لم يبلغ الطفل أحمد دوابشة عامه الخامس بعد، وأصبح لاسمه وزنًا ثقيلًا يتداول في العناوين الرئيسية لنشرات الأخبار المحلية والعالمية. شهرة تحتضن الكثير من الخيبة والوجع، والمزيد من الانتظار والترقب.
أحمد دوابشة، إنه الوجه البريء الذي شوهه إرهاب المستوطنين، يملك أحلام كبيرة رغم بساطتها، يحلم باللعب والذهاب إلى الروضة، يطلب باستمرار أن يركب سيارة والده التي لم يتسن لعائلته أن تفرح بها، ولكن حلمه الوحيد الذي يتكرر على لسانه هو رؤية والديه وتمنيه الذهاب إليهم.
أخيرًا خرج أحمد من المستشفى لكن لأيام قليلة فقط بعدها عاد لاستكمال العلاج، حيث سافر الناجي الوحيد من محرقة عائلة دوابشة للمرة الأولى في حياته وهو يجر حمله الثقيل خارج المستشفى ليقابل العالم هذه المرة وحده، دون والديه وشقيقه علي.
سافر دوابشة إلى مدريد للقاء نجمه المفضل في عالم كرة القدم كريستيانو رونالدو. استقبالات كثيرة طالته، كاميرات لاحقت وجهه وأيدي شدت خداه الناعمان في محاولة لأن تخرج من فاهه ابتسامة عابرة تزين بها الصفحات الرئيسية للصحف، ابتسامة لا سبب لها سوى وجوه الغرباء التي أحاطته، وراح هو يبحث بينها عمن يشعره حقًا بالأمان.
لم يتركاه جداه أبدًا منذ تلك اللحظة التي أحرق فيها الأعداء قلب كل من مر يومًا من هناك، حيث لا صوت لعائلة ولا بيت بقي، لتصبح كل الذكريات عقيمة في داخل طفل لا يدرك حقًا ما الذي حدث له.
زيارة أحمد لمدريد كان لها مفعول مزدوج، فقد ساهمت في رفع معنوياته وقربت الإسبان من معاناة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال، فبرغم الطابع الانساني للاستقبال الذي قدمه الريال، تشكل قصة أحمد دوابشة حسب السلطات الفلسطينية فرصة لتنوير الرأي العام الدولي وفضح فظائع جرائم الاحتلال.
أحمد هو الحقيقة الكاملة والإجابة الأولى لمن يسأل عمن يكونه هذا الطفل الذي يحمل يدًا مجعدة، بقعة في رأسه لا شعر فيها، ووجهًا ضاعت ملامحه من براءة كانت تحملها.
أحمد هو ضحية ارهاب غلاة المتطرفين المستعمرين الموجودين في الوطن الفلسطيني بشكل غير شرعي، وهم الذين لا يؤمنون بالطرف الآخر، بل لا يرونه.
ورغم سعادة أحمد لسفره، إلا أن دموع الكبار خيمت على الأيادي التي راحت تلوح إلى السماء، لوداع من لن يعودوا، ولأحمد الذي لا يعرف بعد ما الذي ينتظره، ولأنفسهم التي نجت بأعجوبة .. وربما يكونوا هم من في المحرقة القادمة.
ذهب دوابشة الصغير، لتنحب عمته ودموعها تنهمر دون توقف قائلة: "انطفينا والله انطفينا".
قبل فترة قصيرة فقط، أخبرت العائلة أحمد باستشهاد والديه وشقيقه الصغير علي، قالوا له إنهم ذهبوا إلى الجنة، ومنذ ذلك الحين يطلب أحمد السفر إلى الجنة لمقابلتهم.
بسفره إلى اسبانيا ولقائه للاعب الكرة الشهير كريستيانو رونالدو، حُقِقَ لأحمد دوابشة أحمد أحلامه الجميلة، لكن ماذا عن حلمه الذي يحتضن في طياته عائلته التي ما عاد بإمكانها أن تعود له بعد الآن؟
*العنوان مقتبس من رواية للكاتبة نبال قندس