غزة – خاص قُدس الإخبارية: في وسط البلدة القديمة بغزة لا بد أن يلفت انتباهك منزل يجمع لك الحاضر والماضي، ويبدو لك مثل آلة الزمن يعيد زائره للعصر العثماني. فهذا المكان يختصر 430 عاما ماضية، وداخله تستطيع الانعزال تماما عن كل ضوضاء المدينة، لتخلو بجمال الأشجار وخرير المياه النازلة من نافورة المنزل مع إيقاع مميز مصدره صوت العصافير.
الجوهرة كانت بيتا تعاقبت على سكناه أسرٌ فقيرة، لم تدرك يوما قيمة ما لديها فحاولت أن تجعله متماشيا مع منازل العصر من ناحية الطلاء والأبواب، ما أفقد المكان خصوصيته التاريخية. حدث ذلك قبل أن يقرر عاطف سلامة شراء المنزل وترميمه بما يستحق، بعد اطلاعها على كتب التاريخ التي وثقت فن العمارة في العهد العثماني والعصور التي سبقته، وتحديداً جمال فن العمارة في الأندلس واسطنبول.
سلامة لاجئ من بلدة يبنا؛ كان يسكن في فيلا على شاطئ بحر مدينة غزة، لكنه وجد العيش في البيت الأثري أروع من الحياة السياحية، فقرر ترميم المنزل في رحلة استمرت لستة أشهر لم يتوقف خلالها العمل ليل نهار.
ويقول سلامة، إن 150 عاملا عملوا بالتناوب في بيت مساحته 180 متر، بمجالات مختلفة لإعادة جدران البيت لطبيعتها الأثرية بحيث تظهر الخطوط الأصلية للبيت ولإزالة الطلاء وإظهار حجارة "الكرار" التي يبلغ سمكها 80 سنتمترا.
هذا إضافة لإعادة الطابع الأساسي للأرضيات، وإعادة ترميم النافورة و"بئر الغلة" و"المزيرة" و"الإيوان" و"أرض الديار"، وبناء الطابق العلوي من البيت بما يتواءم مع طابعه التاريخي.
ويوضح سلامة، أنه سعى لإثبات الهوية الفلسطينية لهذه البيت أيضا، من خلال أكبر خارطة مجسمة لفلسطيني على ارتفاع 12 مترا على جدار البيت، وبصناعة باب مزين بزهرة "اللوتس"، مبينا أن هذا الباب تدخل منه طفلته جوهرة صاحبة التسع أعوام ملقبة نفسها بـ"الأميرة جوهرة".
تقول ببراءة، "بابا هذا قصري أنا الأميرة جوهرة"، ثم تشرح بذكاء أسماء الزهور والطيور في البيت. ففي ساحة البيت المزينة بأشجار الظل المختلفة، يطير 45 عصفورا من أنواع مختلفة، تمنح "أرض الديار" مزيدا من الجمال بإطلالتها من نوافذ البيت الملونة.
ويبدو لك بسهولة إتقان اختيار الإضاءة والألوان في البيت، ووضع المجسمات من التماثيل والمطرزات والأثاث الذي يوائم العصر. ومن أرض الديار تصعد إلى الطابق العلوي من خلال 24 درجة من صخر الصوان لم يتغير حالها منذ 430 عاما.
وقالت كوثر عليوة زوجة سلامة، إنها رفضت الفكرة أول الأمر بسبب سوء حال البيت، حيث لم تتوقع أن تكون المحاولة لترميمه ناجحة لهذا الحد، مضيفة، "بعد أن سكنته أيقنت أنه لا يوجد منزل على سطح الأرض يوازي جمال بيتي".
ولفتت إلى أن جميع الأصدقاء والأقارب ذكروا بصراحة أو ألمحوا إلا أن كوثر وزوجها اختارا دخول مغامرة غير محسوبة النتائج، لكن النتائج أبهرتهم بعد ذلك، "فاعترفوا بأننا أحسنا صنعنا".
وأضافت كوثر، "هذا البيت يراعي خصوصيتي كسيدة فلا عناء لنوافذ مفتوحة و جيران يمكنهم رؤية عمق بيتي، ولجدرانه ميزة خاصة فيكون البيت بارد صيفا ودافئا شتاء، والشمس تتوزع على جميع الغرف من أرض الديار".
وتلفت جوهرة عائلة سلامة الانتباه إلى وجود مواقع أثرية وتاريخية هامة في قطاع غزة، كانت قد فقدت أهميتها نتيجة الحصار الذي تخلله حروب عديدة على القطاع، إلا أن النجاح الباهر في هذه الجوهرة يدفع إلى التحذير من ترك مثل هذه المواقع تفقد قيمتها مع مرور الأيام.