غزة - خاص قُدس الإخبارية: بساقين أو بدون ساقين، الأمر بالنسبة لمؤمن قريقع الأمر سيان، فالإبداع في نظره لا يرتبط بصفات ولا عوائق له أو حدود. فمن على كرسيه المتحرك استطاع الشاب أن يكون مصورا يُضرب به المثل لمن لم يفقدوا ما فقده.
قبيل العدوان الأول على قطاع غزة عام 2007، كان مؤمن يعد تقريرا مصورا حول احتجاز البضائع على معبر "كارني"، و أثناء التصوير فوجئ باستهدافه من قبل قوات الاحتلال بالرصاص، وقبل أن يلتئم جرحه أصيب مرة أخرى أثناء تواجده في مستشفى الشفاء بغزة.
الجريمتان المتتاليتان كانت نتيجتهما أن فقد مؤمن ساقيه، وبدأ بتلقي العلاج الذي يقويه على إصابته ليستطيع التأقلم مع وضعه الجديد، إلا أنه فاجأ الجميع بإرادته التي كانت الدافع الأقوى ليكرس حقيقة أن الإعاقة تصيب القلوب والعقول، بينما إعاقة الأجساد هي دافع للاستمرار وبقوة.
بعد رحلة علاج امتدت لثمانية أشهر، عاد مؤمن مرتبطا بصحافية متميزة تشاطرت معه حلم التفوق والنجاح، لكن رغبته وطاقته لم تكن كافية ليجد له مكانا في المؤسسات الإعلامية ببلده، بل إن المؤسسة التي كان يعمل معها استغنت عن خدماته، ليجد نفسه دون مصدر رزق في أول تحدٍ له بعد إصابته.
قرر قريقع أن يبدأ بشكل مستقل، فاشترى كاميرات بمواصفات عالية، وأخذ يسير بخطوات ثابتة على إرادة فولاذية نحو تطوير قدراته في التصوير الفوتغرافي، فلم يترك حدثا في قطاع غزة يمر دون أن يكون لعدسته بصمة فيه.
ويقول قريقع، "تحديت المجتمع أولا وآمنت بأن النجاح ليس مستحيلاً، فأنا لا أعتبر نفسي معاقا، الإعاقة هي إعاقة الروح والنفس، وبالإصرار على النجاح التقطت أجمل الصور ثم شاركت بها في معارض دولية".
الأصعب كان بانتظار قريقع بعد ذلك؛ فعدوان 2012 ثم 2014 ورغم أنهما شهدا استهدافا إجراميا كبيرا بحق الصحفيين الفلسطينيين، إلا أن قريقع أصر على أن يكون له وجود في المعركتين دون أن يقيم أي اعتبار لإصابة حفرت في ذاكرته، أو إعاقة مازالت آثارها في جسده، حيث عمل ميدانيا خلال العدوانين ثم خلال الانتفاضة الحالية، وتواجد في الخطوط المتقدمة جالسا على كرسيه المتحرك يوثق ما يجري لينشر في وكالات أنباء عالمية.
واستهدف جيش الاحتلال عشرات الصحفيين أثناء الانتفاضة بشكل مباشر، ولم يسلم قريقع من هذا الاستهداف، حيث أطلق أحد جنود الاحتلال قنبلة غاز عليه علقت في كرسيه المتحرك، فأتلفت الكرسي وتسببت بحالة اختناق شديد لمؤمن.
ويوضح قريقع، أن طبيعة عمله الميداني تحتاج لمعدات حماية مثل الدرع والخوذة والقناع الواقي من الغاز، لكنه لم يحصل على أي منها طوال سنوات عمله العشر، ورغم ذلك فإنه لم يتغيب يوما عن ميادين المواجهة.
ويضيف لـ قُدس الإخبارية، أن أهم الصعوبات التي تواجهه تتمثل في عدم وجود مواقع خاصة لذوي الإعاقة للتصوير منها، مضيفا، أنه يتخذ مواقع مرتفعة كأعلى جدار أو شباك منزل ليصور جنازة شهيد على سبيل المثال .
وتبدو ابتسامة قريقع التي يرسمها على وجهه على أنها وسيلة إقناع للجميع بأن الحياة تستحق المعاناة وأن الطموح سبيل لاستمرارها بسعادة، هذا ما ركز عيه قريقع حين وصف حالة الرضا التي تتناغم و روحه .
ورغم كل ذلك، فإن قريقع يؤكد استمراره في عمله على المستويين المحلي والدولي، وأنه لن يتوانى عن فضح جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين.