غزة - خاص قُدس الإخبارية: "السينما هي كيفية أن تعيش أكثر من حياة .. حياة جديدة مع كل فيلم تشاهده" هكذا وصفها يومًا المخرج الأميركي روبرت ألتمان، ولعل غزة وأهلها أكثر من يستحقون أن تقدم لهم حياةٌ جديدة، عوضًا عن تلك التي يفقدونها مع كل يومٍ يحمل بين دقائقه صعوبات الحياة ومآسي القضية.
بعد أعوامٍ طويلةٍ من اختفائها، تنسدل الستارة الحمراء وتضيء الشاشة الكبيرة حياتها من جديدٍ في غزة، امتلأت كراسي مدرجات قاعة الهلال الأحمر الفلسطيني بالمشاهدين، الذين سارعوا لشراء تذاكر أول فيلمٍ سيشاهدونه في مشهدٍ سينمائي مميز حيث الأضواء المطفأة ولا صوت يعلو فوق صوت البطل.
صمتٌ مشوبٌ بالشغف والحماسة التي غمرت أكثر من مئتي مشاهدٍ حضروا لمتابعة فيلم، كحال العشرينية لينا الشرفا التي جاءت برفقة صديقاتها لمتابعة فيلم #معطف_كبير_الحجم، الذي يحكي قصة طفل فلسطيني جاء من الغربة فأذهلته أوضاع شعبه في الضفة الغربية، فقرر أن يخوض تجربة الإعلام وتصوير الأفلام لنقل معاناة شعبه.
تصف لينا حضورها للحدث السينمائي الأول بالتجربة الرائعة، خاصةً أن القاعة كانت مجهزةً بما يناسب عرض الأفلام، أما الفيلم فهو وطني ودرامي وفكاهيٌ أيضًا، أتقن ممثلوه الدور جيدًا وهو ما جعله أكثر من رائع، على حد قولها.
وتقول لينا لـ قدس الإخبارية، إن متابعتها للفيلم مع صديقاتها كان شعورًا جميلًا، فقد أضفى مزيدًا من الترفيه والانتباه للمتابعة، وتقاسم السعادة بالحدث معهنّ، معربة عن أملها أن تشجع المبادرة روح الفن والعمل السينمائي في غزة.
محاولةٌ جديدة للترفيه الهادف وتوفير مساحةٍ للجمهور الفلسطيني للاطلاع على عشرات الأفلام الفلسطينية القوية وذات الرسالة الوطنية والهادفة التي لم تتح لها الفرصة لترى النور، تلك كانت دوافع العمل على إنشاء برنامج "سينما غزة" وفقًا لحسام سالم من مؤسسة عين ميديا المنظِمة للحدث.
ويوضح سالم أن "سينما غزة" تحمل رسالة الحياة والتمسك بها رغم كل الظروف، فهو يرى أن الشعب من حقه أن يعيش وأن يجد مساحاتٍ هادفة للترفيه. يتابع قائلًا "نحمل أيضًا رسالة الوطن حيث سنعرض أفلامًا فلسطينية درامية ووثائقية تعزز قيم الانتماء الوطني وتزرع روح المقاومة والقضية".
أبرز التحديات التي واجهت "سينما غزة" حسب سالم، تمثلت في غياب الأماكن المخصصة للعروض السينمائية في غزة وصعوبة التواصل مع المخرجين الفلسطينيين بحكم وجود معظم خارج القطاع، لكنه يكشف عن إصرارهم على استمرار البرنامج من خلال إيجادهم أماكن بديلة للعرض وتواصلهم مع مخرجين لتوفير الأعمال الفنية من أجل عرضها.
تميزت تجربة "سينما غزة" بأنها أعادت الروح بنكهةٍ فلسطينيةٍ وطنيةٍ بحتة، إلى عالم السينما في غزة التي يعود ظهورها إلى أربعينيات القرن الماضي في "سينما السامر"، التي كانت تطغى على شاشته الأفلام المصرية وبعض المسرحيات الفلسطينية، ثم ظهرت "سينما الجلاء" و" عامر" و"السلام" و"سينما النصر"، التي أغلقَ بحرقِها في عام 1994 عهد السينما في غزة.
ويعبر المخرج الفلسطيني نورس أبو صالح عن تفاجئه الشديد من التجربة السينمائية، التي أعادت ألق السينما إلى غزة، بعد غيابها فترة طويلة من الزمن بسبب الظروف التي يعيشها القطاع، ولأنها أيضًا "لا تعد من الأساسيات أو الترفيهيات في المجتمع الفلسطيني".
ويضيف أبو صالح في حوار مع شبكة قدس الإخبارية، أن السينما هي من أدوات التلقي والثقافة ونشر الرسالة، خاصةً في مجتمع مليء بالقصص والروايات كقطاع غزة، لافتًا أنها يمكن أن تشكل نافذةً تعبر من خلالها غزة إلى العالم وتتعرف من خلالها على الثقافات المختلفة.
ويرى أبو صالح أن الإقبال الكثيف الذي شهده عرض فيلم #معطف_كبير_الحجم من الشباب الغزّي، دليل قدرته على صنع ظروفه الخاصة برغم ما يحياه من حصار وتضييق.