لندن – قُدس الإخبارية: برز بشكل واضح على مدى الأسبوع الماضي قيام حزب المحافظين البريطاني باستخدام دعاية واضحة وعلنية لجذب الناخبين نحوه تتضمن مهاجمة لحملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية ونشطائها البريطانيين أو الفلسطينيين في البلاد.
وأشارت العديد من التقارير الصادرة عن المكاتب الحكومية البريطانية إلى سعي الحكومة لتغيير قواعد المشتريات والحكم في المجالس البلدية المحلية من أجل منع أي من هذه المجالس من تبني حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات، وذلك بعد خضوع عدد من هذه المجالس لضغوط شعبية كبيرة لتبني الحملة وأفكارها.
وبررت العديد من الجهات الحكومية البريطانية هذا الإجراء بسعي الحكومة للحفاظ على الشركات الإسرائيلية والبريطانية المرتبطة ببعضها البعض، بالإضافة إلى الحفاظ على تجارة السلاح البريطاني مع "إسرائيل" كبلد مستهلك لهذا السلاح بنسب كبيرة.
يأتي هذا في ظل فوز جيريمي كوربين بزعامة حزب العمال البريطاني مؤخراً والتحذيرات المتواصلة من تأييده لحملات مقاطعة "إسرائيل" بشكل كبير، وهو ما دفع حزب المحافظين المناوئ لحزب العمال لاتخاذ جهود كبيرة في سبيل الوقوف بوجه حملة المقاطعة، ليس كجزء من سياسة الحسب فحسب بل يتعدى الأمر لاستخدام الامر كورقة انتخابية ضد حزب العمال.
واحتوى البيان الصحفي للإجراءات التي يروج لها حزب المحافظين على أجزاء وكأنه تم نسخها ولصقها مباشرة من البيانات السابقة لمجلس النواب اليهود البريطانيين والسفارة الإسرائيلية، والتي احتوت على مزاعم تبرئ الشركات المستهدفة بالمقاطعة من تهم الضلوع في تأجيج التوترات أو إثارة المشاكل في المجتمعات المحلية.
وأشار بيان المحافظين إلى تنامي حملات المقاطعة ضد "إسرائيل" في بريطانيا، وضرب المثل بالإجراءات التي اتخذها مجلس ليستر سيتي المحلي في السنوات الأخيرة، بالإضافة لمجلس بلدية نوتنغهام و المجالس الاسكتلندية وبالإضافة إلى النقابات العمالية المختلفة.
وعملت حملة حزب المحافظين أيضاً على إبراز سجل جيرمي كوربين زعيم حزب العمال الجديد الحافل بالنشاطات الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، حيث أشار إليه على انه داعم رئيسي وراعٍ لحملة التضامن مع فلسطين التي ينظمها فصيل متطرف، وهو الوصف الذي استخدمته صحيفة "جيروزاليم بوست" سابقاً.
ورداً على تلك الاتهامات وصفت حملة التضامن مع فلسطين التي تقود جهود مقاطعة الاحتلال مساعي حزب المحافظين بمحاولة تقييد البعد الأخلاقي على المستوى المحلي لصناع القرار البريطاني معتبرًا ذلك رد فعل استبدادي وظالم ضد النمو المتزايد لحركة التضامن مع فلسطين.
وكان مسؤول حملة التضامن "هيو لاننج" قال إن إجبار المجالس لوضع المصالح التجارية قبل الأخلاق والقانون الدولي يعد تدخلاً سافراً في الديمقراطية المحلية وأمرا غير عادل أبداً. كما أن التدابير الجديدة المقترحة من حزب المحافظين تمثل مخالفة صريحة لنصائح الحكومة البريطانية الحالية المفروضة على التعامل مع المستوطنات الإسرائيلية.
وأشار لاننج لدعوة حزب المحافظين لمنع المجالس المحلية من اتخاذ قراراتها الاستثمارية بناء على بعد اخلاقي وهو ما دعا له حزب المحافظين صراحة في بيانه الذي أصدره، واصفا ذلك بالأمر المعادي تماماً للديمقراطية وخطوة قاسية لتضييق الخناق على المقاطعة وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات على الحركة المتنامية الداعية لوضع حد لتواطئ الحكومة البريطانية في انتهاكات اسرائيل ضد الفلسطينيين.
ولا تمثل بريطانيا الحالة الوحيدة في محاربة المقاطعة ونشطائها حيث يواجه بعض نشطاء المقاطعة في فرنسا إجرءات قانونية ضدهم بموجب ادعاءات غامضة بدعوى انتهاك النشطاء للتشريعات المناهضة للتمييز، ومن المقرر أن يخضع 4 نشطاء لمحكمة في تولوز الفرنسية في ديسمبر المقبل بدعوى تعطيل حرية ممارسة التجارة.
ووفق نشطاء المقاطعة فإن العديد من المدن الفرنسية تشهد حملات منظمة من قبل منظمات مختلفة بهدف إلغاء تراخيص الفعاليات التضامنية مع النشطاء الأربعة هؤلاء بدعوى قيامهم بتوزيع منشورات تحض على التمييز ضد اليهود وغيرهم.
ووفق تقارير صادرة من الولايات المتحدة، فإن نشطاء المقاطعة يتم استهدافهم بشكل متواصل تحت طائل معاداة السامية حيث قامت جامعة كاليفورنيا تحت ضغط بعض السلطات في الولاية باعادة تعريف معاداة السامية والتي يجرمها القانون، لتشمل أي نشاط يقوم به الناشط ويملك تأثير سلبي على صورة "إسرائيل" أو خطابها السياسي.
وتلعب الجماعات الموالية لدولة الاحتلال – بما في ذلك نشطاء التجمعات الصهيونية المسيحية-، دورا مهما في هذه الضغوطات، حيث يسعون إلى تشريع قوانين في جميع أنحاء الولايات المتحدة تؤدي لتجريم أي نشاط للدفاع عن حقوق الفلسطينيين او يعادي الاحتلال.
وفي وقت سابق من هذا العام عقدت مؤسسة شا روت هادين - وهي احدى المنظمات التي تعمل كحلقة ربط بين الحكومة البريطانية وأجهزة الأمن الإسرائيلية - حلقات دراسية في القدس بهدف تدريب المحامين من خارج "اسرائيل" على مقاضاة حركة مقاطعة الاحتلال ونشطائها. حيث شارك في هذه الدورات عدد من المحامين من مختلف انحاء العالم بهدف تزويدهم بالأدوات التكتيكية والاستراتيجيات المناسبة لمقاضاة نشطاء حملة المقاطعة.
ولا يمكن توصيف المساعي الجديدة لتقنين إجراءات محاربة المقاطعة ونشطائها إلا كوسيلة لتقويض ومهاجمة الديمقراطية في بريطانيا. وتعد هذه المساعي الأخيرة خياراً وحيداً أمام مناهضي حركة المقاطعة لمحاربتها خاصة مع التنامي الشديد في التضامن مع فلسطين وما جرى من مقاطعة كبيرة لدوة الاحتلال وبضائعها وحتى مستوياتها الأكاديمية المختلفة.
المصدر: ميدل ايست اي – ميدل ايست مونيتور – ترجمة: هيثم فيضي