شبكة قدس الإخبارية

تحقيق خاص: مؤسسات "تيسير الزواج" بغزة ربحية ومتهمة بالاحتيال

مصطفى البنا

غزة - خاص قُدس الإخبارية: تكاليف باهظة ودخلٌ محدود جدًا إن لم يكن معدومًا، أوضاع اقتصادية واجتماعية خانقة يرادفها كثافةٌ في الإقبال على الزواج، ملخص يصف حال آلاف الشباب الذين وقعوا فريسة للأزمات المتتالية التي أصابت قطاع غزة، وكانت سببًا في ظهور ما يعرف بمؤسسات "تيسير الزواج"، التي وبالرغم من توجه الكثيرين للانتفاع من خدماتها، إلا أنها ما تزال محاطةٌ بأسئلةٍ حول حقيقة انتفاع الشباب منها.

شبكة قدس الإخبارية فتحت هذا الملف وطرقت مختلف الأبواب محاولة الإجابة على كافة التساؤلات المطروحة حول هذه المؤسسات وعملها وما يدور حولها.

مؤسسات ربحية

مدير عام الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني عبد الله أبو رويضة، أوضح أن مؤسسات "تيسير الزواج" الموجودة في قطاع غزة كافة مسجلة لدى وزارة الاقتصاد على أنها شركات ربحية وتمتلك سجلًا تجاريًا وضريبيًا، وما يترتب عليه من دفع قيمة ضريبية لوزارة المالية كحال بقية الشركات التجارية الربحية في القطاع.

وأكد أبو رويضة أن سبع شركاتٍ لتيسير الزواج مسجلة لدى وزارة الاقتصاد بشكلٍ رسمي وهي تُدرِ ربحًا حقيقيًا لمالكيها من وراء المشاريع التي تقوم بها، مضيفًا أنها لا تخضع لمراقبةٍ أو متابعة مالية لأن القانون لا يمنح صلاحية التدخل في الشؤون المالية الخاصة بالشركات الربحية، على عكس الجمعيات غير الربحية التي يحضر مندوب من الوزارة اجتماعاتها وتخضع لرقابةٍ مالية دورية.

وأشار إلى أن مؤسسة واحدة منها فقط مرخصة بصفتها جمعية خيرية وهي "مؤسسة التيسير للزواج والتنمية"، والتي تقدم المساعدة للشباب عن طريق جمع المساعدات والتبرعات لهم من الداخل والخارج.

شكاوى احتيال

الناطق باسم الشرطة الفلسطينية أيمن البطنيجي، قال إن الظروف الصعبة التي تعيشها غزة دفعت البعض إلى تأسيس شركاتٍ بمسمى مؤسسات وجمعيات تسعى لمساعدة الشباب المتزوجين، وتعتمد على الدعاية والإعلان لاستجلابهم ومن ثم ترغيبهم بتقسيط المبلغ الإجمالي لتكاليف الزفاف وبدلة العريس والعروس والغداء والحفلة وغيرها مجتمعة.

وأضاف البطنيجي أن عدة شكاوى ضد هذه المؤسسات وصلت إلى المباحث، التي عملت بدورها على متابعة الأمر بشكلٍ متواصل، وتبين أن بعضهم يمتلك منجرةً أو معرض موبيليا وأثاثا منزليا ويبيع غرفة النوم الواحد بسعرٍ أكبر من تكلفة صناعته الحقيقية، عدا عن رداءة جودته التي أكدتها العديد من شكاوى الشباب الذين اشتركوا في مثل هذه العروض.

وأكد أن مباحث المؤسسات أثبتت بعد البحث والمتابعة أن التكلفة الحقيقية للعرض الذي تقدمه المؤسسات بمبلغ 1500 دينار أردني، يتراوح ما بين 1050-1080 دينار فقط، كما اتضح أنها لم تكن مرخصة وفقًا للقانون العثماني للجمعيات والمؤسسات في وزارة الداخلية وغير معتمدةٍ أصلًا، إضافةً إلى الخلل وعدم الانضباط في العديد من الإجراءات والأرقام.

وتُعرف الجمعية الخيرية وفقًا للقانون العثماني للجمعيات لعام 2000، بأنها شخصية معنوية مستقلة تنشأ بموجب اتفاق بين عدد لا يقل عن سبعة أشخاص لتحقيق أهداف مشروعة تهم الصالح العام دون استهداف جني الربح المالي بهدف اقتسامه بين الأعضاء أو لتحقيق منفعة شخصية.

كما تنص المادة (15) من القانون عينه أنه "للجمعيات والهيئات الحق في إقامة الأنشطة وتأسيس المشاريع المدرة للدخل شريطة أن يستخدم الدخل المتحصل لتغطية أنشطتها لمنفعة الصالح العام"، وهو ما ينفي بشكل واضح أحقية هذه المؤسسات في التربح لصالحها الخاص.

وقال البطنيجي إنه بعدما تم الكشف عن هذه المخالفات طالبت المباحث المؤسسات بتسميتها بالمسمى الحقيقي، وهو شركات تسعى للربح بالدرجة الأولى، مضيفا، "تقوم وزارة الاقتصاد الآن بمتابعة أمورها".

كيف تعمل؟

سلامة العوضي مدير عام مؤسسة "فرحة" لتيسير الزواج، قال إن ظروف الحصار وارتفاع نسب البطالة وتدهور الوضع الاقتصادي كانت عوامل ظهور هذه المشاريع التي تقوم على التقسيط المريح وبدون فوائد وبلا بنوك، نافيًا أن يكون هناك من يمول أو يدعم هذه المشاريع من الداخل أو الخارج.

وتقوم آلية عمل المشاريع على الحصول على أسعار خاصة من المحال والمعارض التي تتفق معها المؤسسة لأنها تحصل على كميات كبيرة من السلع وهذا يعود بالأثر على الشاب المتزوج، حسب العوضي الذي أضاف، "لا شك أن هناك جانبًا بسيطًا من الربح لكنه لا يقارن مع الخدمات التي نقدمها، فالمشروع يبقى خدماتيًا بالأساس".

ويرد العوضي على الاتهام برداءة الخدمات المقدمة من هذه المشاريع، بالقول "نحن نعمل على تقديم أفضل المعروض في غزة وبجودة عالية تضاهي ما يمكن أن يحصل عليه الشاب المتزوج بشكلٍ شخصي"، مضيفًا، "الدليل على ذلك أننا لم نتلقى شكاوى من العرسان المسجلين لدينا، لأننا نضع خيارات متعددة ومتنوعة أمام الشباب"، معتبرا أن المؤسسات في غزة تختلف عن بعضها البعض في مستوى الخدمات التي تقدمها.

مؤيد ومعارض

الشاب أحمد المدهون (27 عامًا) وهو أحد المشتركين في هذه العروض، أكد أن الوضع الاقتصادي وعدم امتلاكه المال الكافي لتغطية نفقات فرحه كاملًا، اضطره للتوجه إلى هذه المؤسسات التي "ساعدته على تغطية نفقات الفرح" بأقل تكلفة مما لو كانت على نفقته المباشرة، على حد قوله.

وحول جودة وكفاءة الخدمات المقدمة من هذه المؤسسات أوضح المدهون أنها كانت "جيّدة إلى حدٍ ما، لكنها ليست بالشكل المثالي"، مضيفًا، "تعاملت المحال والمعارض المدرجة ضمن العرض معنا بشكلٍ جيدٍ في أغلبها، لكننا واجهنا مشاكل عند البعض الآخر في استثناء بعض الخدمات والسلع حين يكتشف أننا ضمن مشاريع تيسير الزواج وهو ما خالف بنود العرض".

كما لم ينفِ معرفته بتحقيق هذه المؤسسات هامشٍ من الربح، لكنه في الوقت ذاته يشيد بمساعدتها للشاب المتزوج على تدبر أمور فرحه وتوفير عناء التنسيق عنه، ولم يجد حرجًا في نصح أقرانه الشباب من المشاركة في مثل هذه المشاريع.

على النقيض كانت تجربة الشاب باسل أبو هداف (25عامًا) مع هذه المؤسسات، فهو يعتبر أن مضرتها أكبر من نفعها، قائلًا "هذه المؤسسات تنظر إليّنا بنظرة الاستغلال لعلمها أننا بحاجةٍ لها بسبب ظروفنا الاقتصادية الصعبة، التي لولاها لما كنت سألجأ إليها"

كما أشار إلى أن الخدمات التي تقدمها المؤسسات رديئة، وليست على قدرٍ مناسب من الجودة والكفاءة، متابعًا "كانت تحصل بعض الأمور عند تسلمي للخدمة تنافي ما اتفقنا عليه مع المؤسسة، واضطر هنا إلى دفع فرق السعر من مالي الخاص كي لا آخذ خدمةً أو سلعةً سيئة الجودة، كأثاث غرفة النوم الذي كان رديئًا جدًا".

وعن هدفها وربحيتها، قال إن هذه المؤسسات تأسست لتحقيق الربح أكثر من خدمة الشباب، "لذا أنصح الشباب الذين يستطيعون تدبر أمورهم بعيدًا عن هذه المشاريع بأن لا يلجأوا إليها لأنها تنتفع منهم أكثر مما تنفعهم".