كتب: أيمن لُبّد
منذ الأول من أكتوبر لهذا العام شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة تطورًا متصاعدًا في أحداث الصراع مع دولة الاحتلال، وذلك عقب احتجاجات شعبية فلسطينية منددة إجراءاتٍ إسرائيلية تهدف إلى التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، صاحب المكانة الدينية والسامية لدى العرب والمسلمين في أرجاء العالم، حيث اصطدمت "إسرائيل" بحائط الجماهير الفلسطينية الغاضبة، اندلعت بعد خطاب وصِفَ بالتاريخي للرئيس الفلسطيني محمود عباس على منصة الأمم المتحدة صارح فيه عباس المجتمع الدولي بممارسات "إسرائيل" الإجرامية على الأرض الفلسطينية ورفضها التام للسلام مع الفلسطينيين.
في الوقت ذاته، تحاول كل القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية البحث عن دور لها في الانتفاضة الشعبية وبالمصطلح الفلسطيني "ركوب موجة الأحداث"، وذلك بعد انكفاء دور الفصائل الفلسطينية المنقسمة والمتصارعة وعدم قدرتها على قيادة مثل هذه المرحلة الصعبة التي تختلط فيها الأوراق وتبقى إدارة المعركة للشباب الفلسطيني الغاضب صاحب الأحلام الضائعة في ضوء غياب الأفق السياسي بعد فشل ذريع للسياسي الفلسطيني بشتى ألوانه وكافة تجاربه الرامية لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني.
فشلت القيادة الفلسطينية المنقسمة بين غزة والضفة والخارج في إيجاد روابط مشتركة لمنظومة سياسية فلسطينية قائمة على تبادل الأدوار، وتوحيد الخطاب الفلسطيني الذي يعبر عن الجماهير الغاضبة، فبرغم كل هذا الخلاف في الرؤى وتنوعها ما زالت هنالك مساحات شاسعة للعمل السياسي التشاركي، إلا أن جميع الأطراف الفلسطينية تحاول بشكل أو بآخر صد العدوان عن شعبها لكن بالسمة الانفرادية دائمًا.
الصراع على السلطة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بين فرقاء العمل السياسي وقف كالجدار المانع لأي تقدم على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أما الشباب الذي حاول دق ناقوس الخطر في أكثر من مناسبة وعمل على إرباك حسابات المنقسمين وشدهم باتجاه المواجهة الموحدة والمنسقة مع الاحتلال الذي لم يفرق بين الفلسطينيين إلا في حالات خبيثة.
انسداد الأفق وقلة الخيارات لم تضعف من عزيمة مجموعة الفتية والفتيات الذين حملوا الراية والحجر وواجهوا بصدورهم العارية صلف وغطرسة الاحتلال، لفتح الطريق من جديد أمام السياسي الفلسطيني ومساعدته على التعامل مع الأزمة في ظروف سياسية أفضل والتحرك بشكل جمعي وانتزاع الحقوق الفلسطينية.
لكن هؤلاء الفتية أثبتوا أنهم صناع الحدث ووضعوا أيديهم على عمق المأساة التي حوّلت الفلسطينيين إلى مجموعات متناحرة يغزوها الشك ويسودها التخوين خدمة لـ"إسرائيل" بالشكل المباشر وغير المباشر، فالوضع السياسي الفلسطيني أكثر هشاشة مما يعتقد الكثير وأكثر ضعفاً من اغتنام الفرصة التي منحتها الجماهير لقيادتها، نظرًا لحسابات الخوف والشك التي تسود المنقسمين، ذلك كان كفيلا ً بإحباط آمال وتطلعات تلك الجماهير الغاضبة بسبب غياب الحد الأدنى من الوحدة والثقة، علاوة على وجود أجواء من الخطاب الإعلامي المتربص والمكاسب الضيقة والخوف من استفادة فريق سياسي دون الآخر.
يبدو أن السياسة الفلسطينية ما زالت تراوح مكانها بعد هذه الهبة الجماهيرية واتجهت سلوكا قبليا في إمعان واضح لحالة الشذوذ والانسلاخ عن الجماهير التي يقودها اليوم فتية وفتيات، كانوا ضحية لأخطاء "القيادة الفلسطينية" بشتى ألوانها من جهة وظلم الاحتلال من جهة أخرى.
فشلت القيادة ونجح الشباب الفلسطيني في توحيد أربع أجزاء جغرافية ممزقة يتواجد عليها الفلسطينيون وهي القدس والضفة وأراضي 48 وقطاع غزة، نجحوا أيضًا في إدخال أدوات جديدة على الصراع العربي الإسرائيلي واستطاعوا التمرد على الحالة السياسية التي حاولت منعهم في بداية الأمر وتحاول احتواءهم ضمن سياقات فصائلية لكن دون جدوى.
وتعترف "إسرائيل" أنها تواجه أزمة غير مسبوقة في تحديد قواعد الاشتباك مع هؤلاء الفتية، حيث فشلت أجهزة المخابرات الإسرائيلية في تحديد نقاط الاشتباك لأنها ببساطة أضحت مترامية الأطراف وفي كل مكان داخل خارطة فلسطين التاريخية.
واستطاع الشباب الثائر غير المسلح لفت أنظار العالم المنشغل بحروب المنطقة إلى القضية الفلسطينية واعادتها، حتى على طاولة أولويات بعض الفضائيات التي انحرفت بوصلتها مع أحداث ما يسمى بالربيع العربي.
وفرض الشباب بمنطقهم الجديد حالة من منع التجول ولو نسبية أثرت على الاقتصاد الإسرائيلي وكبدته خسارة قدرت بــ5 مليارات شيكل يوميًا، فكان الأجدر على القيادة الفلسطينية أن لا تضيّع هذه الفرصة الثمينة وأن تصحح المسار وتفعّل منظومة سياسية جديدة قوامها المشاركة وتغليب المصلحة العامة على الخاصة، وتوزيع الأدوار على الجميع عملا وأملا لتحقيق كافة تطلعات الشعب الفلسطيني وآماله الذي طالت مأساته.