شغل دافيد بن جوريون منصب رئيس الحكومة ووزير الدفاع الأول في “إسرائيل”، واعتُبر صاحب الحلّ الأوضح في موضوع النقب والاستيطان فيه، وذلك حتى قبل قيام دولة “إسرائيل”؛ فقد مرّر حينها رسائلًا وجُملًا خلال خطاباته عن أهمية التمسك اليهوديّ بأرض النقب، إلى درجة جعلت البعض يظنّون أنّ الموضوع غير حقيقي، أو قريبٌ من الجنون.
في الفقرات التالية سوف نطّلع على بعض خطابات بن جوريون بين عامي 1935 و 1956:
مستقبل النقب وإيلات؛ رسالة الى القاضي برندايس
المشكلة الأكبر في “إسرائيل” الآن هي قضية الأرض، فقد اعتبرنا الأرض الحافز والقوة الأولى، التي دفعتنا نحو العودة الى أرضنا من أجل بناء بلدنا. رأينا في الاستيطان الزراعي الأساس نحو توفير حياة صحية في أرضنا، وعمل “أحباب صهيون” والبارّون “روتشيلد” والحركة الصهيونية على تجميع قواهم نحو زيادة الاستيطان وتوسيع حجمه طوال السنوات السابقة.
من أجل أن تتطور “إسرائيل”، علينا تثبيت مهاجرين على قطع الأرض، ومن أجل أن نستوعب يهوداً مهاجرين بأعداد أكبر، علينا تأمين قطعًا أكبر من الأراضي للاستيطان؛ أي إنّنا أمام حاجة لأراضٍ احتياطية من أجل تسهيل الاستيطان والسيطرة على الأرض، وهذا ما نواجهه في عمليات البناء.
تكمن أهمية النقب بأنهّا منطقة كبيرة جدًا وفارغة، يمكننا هنا حفر الآبار، ويمكننا بناء مستوطنات مكتظّة، ولن يكون لها مثيل في كلّ “إسرائيل”. كما نودّ أن نعطيَ العرب الرحّل ذوي العدد المحدود أرضًا كافية للاستيطان، وبالرغم من ذلك سيكون لنا ملايين الدونمات من الأرض حولهم لاستيطان يهودي طويل الأمد.
للنقب أهمية لا تقتصر على مستوى الاستيطان الزراعي فقط؛ بل أيضاً على المستوى السياسي والاقتصادي والاستراتيجي من الدرجة الأولى، فها هو خليج إيلات والأرض التي وراءه هي وادي عربة.
حاجتنا في “إسرائيل” هي للبحر؛ فنريد شعبًا يطأ الأرض ويزرعها، كما نريد شعبًا ينزل البحر للصيد، فالبحر يساعد المهاجر (اليهودي المهاجر بهدف الاستيطان) سواء من خلال الصيد أو بناء السفن، وربما في المستقبل مرفأ وميناء للسياح والبضائع والتجارة العالمية، كما أن ذلك يساهم في ازدياد الهجرة اليهودية وتوسيع رقعتها.
لا قيمة للعقبة؛ فهي في الجانب الأردني المغلق أمامنا حتى الآن، وتسيطر الجبهة الداخلية على منطقة إيلات (وادي عربة) الممتدة من الخليج حتى البحر الميت في تخوم “إسرائيل”، هذه مساحة نصف مليون دونم مشبعة بالمياه، والقسم الشمالي لإيلات يمتاز بأرض مالحة ولا فائدة مرجوة منها في الزراعة. بينما يشكل القسم الجنوبي بمحاذاة الخليج (ربع مليون دونم) أرضاً خصبة للزراعة وتساهم في الإنتاج؛ فالوكالة اليهودية بحثت ونقبت بالسابق عن طبيعة الأرض والمياه وإمكانيات الزراعة.
تكمن أهمية سياسية وإقتصادية كبرى في تأسيس استيطان يهودي عاجل في تلك المنطقة من أجل بناء حقيقة موجودة، والحكومة في صدد تخطيط شارع استراتيجي يربط غزة في بئر السبع حتى إيلات، وشارع إضافي من إيلات عبر وادي عربة حتى البحر الميت.
لدينا استيطان في جهة واحدة من وادي عربة وهو مصنع البوتاسيوم، وبعد مدّة علينا استيطان الجهة الأخرى للوادي.
كما علينا ضخّ قرابة مئة مهاجم تابعين لجيش الاستيطان اليهودي في الجهة الغربية لإيلات، وسوف تهتمّ هذه الوحدات بالزراعة والصيد، وسيكون التنقّل عبر الطيران، فستصبح إيلات مثلها مثل حيفا بعد سنوات؛ تربطنا بآسيا وأوروبا.
عمّا ندافع؟
يصرّح بن جوريون: “لن أقبل النصيحة بعدم الحفاظ على الصحراء، فإنّنا ملزمون بالحفاظ على تل أبيب، وإذا لم نقف على الصحراء لن تقف تل أبيب يومًا؛ فتقول لنا النظرة التاريخية إنّ لا شيء يهودياً يمكنه أن ينهض دون تحقيق نجاح الصهيونية، وإخراج 12 مليون دونم من الحساب هو تفكير غير صهيوني.
إذا لم نكن في النقب، فإنّه من الصعب الحفاظ على تل أبيب، وإذا لم نستوطن هناك سيضيع النقب من بين أيدينا وحينها لا يمكننا فعل شيء.
لا فرق بين مصانع الدفاع ومصانع الاستيطان، كلّ من هاجر إلى البلاد هاجر بهدف التمتع بالموجود، لكن لم يكن كلّ هذا موجوداً، ولم تكن تل أبيب قائمة في الواقع، إلا أنّها قائمة في المخيلة اليهودية، تماماً كما نبتت بيتاح تيكفا في مخيلة اليهود في شتات العالم، والمخيلة هي المحفز الأول للعمل، والحفاط على النقب والاهتمام به وتجهيزه لمستوى الحرب ليس أقل أهميةً من تلّ أبيب”.
*هذا المقال مترجم عن "يشوف هانيغيف - استيطان النقب" ونشر أولا على موقع "العساس"