدة بالقطاع أرباحا طائلة، ما دفع وزارة الداخلية بغزة لإطلاق حملة ملاحقة لكافة المتسولين ولدراسة أوضاعهم المالية ومعالجتها، ولكن يبقى التساؤل قائما عن طبيعة هذه الخطوات وكيفية عملها.
محمد طفل لم يتجاوز السابعة من عمره، يقف بجوار جهاز الصراف الآلي قرب أحد المصارف وسط مدينة غزة، يلح بشكل مزعج على المارة ومن يرتادون المصرف للتصدق عليه بالمال، تحدث لـ قُدس الإخبارية، بعدما رفض ذكر اسم عائلته أو تصويره، "خشية الفضيحة على شبكة الإنترنت"، حيث أوضح أن الوضع الاقتصادي السيء لعائلته يدفعه للتسول.
ويقول محمد، إن له أخوين أكبر منه يعملان في "العتالة" بأجر لا يزيد عن 10 شيكل، فيكون إجمالي دخل الأسرة نحو 20 شيكل يوميا بشكل أساسي بالإضافة إلى ما يجنيه محمد من التسول، فيما يقف رب الأسرة مع العاطلين عن العمل منذ سبع سنوات.
محمد لا يخشى على نفسه من حملة وقف التسول التي أطلقتها على وزارة الداخلية بغزة مطلع الشهر الجاري، يقول: "لو مسكتني الداخلية هيطلعلنا شؤون، وبعد هيك بدي أعمل بسطة وأبيع جيلي".
وإلى جانب التسول، لا يخفي سكان القطاع انزعاجهم من تسول مشابه لكن عن طريق تسول شراء سلع "تافهة" يحملها أطفال، مؤكدين أن هذه الظاهرة أصبحت منافسة لظاهرة التسول، ومتسائلين إن كانت الخطة التي وضعتها وزارة الداخلية بالتنسيق مع مجموعة وزارات وهي الثقافة والشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية تشمل هذه الظاهرة أيضا.
وتشير تقديرات "يونيسف" إلى أن هناك حوالي 150 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين (خمسة أعوام) و(14 عاماً) في البلدان النامية، وحوالي 16% من جميع الأطفال في هذه الفئة العمرية، ينخرطون في عمالة الأطفال، علما أن المنظمة تدعم الخطط والمشاريع التي تحد من عمالة الأطفال بعدة أساليب وطرق.
وبهذا الشأن قال الناطق الإعلامي باسم الشرطة في قطاع غزة أيمن البطنيجي، "إننا ننفذ حملة بالتوافق مع وزارة الشؤون الاجتماعية والثقافة والتربية والتعليم لتوعية المواطنين بطرق التعامل مع المتسولين لمكافحة هذه الظاهرة".
ويوضح البطنيجي لـ قُدس الإخبارية، أن الحملة ستدرس الأوضاع الاقتصادية لكل من يضبطون وهم يمارسون التسول، وسيحول من يحتاجون للمساعدة المالية منهم إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لتلقي المساعدات اللازمة، مبينا أن ذلك يجري بعد التحقيق معهم.
ويؤكد أن أي شخص يتم التأكد من أنه يمتهن التسول (يعمل متسولا ويتقاضى أجرا مقابل ذلك)، فسيتم معاقبته وفق القانون الفلسطيني وتحديدا المادة (193). علما أن هذه المادة تنص على منع أي كسب مادي غير مشروع عن طريق التسول، ويحبس المتسول إذا تم ضبطه للمرة الأولى لمدة شهر، ثم إذا ضبط مرة أخرى يتم اعتقاله لمدة عام.
ويشير البطنيجي إلى أن الحملة لا تشمل مكافحة الباعة المتجولين، بل المتسولين بشكل مباشر ومن يرغمون المواطنين على الشراء منهم بغرض التسول أيضاً، مضيفا، "هؤلاء يصل دخلهم اليومي لنحو 400 شيكل من خلال استعطاف المارة".