شبكة قدس الإخبارية

شادي دراغمة.. عندما خرج حيا من "مقبرة الأسرى"

ديالا الريماوي

مخيم قلنديا – خاص قُدس الإخبارية: لم تكن تلك الرصاصة التي استقرت في جسده وتسببت في إصابته بشلل نصفي شافعة له، بل على العكس فالمعاناة لم تقف عند هذا الحد فوصلت إلى حد الاعتقال ليبقى عذاب الأسر عالقا في الذاكرة وظاهرا على الجسد.

شادي اسحاق دراغمة (26 عاما) من مخيم قلنديا شمال القدس أصيب عام 2007 برصاصة خلال مواجهات اندلعت في مدينة بتونيا، أصابت الكبد والقولون ثم استقرت في عموده الفقري، ما أدى إلى إصابته بشلل نصفي.

لم تكن الإصابة الوسيلة الوحيدة التي أراد الاحتلال أن ينتقم بها من شادي، ففي شهر آب عام 2014 اقتحمت قوة خاصة مخيم قلنديا وداهمت منزل والده وعاثت فيه الفساد بعد تفتيشه، لكن ما فاجأ العائلة هو إصدار أمر باعتقال نجلهم المقعد.

من بداية المخيم حيث يقع منزل والده وحتى نهاية المخيم، اقتادت القوة الخاصة شادي على كرسيه المتحرك سالكة طريق الجبل وهو معصوب العينين ومقيد اليدين، في تلك المسافة تعرض للضرب حتى وصل رأس الجبل إذ كانت بانتظارهم قوة كبيرة من جيش الاحتلال ليتم وضعه داخل جيب عسكري واقتياده إلى المعسكر القريب من المخيم.

في صباح اليوم التالي نُقل شادي إلى مركز تحقيق المسكوبية، وبعد يومين من التحقيق عانى شادي من أوجاع في المعدة ليكتشف أنه أصيب بنزيف داخلي إثر تعرضه للضرب أثناء الاعتقال، وكل ما تم تقديمه له هو حبوب دواء فقط.

14 يوما كان يتم فيها التحقيق مع شادي لساعات طويلة ومتواصلة دون مراعاة لوضعه الصحي، وخلال ذلك حاول المحققون الضغط عليه نفسيا وجسديا أيضا، إذ كان يتم نقله من كرسيه المتحرك إلى كرسي التحقيق الحديدي، تم شبحه عليه وهو مقيد الأطراف إلى الخلف.

يقول شادي، "أعتقد أنني لو كنت سليما لحصلت على بعض من الحقوق مقارنة بما لم أحصل عليه وأنا مقعد، فمثلا كنت أستحم داخل زنانتي فقط بعبوتين مياه، وكل شيء كان علي أن أقوم بفعله دون أي مساعدة".

في اليوم الخامس عشر تبين أن شادي بريء من تهمة إطلاق النار المنسوبة إليه، لكن ذلك لم يكن يعني أن التحقيق قد انتهى وسيتم الافراج عنه، بل فتح له المحققون "ملفا خاصا به" منذ إصابته عام 2007 حتى لحظة اعتقاله، تضمنت اتهامات بـ"حيازة سلاح دون علم ضابط المنطقة، تهديد أمن الدولة، إطلاق النار على تجار المخدرات على اعتبار أنهم إسرائيليون، واعترافات سابقة".

خلال فترة التحقيق التي استمرت 59 يوما فقد شادي وعيه ثلاث مرات دون أن يتم نقله إلى مستشفى لمتابعة وضعه الصحي، وعندما كان يتم نقله إلى محكمة "عوفر" لتمديد الاعتقال بواسطة "البوسطة" كان شادي يصعد وينزل زحفا من البوسطة لوحده دون أي مساعدة.

يوضح شادي أنه في المرة الأولى التي نقل فيها بواسطة البوسطة طلب مساعدة أحد الجنود، فما كان منه إلا أن يمسكه ويلقيه بقوة داخل البوسطة، فقرر شادي حماية جسده من أي كسور محتملة والاعتماد على ذاته لأنه يدرك أن من يتعامل معه هو عدو لا يعرف معنى الشفقة والرحمة.

لكن في إحدى المرات التي كان يصعد فيها شادي إلى البوسطة، جرحت إحدى القطع الحديدية البارزة فخذه الأيمن ومع ذلك لم يتم تقديم العلاج له سوى منحه اليود، الأمر الذي جعل الجرح يصاب بالتهاب ويتوسع أكثر فأكثر.

في اليوم الأربعين من التحقيق، دخلت قوة من "الشاباص" إلى زنزانة شادي في "المسكوبية" واعتدت عليه بالضرب المبرح بواسطة الهراوات دون معرفته السبب الذي دفعهم لارتكاب ذلك الفعل الوحشي، ما أدى إلى إصابته بكسور في قدمه اليسرى.

قرر شادي أن يرفع قضية على الوحدة التي اعتدت عليه، لكن بعد ذلك تم نقله إلى معبار الرملة بحجة أن لجنة إسرائيلية ستحقق معه حول ما حدث في ذلك اليوم، وبعد مرور ثلاثة أيام أدرك شادي أنها مجرد حيلة والهدف منها مساومته ليتنازل عن القضية مقابل نقله من المعبار، إلا أنه قرر عدم التنازل مهما كلفه الأمر.

بعد ذلك تم تحويله إلى سجن "إيشل" إلا أن إدارة السجن رفضت استقباله بسبب وضعه الصحي، ليتم تحويله إلى سجن الرملة.

الاعتداء الذي تعرض له شادي والجروح التي أصيب بها تم توثيقها في تقارير طبية بعد أن أمر القاضي الإسرائيلي بذلك، وحتى اليوم لم يطرأ أي جديد على الملف.

وبعد ما يقارب السنة، تم التوصل إلى اتفاق بين المحامي والقاضي الإسرائيلي بتخفيض الحكم المفروض على شادي من خمس سنوات إلى السجن 29 شهرا، واستطاع شادي أن يشتري 10 أشهر مقابل 1000 شيقل كل شهر، لتصل محكوميته إلى 19 شهرا.

المسلخ

تم نقل شادي إلى سجن الرملة، وهو السجن الذي ينقل إليه الأسرى المرضى على اعتبار أنه يتضمن عيادة لمعالجة الأسرى، إلا أن أسرى كثر ومن بينهم شادي وصفوه بـ "المسلخ" ومقبرة الأسرى المرضى.

يقول شادي، "عندما كان يخرج الأسير من السجن إلى العيادة يعود إما فاقدا لإحدى يديه أو قدميه أو كلاهما، وأحيانا يعود بمرض جديد، ومن الأسرى المرضى من استشهد داخل سجن الرملة، ومنهم من استشهد عقب الافراج عنه".

22  أسيرا مريضا موزعين على ثلاث غرف داخل سجن الرملة، يعانون من إهمال طبي متعمد ومن سوء التغذية، وعدم الاهتمام بهم، ففي ذات الغرفة يطبخ الأسرى ويستحمون رغم جروحهم المفتوحة.

يضيف شادي، أن من الصعوبات والضغوط النفسية التي يواجهها الأسير في سجن الرملة لحظة استيقاظه ليجد نفسه بين مرضى لا يدري ماذا يفعل حتى يخفف من وجعهم.

في الأول من آذار أبلغت إدارة السجن شادي بأنه سيتم الافراج عنه في اليوم التالي وذلك بعد أن تخفيض شهر من حكمه ضمن ما يسمى بـ "المنهاليت" وهو حق لكل أسير فلسطيني. ويوضح شادي أن الافراج عنه لم يكن نتيجة موافقة محكمة "شليش" على طلب الافراج عنه، إذ أنه تقدم بذلك الطلب وتم رفضه رغم وضعه الصحي.

في الثاني من آذار تنسم شادي هواء الحرية، رغم أنه عاد إلى عائلته بمزيد من الأوجاع والآلام، لكن فرحة اللقاء وعودته إلى منزله خففت عنه كثيرا.

أمنية أسير مريض

شادي الذي كان يتأمل أن يتم علاجه على نفقة السلطة كونه أسيرا مريضا محررا، إلا أنه عندما تقدم بطلب إجراء عملية "الليزك"، وذلك نتيجة انحراف النظر ثلاث درجات في كل عين، تفاجئ أن الرد الذي جاء على طلبه تحت بند عملية تجميل، وليس عملية ضرورية.

ورغم أن وزير الصحة جواد عواد طالب مجمع فلسطين الطبي "الحكومي" برام الله بتوفير كل ما يلزم ويحتاجه شادي، إلا أن ما كان يحصل عليه هو شاش ولصقات هذا إذا توفرت، حسب قوله.

وما يتمناه شادي أن يتم بذل اهتماما أكبر في قضية الأسرى المرضى، سواء داخل السجون أو خارجها، وأن يتم الاعتناء بهم عقب الافراج عنهم.