غزة – خاص قُدس الإخبارية: بيوتٌ لا يرىٌ أولها من آخرها لشدة بساطتها، جدرانٌ بالية وأسقفٌ مهترئة لا تحمي من يعيشون تحتها لا من حر صيفٍ ولا من بردٍ شتاء، ولا تمنحهم جدرانها دفئًا ولا تمنع عنهم مطرًا غزيرًا، فهذه البيوت ذاتها تحتاج لأغطيةٍ بلاسكيتية تحميها من الزخات الماطرة من الخارج، وأوعية تلتقط ما يتسرب منها إلى الداخل، مشاهد مأساوية تختصر حكاية سكان منطقة "الكرامة" غرب مدينة غزة الذين مر الشارع الجديد وسط بيوتهم.

أصل الحكاية بدأ في تموز الماضي حيث وصل أول إخطار لسكان المنطقة تمهلهم فيه بلدية جباليا النزلة ثلاثة أيامٍ لإخلاء منازلهم التي يسكنون فيها منذ قرابة 30 عامًا، تمهيدًا لهدمها من أجل شق الشارع الجديد، ثم تبعه في تشرين أول الماضي إخطارٌ عاجل من سلطة الأراضي قبل أن تقدم الجرافات التابعة للبلدية في الثاني من تشرين الثاني الجاري على هدمها.

13 أسرةً تضم قرابة 60 فردًا أكثرهم من النساء والأطفال، تشتتوا نتيجة عملية الهدم التي تمت في ظل ظروف فصل الشتاء والبرد القارس، والتي لم تراعيها البلدية وسلطة الأراضي، هذا ما قاله محمد سلامة (32 عامًا) وهو رب لأسرة مكونة من 4 أفراد، وأحد المتضررين من الحادثة.

وروى سلامة لـ قدس الإخبارية قائلا، "تواصلنا مع البلدية وسلطة الأراضي قبل البدء بالتنفيذ لمحاولة حل الأمور ومنحنا مهلةً إضافية لحين تدبير أوضاعنا أو تسوية القضية مع الجهات الرسمية، إلا أننا لم نلقَ استجابة منهم وأصروا على شق الشارع بالقوة".

ويقول عبد الله ذوابحة (35 عامًا) وهو أحد السكان الذين نالت عملية الهدم من بيوتهم، "توجهنا إلى رئيس سلطة الأراضي إبراهيم رضوان لمحاولة إيجاد حل للأمر، وقال لنا بأن هذا مشروع شق الشارع جاء بمنحةٍ قطرية ويجب فتحه بسرعة، وطالبنا بأن نتدبر أمورنا في المحيط وعند جيراننا".

ويتساءل عبد الله باستغرابٍ وهو يشير إلى الحالة الصعبة التي أصبحوا عليها بسبب ما جرى "كيف نتدبر أمورنا!، إذا كان الجار في هذه الأيام بالكاد يستطيع تحمل أعباء أسرته، فكيف له أن يتحمل جيرانه أيضًا!؟"، مضيفا، "كيف يستطيع الإنسان أن يبيت في مكانٍ وزوجته وأبناؤه في مكان آخر، أتمنى أن ينظروا إلينا بعين الرحمة فقط".

ويؤكد سكّان المنطقة بأنهم لا يدعون ملكيتهم لهذه الأرض ولا اعتراضهم على إقامة المشروع، بل ويعتبرونه مصلحةً عامة، إلا أنهم في الوقت ذاته يعتبرون أن من حقهم الحصول على مأوىً يحتمون به من برد الشتاء وأمطاره، مناشدين الرئيس محمود عباس ورئيس حكومة غزة السابق إسماعيل هنية والجهات الحكومية والحقوقية المختصة لحل مشكلتهم.

وتوجهت شبكة قدس الإخبارية إلى رئيس سلطة الأراضي في غزة المهندس إبراهيم رضوان، واستطعنا الوصول إليه بعد عناء العديد من الاتصالات والزيارات، ليقول، "نحن مسؤولون عن الحفاظ على الأراضي الحكومية، والتعامل مع التعديات عليها حسب القانون، وهذه الحالة تعتبر شكلًا من أشكال التعدي القديم، وما جعل أمر التعامل معها ملَحًا أن هناك تمويلًا لإقامة هذا الشارع الذي يربط بين منطقتين مهمتين، وقد آثرت البلدية فتحه بسرعة قبل تسوية الأمر".

وأضاف رضوان، "اتفقنا معهم على أن يتدبروا أمورهم بالتعاون مع لجنة الحيّ، إلى حين قيام موظفينا بدراسة حلٍ لقضيتهم بالتعاون مع لجنةٍ منهم"، مبينا أن من الحلول المقترحة نقلهم إلى أماكن أخرى في أراضٍ حكومية يدفعون ثمنها، أو أن يبقوا في أماكنهم مع إيجادٍ حل مناسب.

واعتبر رضوان أثناء حوارنا معه والذي جاء بعد قرابة أسبوعين من عملية الهدم، أن عدم زيارتهم له مرةً أخرى يعني أنهم وجدوا حلًا للأمر، لكننا زرنا المنطقة مرة أخرى في اليوم التالي للقاء والذي تصادف مع دخول منخفضٍ جوي شديدٍ، لنجد أن الوضع ما زال على حاله.

هاشم الجوجو (58 عامًا) وهو أحد الذين زاروا المهندس رضوان، قال إنهم أبلغوا بعدم وجود تعويض لهمٍ، وأن المهندس رضوان كان قد وعدهم بزيارةٍ خلال ثلاثة أيام إلا أنه لم يفِ بوعده رغم مرور 10 أيامٍ على زيارتهم له، مضيفًا "لا نطالب بتعويضاتٍ ولا أموال ما نطالب به هو إيجاد مأوىً بديل فقط".