غزة – خاص قُدس الإخبارية: بينما تحاصر مصر خلف بوابة معبر رفح آلاف الحالات التي تحتاج بشكل عاجل للسفر لأسباب مختلفة، تستحدث ما تسميها "تنسيقات أمنية" بالتعاون مع بعض المكاتب السياحية في القطاع، مقابل مبالغ مالية باهظة لتسهيل سفر هؤلاء على حساب من ليس لديهم ثمن التسجيل في هذه القوائم.
آلاف الدولارات مقابل إدخال الأسماء في قوائم تغادر القطاع كل ما فتح معبر رفح، بمجرد وصول القوائم من الجانب المصري، حينها يُطلب المسجلون في قوائم التنسيقات بالاسم من قبل موظفي الأمن في الجانب الفلسطيني من المعبر، ثم ينتقلون للقاعة الخارجية وينتظمون في حافلة تضم جميع الأسماء المماثلة.
في المقابل، ينتظم المسجلون في كشوفات الداخلية بشكل رسمي منتظرين أدوارهم في إجراءات تسير ببطئ شديد، وقد ينتهي الانتظار بهم إلى العودة مجددا لمنازلهم، وقد بلغت أعداد المسجلين في كشوفات الداخلية 25 ألف شخص لهم أولوية أساسية في السفر، مثل الحالات المرضية والطلاب وحاملي جوازات السفر الأجنبية.
وفتحت السلطات المصرية معبر رفح مطلع الشهر الجاري ليومين ثم مددت ذلك لساعات من اليوم الثالث، وخلال ذلك كان خليل علوان (25 عاما) قد انتظر ليومين بعد أن حصل على تأشيرة سفر للتوجه إلى تركيا بهدف الحصول على دراسات عليا من إحدى جامعاتها، وهو ما كلفه نحو 700 دولار.
ويقول علوان لـ قُدس الإخبارية، إن المعبر فتح وأغلق في المرة الأخيرة دون أن يصله الدور، كما يتوقع أن لا يصله الدور حتى لو فتح مرة أخرى، منوها إلى أن التأشيرة الخاصة بدراسته تنتهي مع نهاية العام الجاري.
ويوضح علوان، أنه تفاجأ خلال انتظاره على المعبر بأصحاب التنسيقات ينتظمون في حافلة ضمن حافلات المسافرين، ثم تدخل حافلتهم الجانب المصري فيما حافلات المسجلين لدى الداخلية تعود مرة أخرى للجانب الفلسطيني لحين الانتهاء من إجراءات دخولهم.
وحسب علوان، فقد بدأ دخول حافلات التنسيقات في اليوم الأول عند الساعة الثامنة مساء، فيما بدأ دخولها في اليوم التالي صباحا واستمر حتى الساعة الثالثة عصرا، ليحصل هؤلاء على الأولوية قبل الوصول إلى الحالات الإنسانية التي سافر منها حوالي ألفي شخص فقط.
قوائم التنسيقات لا تؤثر فقط على الطلاب الذين تذهب تأشيراتهم هباء، بل إنها تعصف بآمال آلاف المرضى الذين يصنفون بأنهم حالات خطيرة تتنوع بين الفشل الكلوي وأمراض الكبد والأورام الخبيثة أيضا.
هذه المشكلة كانت محل تعليق مدير أمن المعابر السابق ماهر أبو صبحة، الذي علق على حسابه الشخصي عبر فيسبوك مؤكدا أن العمل بالتنسيقات قائم منذ عدة سنوات، ومعترفا، بأنه لم يستطع محاربتها أثناء عمله في هيئة المعابر، "لأنه كانت أكبر مني"، حسب تعبيره.
ووصف أبو صبحة المشاركين في ترتيبات التنسيقات بأنهم "تجار دم وجشعون ويلعبون بمصير الناس"، مبينا، أن هيئة المعابر تملك ملفا يحتوي على أسماء جميع المتورطين في ترتيب هذه القوائم، وهم أصحاب مكاتب منتشرة في جميع المحطات.
واعتبر أبو صبحة حديثه عبر فيسبوك صرخة للمسؤولين بالدرجة الأولى، مطالبا النائب العام بالتدخل لمحاسبة أصحاب هذه المكاتب، ومتوعدا بنشر أسماء كافة المتورطين في هذا الأسلوب "ليحاسبهم الشعب نفسه إذا لم تتم محاسبتهم من الجهات المختصة"، كما قال.
ووجه أبو صابحة دعوة للنائب العام لمعالجة الأمر ، وسن قوانين تجرم هذا الإجراء ، واصفاً العاملين بهذا المجال بأنهم تجار دم على حد تعبيره ، مؤكداً على أن الهيئة لديها كشوف بأسماء العاملين بهذا المجال .
وتؤكد مصادر فلسطينية بأن الأموال التي تدفع لأصحاب المكاتب، تتراوح بين ألفي دولار وثلاثة آلاف دولار، تذهب لأصحاب المكاتب ولضباط في الجانب المصري أيضا، مقابل تسهيل مرور هذه القوائم من الجانب المصري نفسه، فيما تحدثت مصادر عن حصول موظفين في الجانب الفلسطيني على جزء من هذه الأموال، وهو ما لم تؤكده أي مصادر، ونفته وزارة الداخلية بشدة.
لكن لماذا يسمح الجانب الفلسطيني بمرور التنسيقات على حساب الحالات الإنسانية؟! على هذا السؤال يجيب الناطق باسم وزارة الداخلية إياد البزم مبينا، أن الجانب الفلسطيني مضطر لتسهيل سفر الأسماء التي يرسلها الجانب المصري لاستمرار العمل في المعبر، مؤكدا، أن الجانب المصري يعرقل عمل المعبر ويوقفه أحيانا في حال عدم السماح لهم بالمرور.
ويوضح البزم لـ قُدس الإخبارية، أن عدد أصحاب التنسيقات الذين سافروا أثناء فتح المعبر مطلع الشهر الجاري يقارب 300 مسافر موزعين على خمسة حافلات، من أصل 1500 شخص استطاعوا مغادرة القطاع، ليبقى أكثر من 23 ألف حالة إنسانية بحاجة ماسة للسفر منتظرين فتح المعبر مرات أخرى.
وحول أسماء المكاتب المتورطة في التنسيقات، يقول البزم إن المكاتب غير معروفة وتجد وزارة الداخلية صعوبة في تحديدها، مشددا على أن الوزارة ستحقق في هذا الأمر وستلاحق كافة الأطراف التي يثبت تورطها في القضية من أصحاب مكاتب أو أفراد، سواء كانوا من عناصر حماس أو موظفين حكوميين أو أفراد عاديين.
واعتبر البزم أن هذه التنسيقات تعد ابتزازا لحاجات المواطنين وآلامهم، مستنكرا استمرار هذه الظاهرة ومناشدا بالإبلاغ عن أي شخص يعمل في هذا المجال، كما أكد أن الداخلية تدرس إمكانية وقف مرور التنسيقات حتى لو توقف عمل المعبر بشكل كامل، لكن اتخاذ قرار بذلك مرتبط بمصلحة الفلسطينيين الذين يحتاجون للسفر.
تجدر الإشارة إلى أن الجانب المصري أغلق معبر رفح لمدة 318 يوما خلال العام الجاري، منها 107 أيام متتالية قبل فتح المعبر في المرة الأخيرة، وقد أغلقته مؤخرا إلى أجل غير مسمى، وقد ساهمت هذه الإغلاقات في تكدس هذه الأعداد الكبيرة من المحتاجين للسفر.