خطط الجيش الإسرائيلي إبان حكومة الإرهابي شامير مع عصابة «أمناء الهيكل» لارتكاب مجزرة جماعية بحق المصلين الفلسطينيين العزل داخل ساحة المسجد الأقصى المبارك. وقام المخطط الصهيوني على أن تقوم هذه العصابة الإرهابية بإثارة مشاعر العرب من خلال محاولة وضع حجر الأساس لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.
بدأ التحضير للمجزرة قبل أيام من وقوعها، إذ وجهت العصابة الدعوة إلى كافة اليهود للمشاركة في مسيرة جماعية إلى المسجد الأقصى بمناسبة عيد العرش اليهودي في 8/ 10/ 1990 ونادت بانتهاز الفرصة وتحرير «جيل الهيكل» من العرب المسلمين ووضع حجر الأساس لبناء الهيكل المزعوم. وظهر تواطؤ جيش الاحتلال بالجريمة النكراء في تسهيل وصول المصلين خلافاً لعادته وإخلاء حائط المبكى من المصلين اليهود ومن جميع السياح والصحفيين لتخطيطه المسبق للمجزرة.
أخذ ضباط الجيش الإسرائيلي باستفزاز المصلين وتهديدهم بينما قام المستوطنون اليهود بأعمال استفزازية ضد العرب في الصباح الباكر في مدينة القدس القديمة وهتفوا هتافاتٍ عنصرية ممهدة للمجزرة مثل «الموت للعرب» و«العرب برّه» و«جبل الهيكل (جبل الزيتون) لنا».
وهدد ضابط مخفر الشرطة في باب المغاربة ويدعى سيمون المصلين المسلمين قائلاً: «إذا ما رُمي حجر صغير، فإن القوات الإسرائيلية ستطلق الرصاص الحي، ولا يكفيني قتل مئة ألف مسلم(1)».
بداية المجزرة:
يصف فايز دويك (شاهد عيان) ساعة وقوع المجزرة ويقول: «كنا نجلس في حلقات نستمع إلى الخطب، وتقوم بتهدئة العواطف عندما ألقيت قنابل الغاز على النساء المحتشدات في ساحة الصخرة المشرفة حوالي الساعة العاشرة وخمس وأربعون دقيقة(2). وأكد أن الشبان العرب لم يرموا الحجارة إلا بعد هجوم قوات الشرطة وحرس الحدود عليهم.
ارتفعت أصوات النساء المتواجدات في الجهة الجنوبية الشرقية من صحن الصخرة المشرفة بسبب إلقاء الجنود قنابل الغاز المسيلة للدموع عليهم. فارتفع صوت التكبير وتوجه المصلون نحو النساء. وعلى الفور ألقى الجيش الإسرائيلي القنابل وفتح النيران على جموع المصلين العزل داخل الحرم الشريف، ومن مروحية كانت تحلق في سماء ساحة المسجد الأقصى. فرد المصلون بقذف الجيش الإسرائيلي الوحشي والجبان بالحجارة.
وصلت في هذه الأثناء تعزيزات من قوات الشرطة والجيش والمخابرات الإسرائيلية كي تشارك في المجزرة البشعة بحق المصلين المسلمين وقامت على الفور بإغلاق جميع أبواب المسجد الأقصى، وفتحوا نيران أسلحتهم على المصلين، واعتقلوا الكثير منهم. وعرقلوا نقل الجرحى بإطلاق النار على الأطباء والممرضات والممرضين وأعاقوا إخلاء الجرحى، مما أدى إلى وفاة ثلاثة أشخاص.
وبلغ عدد ضحايا مجزرة القوات الإسرائيلية داخل ساحة المسجد الأقصى المبارك (35) من المصلين الفلسطينيين و300 جريح.
وحمّل رئيس بلدية الاحتلال في القدس المحتلة بتري كولك رئيس الوزراء الإسرائيلي شامير مسؤولية المجزرة وقال: «إن إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية عن إقامة حي يهودي جديد في جبل الزيتون أحد العناصر التي ساهمت في إثارة المشاعر(3)".
ووصفت وكالة فرانس برس الجريمة قائلة: «غطت الدماء مساحة المائتي متر بين مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى. لقد سالت الدماء في كل مكان على الأدراج الواسعة وعلى أبواب المسجدين ورسمت على حيطان المسجدين خطوطاً طويلة قانية نزفتها أياد مدماة(4)».
كررت الحكومة الإسرائيلية أكاذيبها للكذب وأعلنت أن جهات فلسطينية من الخارج خططت للحادث وقامت بتنفيذه مجموعات إسلامية متطرفة قدمت من الضفة الغربية خصيصاً لهذا الغرض.
ووصلت الوحشية والهمجية برئيس الوزراء الإسرائيلي شامير حداً قال فيه: «إن ما حدث في منطقة المسجد الأقصى هو رد على عمل استفزازي قام به العرب للاعتداء على بهجة عيد المظلة، وإن رجال الشرطة والأمن قاموا بواجبهم كي تبقى القدس موحدة».
وأعلنت الحكومة الإسرائيلية «أن تنظيماً إسلامياً متطرفاً هو الذي خطط للقيام بأعمال الشغب وإن ما حدث لا علاقة له بمحاولة أمناء الهيكل الدخول إلى منطقة الحرم(5)».
ودافع رئيس الوزراء الإسرائيلي عن القتلة قائلا، إنهم كانوا يقومون بواجبهم، فيما اعتبر وزير الأديان الإسرائيلي أن رشق الحجارة على المصلين اليهود عملاً خطيراً جداً يقتضي رد فعل غير عادي، وذلك لتبرئة مرتكبي المجزرة من دم المصلين المسلمين الأبرياء.
لجنة التحقيق:
إمعاناً في الكذب والخداع والتضليل الذي درجت عليه الحكومات الإسرائيلية سارع شامير في نفس يوم المجزرة وأعلن عن تشكيل لجنة خاصة مهمتها التحقيق في أحداث المجزرة عرفت بلجنة زامير، نسبة إلى رئيس اللجنة، الرئيس الأسبق للموساد.
وكان الهدف الأساسي للحكومة الإسرائيلية هو التخفيف من الإدانة وردود الفعل الدولية على المجزرة. أجرت اللجنة تحقيقاتها لمدة أسبوعين وضمنت تقريرها إدانة للفلسطينيين، ضحايا المجزرة وبرأت المجرمين الإسرائيليين وخلاصته: «أن الأحداث نتجت عن عمل فلسطيني استفزازي ضد مصلين يهود ورجال شرطة، وأن الشرطة كانت محقة في قتل الفلسطينيين واستخدام الرصاص الحي(6)».
الرواية الإسرائيلية الكاذبة للمجزرة:
أعلنت الحكومة والجهات الأمنية الإسرائيلية أن المجزرة خططت لها جهات فلسطينية من الخارج وقامت بتنفيذها مجموعات إسلامية متطرفة قدمت من الضفة والقطاع إلى القدس خصيصاً لهذا الغرض.
ولكن بعض المنظمات والصحف الإسرائيلية رفضت الرواية الرسمية الكاذبة ونقلت عن شهود عيان كانوا في مكان المجزرة «إن ما حدث لم يكن مخططاً له بصورة مسبقة (من قبل الفلسطينيين)، إن أصوات انفجارات وإطلاق نار سبقت انهيار الحجارة، الأمر الذي يدحض ادعاءات الشرطة بأن الفلسطينيين هم الذين بدأوا برشق الحجارة. وأثبتت قائمة الشهداء التي نشرتها الصحف الإسرائيلية بوضوح أنهم جميعاً من القدس وضواحيها.
وأكدت منظمة بتسليم الإسرائيلية لحقوق الإنسان «أن الفرق الطبية التي أرسلت إلى مكان الحادث لإجلاء الجرحى تعرضت لنيران رجال الشرطة، وأن الفرق الطبية شكلت هدفاً مميزاً لرجال الشرطة، كما أن قوات الأمن (الإسرائيلية) أعاقت نقل الجرحى. وذكر طبيب في الهلال الأحمر الفلسطيني أن أحد عناصر حرس الحدود منعه من معالجة جريح كانت إصابته خطيرة بحجة أن هذا الجريح هو عربي ولا يستحق سوى الموت(7)».
ووصل الكذب الإسرائيلي بوزير الشرطة الإسرائيلية دون ميلو حداً قال فيه: «إنهم اضطروا لاستخدام الرصاص الحي بعد أن هددت أرواح المصلين اليهود بالخطر وأن العرب خططوا لمهاجمة المصلين اليهود مسبقاً».
مجلس الأمن الدولي يدين المجزرة:
أدان مجلس الأمن الدول بالإجماع مجزرة المسجد الأقصى في القرار رقم 672 تاريخ 13/ 10/ 1990 ورحب بإيفاد الأمين العام للأمم المتحدة بعثة إلى المناطق المحتلة.
وأعلنت الناطقة باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنه «مصدوم وحزين جداً" بعد الأحداث الدامية في القدس وأعرب عن صدمته وحزنه الشديد لحمام الدم هذا ولما يبدو إسرافاً في استخدام القوة من قبل السلطات الإسرائيلية.
وجاء في قرار مجلس الأمن ما يلي: «يدين على وجه الخصوص أعمال العنف التي ارتكبتها قوات الأمن الإسرائيلية والتي أسفرت عن حدوث إصابات وخسائر في الأرواح البشرية، يطلب من إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال الوفاء بأمانة بالتزاماتها ومسؤولياتها القانونية المقررة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة التي تنطبق على جميع الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967».
موقف "إسرائيل" من إدانة مجلس الأمن:
تجاهلت «إسرائيل» كعادتها قرارات مجلس الأمن التي تدين ممارستها للإرهاب والإبادة والعنصرية والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية وأعربت عن استهزائها بالقرارات وبالأمم المتحدة. فصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي شامير بوقاحة وغطرسة منقطعة النظير وقال إن قرار مجلس الأمن الذي أدان إسرائيل ودعا إلى إيفاد بعثة قد جرح مشاعرنا بعمق. وأعلن رفضه التعاون مع بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق. وصرح المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية أن حكومته لن تولي اعتباراً للقرار الجديد.
وأعلن وزير الخارجية ديفيد ليفي أنه لا يستطيع القبول ببعثة الأمم المتحدة وانتقد القرار لأنه لا يتضمن إدانة للضحايا الفلسطينيين الذين رشقوا اليهود بالحجارة، وأكد وزير الحرب الإسرائيلي رفض حكومته استقبال البعثة الدولية.
بررت «إسرائيل» رفضها لقرار مجلس الأمن يزعم أن القرار تجاهل تماماً قيام الفلسطينيين بإلقاء الحجارة على المصلين تمتد حائط المبكى إلاَّ أن الصحفي الأميركي مايك والاس أكد في تلفزيون سي بي اس أنه قد تم إجلاء المصلين اليهود بالفعل عندما بدأت الاضطرابات في المسجد الأقصى، وأنه لم يستطع المركز الصحفي الحكومي «الإسرائيلي» أن يقدم لنا اسم مدني واحد أصيب بالحجارة عند حائط المبكى(8).
وعلى الرغم من هذه الحقائق زعم نتنياهو نائب وزير الخارجية آنذاك أن الحشود التي ألقت الحجارة كانت تريد قتل اليهود.
اعتبر الفلسطينيون أن المجزرة وما سبقها ولحقها من مواقف وتصريحات وممارسات إسرائيلية تظهر بجلاء أن الأطماع الصهيونية في المسجد الأقصى أصبحت مائلة للعيان وتبرئ القوات الإسرائيلية من مسؤولية ارتكاب المجزرة، وتظهر بجلاء الإجماع الصهيوني الرسمي والشعبي على تدمير المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه.
إن الكذب الرسمي الإسرائيلي بتحميل ضحايا المجزرة الفلسطينيين المسؤولية يعني أن «إسرائيل» تتخذ من الكذب والتضليل سياسة رسمية لتغيير التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا والواقع العربي الإسلامي لمدينة القدس العربية.
وحمَّل الفلسطينيون سلطات الاحتلال المسؤولية عن هذه المجزرة البشعة التي وقعت في أقدس وأقدم المساجد الإسلامية في العالم.
إن المجزرة لم تكن الأولى والأخيرة في تاريخ الإرهاب اليهودي في فلسطين، إلاَّ أنها تكتسب خطورة بالغة لوقوعها داخل ساحة المسجد الأقصى وفي العقد الأخير من القرن العشرين، وبالتالي تشير إلى التصميم اليهودي لتدمير المسجد الأقصى وإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه.
وجاءت مجزرة المسجد الأقصى لتثبت بجلاء طبيعة «إسرائيل» التوراتية والتلمودية والاستعمارية والإرهابية والقائمة على رفع الإبادة والإرهاب والعنصرية والاستعمار الاستيطاني إلى مرتبة القداسة الدينية وإلى سياسة رسمية للحكومة الإسرائيلية يدعمها المجتمع الإسرائيلي واليهودية العالمية والولايات المتحدة الأميركية.
المصــادر:
1ـ مجلة الهدف، العدد (1120) في 11/10/1992، ص 9.
2ـ شهداء الاثنين فداء الأقصى، إعداد إسماعيل دبج، دار إلى الأمام للنشر ـ دمشق 1990، ص 40.
3ـ معاريف في 6/10/1990
4ـ الدستور الأردنية في 9/ 10/ 1990.
5ـ إذاعة إسرائيل بالعبرية في 8/ 10/ 1990.
6ـ شهداء الاثنين فداء الأقصى، مصدر سابق ص 102 ـ 103.
7ـ السفير في 15/ 10/ 1990
8ـ النهار في 4/ 12/ 1990.