لا يمكن تصور حجم القصف والدمار الذي تتعرض له مدينة حلب منذ عدة أيام وحتى هذه اللحظة. لا أعرف من أتهم؟ ومن أطالب؟ وإلى من أوجه رسالتي هاته؟ حين أقول "حلب تحترق"، من سيدير ظهره هنا؟ من سيجيبني إن سألت أيضًا: ماذا فعل العالم لسوريا؟
في الواقع أيضًا، نحن نملك درجات مختلفة للون الأحمر، أيهم عليّ أن أختار لأعلن تضامني؟ ذلك الأحمر الذي يرمز للدم الباهت الممزوج بالماء، أو الدم القاني الفاقع، أو الدم المتخثر الداكن، أو الدم المصفر من الخوف، أو الدم الذي تسرب تحت ذلك الركام ورسم ببشاعته حقيقة واحدة، أولها أن هذا الموت سيجر موتًا وراءه، وآخرها أن اللون الأحمر في الواقع لا يملك رائحة جيدة، ولا صورة تستطيع أن تنظر إليها دون أن تصرخ بأعلى صوتك وتهرب بعيدًا، تهرب وأنت ترمي من على كتفيك كل شيء، فقط كل شيء.
حلب تحترق، وأنا متضامنة اليوم مع غرباء يجمعني بهم الوجع الحقيقي على وطن رحل أطفاله باكرًا، حلب تحترق، وأنا أسأل نفسي دون أن أتمكن من انتشال حقيقة واحدة تهون عليّ عجزي، "ما نفع اللغات كلها حين لا تتمكن ولا كلمة واحدة من إزاحة هذا الركام؟"
أحيانًا أود لو باستطاعتي أن أتوسط هذا العالم، أحتضن الموتى الذين لم يختاروا الصورة الأخيرة التي كانوا عليها والتقطت لهم، تكاثرت الألقاب حولها، الأحزاب، الخطابات.. وأسألهم: من انتظرتم ليفعل شيئًا؟ أعني حقًا، من؟
فماذا فعل العالم لسوريا؟ خلق داخلها جماعات باطلة؟ صار الصراع بين نظام معتم وجماعات أكثر عتمة؟ اختلط الحق بالباطل؟ والضحايا وحدهم الأبرياء، الأبرياء الذين لا ذنب لهم! الأبرياء الذين لم يتزينوا جيدًا لصورتهم الأخيرة، ولم يتمكنوا حتى من الابتسامة لها.
هنا وفقط؛ كان الموت أسرع من كل شيء، لم تعد المسألة الآن أنك تتفق مع من وتعادي من؟ هي حرب أكلت ملامح الأشياء من حولها، قتل فيها الإنسان على مراحل عدة، لا تريد أن تخوض في تفاصيلها، لكن! لك أن تتخيل كيف يتفاجئ البطل فيها بأن كل شيء انتهى فجأة.
الانتظار الطويل، عد الأيام، الساعات التي كانت تمضي ولا تنتهي، لحظات الترقب التي كانت تجتاحها روائح نتنة وأصوات لغرباء اقتحموا هذا الوطن، ليصبح دون سابق إنذار أيضًا، ملكًا خاصًا، يحركونه كيفما أرادوا، يبدلون ملامحه بما لا يشبه الحقيقة الأولى، أن هذه البقعة لم تعد تعرف من ينام عليها الآن.
* اللوحة للمصممة السورية حلا العابد