القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: هل نشهد بداية انتفاضة جديدة في فلسطين الآن؟ سؤال لا ينفك كل طرف يطرحه على الآخر أملاً في الوصول إلى توصيف حقيقي لما يحدث في فلسطين.
سؤال يبدو منطقياً في ظل إصابة أكثر من 500 فلسطيني ثلثهم بالرصاص الحي خلال 72 ساعة فقط من المواجهات مع قوات الاحتلال.
ومنذ يوم الخميس الماضي استشهد عشرات الفلسطينيين كما قتل عدد من المستوطنين في حوادث مختلفة بالضفة الغربية والقدس. وكان من أبرز ما حدث أخيرا قتل الاحتلال لطفل (13 عاما) بعد إطلاق جندي النار عليه قرب مخيم عايدة للاجئين في بيت لحم.
ومن هنا تشكل مسألة مناقشة إمكانية وصف الاشتباكات الحالية بالانتفاضة الجديدة مسألة ذات أهمية أقل من عمل تقييم شامل لبيانات الاشتباكات وأعدادها الحقيقية في كل فترة. وسواء توفرت هذه البيانات من طرف جيش الاحتلال أو من طرف الفلسطينيين فيمكن أخذ انطباع عام منها عن طبيعة المقاومة والاشتباكات في الفترات السابقة والحالية.
فمنذ بداية 2015 حتى تشرين أول استشهد 30 فلسطينياً مقابل 8 مستوطنين، لكن لا يمكن مقارنة هذه الأرقام بأرقام عام 2014 الذي شهد قيام "إسرائيل" بعملية عسكرية كبيرة ضد غزة، لكن بالمقارنة مع عام 2013 فسنجد أن عدد الشهداء الفلسطينيين كان حينها 38 شهيداً مقابل 4 مستوطنين فقط.
تظهر بعض الاحصائيات التي أوردها جهاز "الشاباك" الإسرائيلي معلومات مفيدة لقياس مستوى المقاومة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية، علماً أن الاحصاء يعتبر الهجمات باستخدام الزجاجات الحارقة (المولوتوف) "أعمالاً إرهابية".
وخلال الفترة الزمنية الممتدة على مدار 12 شهراً من شهر أيلول/2014 حتى شهر آب/2015 فإن عدد الهجمات الفلسطينية لا يختلف، إذ تتراوح الهجمات شهرياً بين 100 إلى 150 هجمة شهرياً تستهدف المستوطنين أو قوات الاحتلال على حد سواء.
[caption id="attachment_76237" align="aligncenter" width="600"] أيلول/2014 حتى شهر آب/2015[/caption]بينما يظهر الرسم البياني الثاني عدد الزجاجات الحارقة المستخدمة في الهجمات خلال نفس المدة، ومن خلال متابعة هذه الأرقام سنجد أن هناك تنامياً بسيطاً خلال الأشهر الأخيرة خاصة في منطقة القدس.
[caption id="attachment_76238" align="aligncenter" width="600"] الزجاجات الحارقة من أيلول/2014 حتى شهر آب/2015[/caption]أما الرسم البياني الثالث فيظهر عدد الغارات الاسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، بالإضافة لعمليات الاعتقال التي قامت بها قوات الاحتلال في صفوف الفلسطينيين. وتمثل هذه الرسوم الثلاثة محاولة واضحة لتحديد الاتجاه والأنماط في تلك الفترة.
كما يظهر هذا الرسم أن عدد أعمال المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال والمستوطنين وصل إلى 320 حالة مسجلة في العام 2011 بينما زاد العدد ليصل إلى 578 حالة مسجلة في العام 2012، أما العام 2013 فقد شهد زيادة كبيرة إذ وصل عدد هذه الهجمات إلى 1271، بما في ذلك زيادة في استخدام الاسلحة النارية في الاشتباكات عن العام الماضي بمعدل 5 أضعاف.
[caption id="attachment_76239" align="aligncenter" width="600"] الغارات الاسرائيلية والهجمات الفلسطينية خلال الفترة ذاتها[/caption]وشهد العام 2012 العدد الأقل من الهجمات بين السنوات الأخيرة، حيث لم يشهد هذا العام أي عملية قتل لمستوطنين في الضفة الغربية. ومع ذلك لا يمكن لنا ان نتجاوز مسألة الزيادة في أعمال المقاومة في الضفة الغربية خاصة إذا ما لاحظنا أن أغلب الهجمات كانت على شكل إلقاء حجارة أو استخدام زجاجات حارقة.
ولعل انهيار المفاوضات بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال وكذلك وصول اليمين المتطرف الى الحكم في دوائر "إسرائيل" أدى لزيادة التوتر والاحتقان وبالتالي زيادة أعمال العنف والمقاومة بشكل كبير في السنوات اللاحقة.
ويتشكل المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر من كل من نتنياهو ونفتالي بينيت وموشيه يعلون وميري ريجيف وايليت شاكيد، والذين تجمعهم صفة واحدة تجاه الفلسطينيين تتمثل في عدم اقتناعهم بوجود شيء على الخارطة يمكن ان يسمى فلسطين، لكن تفانيهم الشديد في تهويد القدس وتمكين الاستيطان في الضفة هو أحد أهم الأسباب في زيادة العمليات ضد قوات الاحتلال والمستوطنين في الضفة والقدس بعد 2012.
ولعل من المفارقات أن يوصف المتشدد يائير لبيد بأنه صوت الاعتدال في حكومة الاحتلال الحالية، وأن يوصف اسحاق هرتزوغ بأنه زعيم المعارضة، أي حكومة هذه التي تتعامل مع الفلسطينيين. حكومة يمثل فيها المتشدد صوت الاعتدال بين رفقائه الأكثر تطرفاً وتشدداً.
في الوقت ذاته، لاتزال كل معالم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي قائمة، فالمستوطنات تنمو والأراضي تصادر وقوات الاحتلال تتمادى في قتلها للفلسطينيين دون أي حساب أو عقاب، ناهيك عن آلاف الفلسطينيين الذين ما زالوا يقبعون في سجون الاحتلال إضافة لهدم المنازل وعنف المستوطنين المستمر والتضييق على حركة الفلسطينيين بشكل مستمر.
أما على المستوى الرسمي الفلسطيني ممثلا بالرئيس محمود عباس وقيادة القوات الأمنية للسلطة الفلسطينية، فإنها تعارض قيام انتفاضة واسعة النطاق كما حدث في سابقاتها. وقد قالت الصحافية الإسرائيلية اليسارية عميرة هاس عن حركة فتح بأنها تعاني حالة سياسية هشة داخليا، لا تسمح لها بتنظيم مؤتمر عادي دون اشكاليات داخليه فكيف لها أن تقود انتفاضة جديدة.
وكان الكاتب والباحث معين رباني قد أشار في مقال له في آب الماضي إلى أن السلطة الفلسطينية قد حرصت على القيام بإجراءات منهجية ومنظمة على مدار العقد الماضي بهدف عرقلة ظهور أي تحدي خطير ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ولعل ملاحظة وقوع المواجهات بشكل كبير في المناطق التي لا تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية بشكل كبير مثل المخيمات ومناطق شرقي القدس دليل آخر على نجاح إجراءات السلطة في الحد من اشتعال المواجهات في المناطق التابعة لسيطرتها بشكل كبير.
وربما لعب هذا العامل دوراً كبيراً في تحديد الكاتب رباني لقدرة فتح وأفرادها على الانضمام للانتفاضة وتأييدها كعامل أساسي من عوامل نجاح الانتفاضة، ليس للزخم الذي ستكسبه الانتفاضة بانضمام فتح لها، وإنما لقدرة فتح على لجم إجراءات السلطة ضد النشطاء الفلسطينيين في حال احتدام الاشتباكات بشكل أكبر.
وبتتبع بسيط للاعلام الإسرائيلي وطبيعة طرحه ونظرته للتحركات الشعبية الفلسطينية فإننا سنجد إجابة سؤال، هل بدأت انتفاضة فلسطينية جديدة؟ حاضرة دوماً. ففي وقت مبكر من آذار 2006 تم وصف خيار الانتفاضة الثالثة بأنه خيار لا مفر منه لكنه ليس وشيكا. وفي عام 2011 اكتفت دوائر الاحتلال بتقدير أن خيار الانتفاضة لا مفر منه، بينما أعلن قائد عسكري إسرائيلي عام 2013 أن الانتفاضة قد بدأت بالفعل.
إن الأهم من القلق حول المسميات والتوصيفات الفعلية هو التركيز على الواقع الميداني على الأرض، والذي يخبرنا أن الثورة والمقاومة الفلسطينية قد اكتسب زخماً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية لسبب واضح جداً وهو يتعلق باستمرار الاحتلال وتعسفه وأن الحقيقة الراسخة تأكدت من جديد أن الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري والاضطهاد لن ينتج إلا مقاومة في الطرف الآخر.
المصدر: ميدل ايست مونيتور/ Ben White – ترجمة: هيثم فيضي