شبكة قدس الإخبارية

مدارس غزة: بكائيات تخلف جدلا.. "الأوقاف" تبررها و"التربية" تدرسها

مصطفى البنا

غزة – خاص قُدس الإخبارية: صرخات وتكبيرات، سجدات وبكائيات لمن أطلق عليهم "التائبون" في مشهدٍ فاق درجة التأثر والروحانية، ليس في مسجدٍ أو درسٍ ديني بل في أحد الملتقيات الدعوية التي تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إعداديات غزة وثانوياتها، التي تهدف وفقًا للوزارة إلى نشر الوعي الديني وبث الموعظة بين التلاميذ.

في مقطع فيديو تداوله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر مجموعة من الدعاة في إحدى مدارس غزة الثانوية وهم "يزفون إلى الطلبة بشرى توبة عدد من أقرانهم وعودتهم عن "طريق المعاصي والذنوب التي كانوا غارقين فيها"، يصرخ الداعية مقسمًا بأن الله فرحٌ بهذا المشهد، فيما كانت مواقع التواصل الاجتماعي تضج بالتعليقات المستهجنة لما حدث، وأخرى مدافعة عنه.

آراء متباينة

وأثارت مقاطع الفيديو التي تم نشرها ردود أفعال متفاوتة تجاوزت الإطار الشعبي إلى الفصائلي، فقد نشرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بيانًا ظهر اليوم، طالبت فيه وزارة التربية والتعليم بإبعاد المسيرة التعليمية عمّا أسمته "برامج غير إنسانية تزرع التطرف الديني والتكفيري في عقول الطلاب"، معربةً عن صدمتها الشديدة من المشاهد التي بثها من داخل مدرسة النيل.

وكان للشارع الفلسطيني رأيه الخاص حول القضية التي أصبحت محل جدال واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي ضجت ما بين دفاعٍ واستهجانٍ لما ظهر في مقطع الفيديو، فالناشط عبد السعافين كتب على حسابه في "فيسبوك" قائلًأ "أولادنا الذين عاشوا ثلاث حروب في سنوات عمرهم القليلة ليسوا فسقة ولا فجرة ولا منحرفين. إنهم يحتاجون إلى رفق وعلاج نفسي"، مطالبًا بإيقاف ما أسماها "المهزلة التي يمارسها المتحمسون في الملتقيات الدعوية في المدارس".

08

لكن المصور الصحفي محمود الهمص اعتبر أن انتقاد ما جرى خرج عن المنطق ووصل حد "قلة الأدب"، وفق تعبيره، معتبرًا أن كثيرًا ممن أسماهم "المتفلسفين" وجدوا من خلال الحادثة "ما يؤنس خوار قلوبهم"، وموضحًا "أن الهدف من هذه الملتقيات "سامٍ طبعًا، لكن الطريقة غير الموفقة ليست مبررًا للاستهزاء"، حسب تعبيره.

555x320_62b1978b-c510-41b5-bdad-c07cff0833ea

مجرد تهويل

من ملتقى دعويٍ إلى قضيةٍ مثيرةٍ للجدل وساحةٍ ساخنة للآراء بين مؤيدٍ ومعارض، تحول هذا المشهد الرهيب، الذي عقّب عليه مدير عام الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية شكري الطويل بالقول، "إن طلبة الإعدادية والثانوية بلغوا سن التكليف في الشرع وباتوا منهيين عن فعل المعاصي والذنوب، وبالتالي فـإن هذه الملتقيات الدعوية تستهدف هذه بشكل أكبر هذه الفئة التي يكثر فيها مرتكبو الذنوب والمعاصي"، على حد قوله.

ويتساءل الطويل باستغراب "أين المشكلة في أين يقف شبانٌ من نفس الجيل ويقدموا الموعظة الحسنة لأقرانهم من أجل ترك الذنوب والعودة إلى طريق الله"، يوضح أيضًا أنه ليس معيبًا أن تكون هناك موعظةٌ حسنة تؤثر في الطلبة وتدفع بعضهم إلى البكاء.

وفي حين يصف الطويل ردود الفعل المجتمعية على المشهد بـ"التعليقات المبالغة التي لا معنى لها"، إلا أنه في الوقت ذاته يؤكد بأن وزارته ستنظر في أي إشكاليات قد تتسب في إظهار المجتمع بغير الصورة الوسطية التي يلتزم بها المجتمع الفلسطيني.

اجتهاد خاطئ

وزارة التربية والتعليم العالي في غزة كان لها موقفٌ مختلفٌ مما جرى، فقد أكدت على لسان مدير عام العلاقات العامة معتصم الميناوي، أنه لم يكن لديها علمٌ بما يحدث في المدرسة وهو ما دفعها إلى طلب تقرير من المديرية التي تتبع لها مدرسة النيل التي وقعت فيها الحادثة.

وأكد الميناوي، أن قرارًا وزاريًا سيصدر في الساعات المقبلة بمتابعة كل الجهات التي تود تنفيذ مشاريع دعوية أو تثقيفية في المدارس، ومراجعة محاور اللقاءات ومدى موائمتها للفئة المستهدفة قبل الشروع بتنفيذها.

ويوضح الميناوي أيضًا أن الدرس الديني لا غبار عليه مطلقًا، لكنه يرى بأن المشكلة تكمن في المبالغة بالحديث حول موضوع التوبة بهذا الشكل مع فئة عمرية لا يتجاوز أعمار أصحابها الـ 16 عامًا، إلا أنه اعتبر أيضًا بأن مبالغةً وقعت من وسائل الإعلام "غير المسؤولة" التي تناولت القضية من جانب سياسي حين نعتتها بـ"مدارس حماس" ووصفتها بأوصاف غير لائقة، وفق قوله.

ويذهب إلى التأكيد على أن ما حدث هو اجتهاد خاطئ ووعظٌ مبالغ فيه لكنه بعيدٌ كل البعد عن التطرف والتشدد، يتابع قائلًا "الوسطية هي المنهج الذي تسير عليه الوزارة ويتبعه المجتمع الفلسطيني ككل، وما جرى أمرٌ طارئ ولا يمت إلى مناهج التربية التي نتبعها بصلة".