شبكة قدس الإخبارية

نجاحات شبابية حرة تقهر الحصار وتكسر البطالة

مصطفى البنا

غزة – خاص قُدس الإخبارية: أصبح الحديث في أزمة الخريجين وتكدسهم في طوابير البطالة والتيه بحثًا عن فرص عملٍ هنا أو هناك، كلامًا مبتذلًا اعتادت الجلسات العامة على الخوض فيه مشكلةً من جملة المشكلات التي يغرق فيها واقع قطاع غزة اليوم، حتى أن الخريجين أنفسهم باتوا يشعرون باليأس وانعدام الأمل في كل مرةٍ يطرح على مسامعهم هذا الأمر.

لكن وعلى الرغم من سوداوية الأوضاع التي تخيّم على غزة منذ أعوام، إلا أن الكثير من الشباب والخريجين لم يرضخوا للواقع القاتم، فقليلٌ من الإمكانيات وكثيرٌ من العزيمة دفعتهم إلى البحث والسعي والعمل من أجل إيجاد حلولٌ مبتكرة تخرجهم من الصندوق المظلم والانتصار على الواقع الصعب.

بدأ محمد المدهون ذو الـ 26 ربيعًا، حديثه لـ قُدس الإخبارية بالقول إن قلة الفرص المتاحة محليًا كوظائف للخريجين وانخفاض الأجور، كانا عاملان مهمان دفعاه إلى الانخراط في العمل الحر، بالإضافة إلى وجودة مساحةٍ حرة في مثل هذا النوع من الأعمال للتعامل مع مؤسسات وأفراد بدون قيود أو أجور محدودة.

مشوار المدهون مع العمل الحر بدأ باستغلاله مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بخدماته من ناحية، وإقامة العلاقات مع المؤسسات من ناحيةٍ أخرى، يتابع قائلًا "ساعدني في ذلك المؤسسات كافة أصبحت تهتم بشكلٍ كبير بالتواجد على الشبكات الاجتماعية".

أثار الحديث حول العمل الحر حماسة المدهون ليقول، "لا يمكن لهذا العمل أن يكون بديلًا عن الوظيفة الرسمية فحسب"، حيث يعتبره عملًا حقيقيًا يدر على صاحبه ربحًا من عمل مستقلٍ ومريح غير مرتبط بالاقتصاد المحلي بل يرتبط باقتصاديات الدول الأخرى كدول الخليج مثلًا، ما يجعل منه وسيلةً مميزةً للربح.

ولا يخفي المدهون امتعاضه من النظرة المجتمعية للعمل الحر، الذي يعتبرونه غير مضمونٍ أو غير مستقر لعدم ارتباطه براتبٍ ثابت، لكنه في ذات الوقت يؤكد أن التقبل المجتمعي يسهم في تلاشي هذه النظرة.

الحرية في إدارة الوقت والمهام وندرة الوظائف أيضًا دفعت الشابة ياسمين صرصور (32 عاما)، إلى البحث عن فرصةٍ لمشروع خاص بها، فكانت رحلتها مع مشروع " giftbox.ps" الذي تقوم فكرته على إنشاء متجرٍ إلكتروني لتبادل الهدايا وتشاركها مع الأصدقاء في مختلف دول العلم أثناء المناسبات الجميلة كأعياد الميلاد، التخرج، الزواج وغيرها.

علاوةً عن الهدايا الجميلة فإن مشروع صرصور يوفر أسلوب تجارة إلكترونية احترافي يضمن تنوع خيارات المنتجات وإمكانية إتمام عملية الشراء والدفع بشكل سريع وآمن عن طريق بطاقات الدفع الإلكترونية، على حد وصفها.

يوفر هذا المشروع مزايًا كانخفاض نسب المخاطرة لكبر حجم السوق المستهدف وارتفاع قدرته الشرائية، إضافةً لتلبيته احتياجاتٍ ملحة للزبائن، بما يجعله يحقق عوائد تغطي رواتب 3-5 موظفين، تقول صرصور لـ قدس الإخبارية، إن هذا العمل أكسبها خبرةً واسعة في مجالات عديدة ذات علاقة في المشروع، كما أنها يعطيها الحرية في إدارة وقتها ومهامها.

وتعتبر صرصور أن كل ظرفٍ سيء يمر يحمل بين ثناياه فرص جديدة، وهذا ما شدها للبحث عن فرصة بين هذه الظروف الصعبة التي تمر بها غزة بدلًا من انتظار الوظيفة الذي يضيع الوقت والمهارات، هذا المشروع أشعر صرصور بالسعادة لما حققت فيه من نجاحٍ واكتساب خبرات ومهارات.

الخبير الاقتصادي محسن رمضان يوضح في حديث لـ قدس الإخبارية، أن سوق العمل الفلسطيني والسلك الوظيفي لا يستطيعان استيعاب العدد الكبير من الخريجين الذي يتدفق من الجامعات سنويًا، بالتالي لم يعد أمام الخريجين سوى الاعتماد على المشاريع الخاصة والابتكارية التي يجب دعمها من خلال حاضنات الأعمال في القطاع.

ويؤكد رمضان أن هناك جدوى اقتصادية حقيقية تحققها هذه المشاريع التي يتم دراستها بشكلٍ واقعي وناجح، كما أنها تشكل ضمانة مستقبلية بديلًا عن الوظيفة على الرغم من النظرة الاجتماعية لها والتي لا شك بأنها ستتغير في الفترة المقبلة.

وعلى الرغم من جدوى هذه المشاريع ونجاحها، إلا أن رمضان يعتبر أنها لا تكفي لحل مشاكل البطالة في صفوف الخريجين، بل يجب أن تكون هناك مشاريع استراتيجية كبيرة كمنطقة صناعية ومنطقة تجارة حرة وميناء ومطار من أجل حلٍ جذريٍ للبطالة.

ويشير مسؤول تطوير الأعمال في مشروع "مبادرون" يوسف الحلاق، إلى أنهم استقبلوا خلال المرحلة الثالثة من المشروع أكثر من 1000 طلب، يندرج تحتها قرابة 1500 شخص يشتركون في مجموعات داخل المشروع الواحد، وهو رقم ليس بقليل بالنسبة للمشروع.

ويكشف الحلاق أن 15 شركةً من الشركات المحتضنة في مشروع "مبادرون" تمكنت بعد انتهاء فترة الاحتضان من الاستمرار حتى بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، وأوجدت قرابة 50 فرصة عملٍ دائمة وأكثر من 50 فرصة عملٍ جزئية أخرى، وهذه الأرقام الناتجة عن حاضنة واحدة تؤكد أن هذه المشاريع تحقق جدوى اقتصادية حقيقية ومستمرة للشباب الذين يعملون في إطارها.

ولا تكتفي هذه المشاريع بتوفير فرص عمل داخل القطاع فقط، فوفقًا للحلاق حصل الكثير من الشباب على فرصٍ للعمل في شركاتٍ خارج البلاد بعد إثبات جدارتهم في هذه المشاريع، ويضيف، "قدمت المشاريع الخاصة للشباب الكثير من الفرص التي تساعدهم على اختراق هذا الوضع الصعب المتعلق بسوق العمل".