ما زال الإقليم الواقع جنوب فلسطين والذي تقارب مساحته أقل من نصف مساحتها بقليل، ابتداء ببئر السبع في الشّمال وانتهاء بأمّ الرّشراش وخليج العقبة في الجنوب، مغيّبا عن السّاحة الوطنيّة الفلسطينيّة بالمقارنة مع مساحته وتعداد سكانه، وهذا التّغييب ليس حديثا على إقليم النّقب، إذ أنّ الرواية الفلسطينية للنكبة تعاني في كل ما يتعلق بعملية تهجير القرى العربية في النقب، من النقص الشديد.
ويمكننا القول إنها تقاسي الكثير من التغييب والتجاهل، الشيء الذي ينعكس، إلى حد كبير، على معالجة قضايا أبناء الأقلية العربية الفلسطينية في النقب، ولا غرابة إن قلنا إنّ النّقب بأبنائه صاروا الجزء المنسلخ عن الوطن في عيون الكثير من أبناء فلسطين، وهنا لسنا في صدد بحث هذه الفكرة أو مناقشتها إثباتا أو نفيا، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّها بدأت تقلّ في الآونة الأخيرة، ودليل ذلك الهبّة الشّعبية الجماهيريّة الّتي حملها أبناء فلسطين كاملة في مواجهة مخطط برافر المشؤوم.
إنّ سياسية تهميش النّقب وفرض سياسة خاصّة به واستمرار نكبته الأولى مازالت مستمرّة على يد الاحتلال الإسرائيليّ الّذي عمل على تجميع كل البدو في مناطق صغيرة للسّيطرة على ما حولها من أراضٍ، وذلك من خلال اعترافه ببعض القرى العربيّة ورفض الاعتراف بقرى أخرى، والّتي يصل عددها إلى ست وأربعين قرية تعيش في ظروف من البؤس الاقتصادي والاجتماعي والنّفسيّ، و كنتيجة للوضع الاقتصادي
ويعتبر السكان البدو في النقب، وخاصّة القرى غير المعترف بها، السكان المصنّفين في المركز الأخير في التسلسل الهرمي الاجتماعي- الاقتصادي في "إسرائيل"، لكنّه يتربّعون على رأس الهرم كرامة وصمودا وبقاء، إذ أنّ وعيهم الأخير لما يحاك حولهم أفشل مخطّطات دولة الاحتلال اتّجاه قراهم.
وتُعتبر القرى البدوية غير المعترف بها موجودة على مدى أجيال طويلة وأقيم معظمها حتى قبل عام ١٩٤٨ أو نُقلت إلى مكانها الحالي من قبل الاحتلال، حيث يعيش في تلك القرى نحو مائة ألف مواطن، من فلسطينيي النقب، بظروف معيشية دون اتصال بالبنى التحتية الرئيسية، ودون اتصال بشبكة المياه والكهرباء، ودون خدمات الصحة الأساسية، ودون شوارع أو طرق وصول منظّمة، وفي غالبيتهم العظمى دون مؤسسات تعليمية ممّا اضطرّ الأسر إلى إرسال أبنائها لمسافات طويلة وغير معقولة من أجل ممارسة حقّهم الأساسي في التعليم.
القرى غير المعترف بها كثيرة كما سبق الذّكر، باتت تدلّ أسماؤها عليها، يحار الفرد منا على أيّ منها يقف، وعن أيّها يخبر، على إحداها نقف هنا مؤازرين متضامنين، قرية عتّير أم الحيران، الّقرية الّتي يقطنها أبناء عشيرة أبي القيعان المهددون بنكبة جديدة بعد أن هجّروا من قريتهم الأم "وادي زُبالة" عام 1948، الواقعة في منطقة بطيحة بين وادي الخزّان جنوبا ومنطقة ضحيّة شمالا، والّتي تضمّ بقايا بنيان رجيم الذّيب الواقعة إلى الشّرق من مدينة رهط
وتقع ضمن حدود مستعمرة "شوفال" اليوم، بعد أن قطنوها وزرعوها على مدى مئات السّنين مع عشائر أخرى منها: الهزيل والعبرة، قبل تهجيرهم وترحيلهم إلى منطقة تل المليحة من ثمّ إلى كحلة، حتّى استقرّ بهم المقام عام 1954 في منطقة وادي عتّير أم الحيران.
ومن هنا، فإنّه من واجبنا اتّجاه كلّ قرانا غير المعترف بها، والّتي قد نصير جزءا منها في "دولة" لا يؤمن شرّها، "دولة" حرب وخديعة، ولأنّ المسؤوليّة إن فرّطنا بها اليوم عضضنا أصابعنا كاملة غدًا ندمًا وسخطًا، ندعوكم، أيّها الأحرار في هذا الوطن، أصحاب الحقّ أبناء الحقيقة والأرض إلى المسيرة الشّعبيّة والمظاهرة الاحتجاجية ضدّ ترحيل وتهجير أهلنا في قرية عتير أم الحيران، والّتي ستنطلق يوم الخميس الثالث من آذار 2016 الساعة 10:30 صباحاً، من السّوق البلدي في بئر السّبع باتّجاه بناية المحاكم حيث ستكون التّظاهرة هناك.
الصّورة أعلاه، لنساء فلسطينيات يقطفن الخبّيزة من أراضيهنّ في قرية أم الحيران، رغم أنّ آلات الدمار تحيط بهنّ تمهيدا لإقامة مستوطنة صهيونيّة جديدة على أنقاض القرية.