يكثر الحديث في هذه المرحلة من قبل الباحثين والمختصين حول ما يجري في الضفة الغربية، من حيث التوصيف وطبيعة الأحداث على الأرض، وإمكانية تطورها لانتفاضة عارمة، تشابه ماجرى في انتفاضة الحجر المقدس في العام 1987 (الشعبية)، أو انتفاضة الأقصى (المسلحة).
في قراءة عميقة لهذا الملف أجراها مركز القدس للدراسات، ناقش جملة من المتغيرات المهمة لتحديد وصف للحالة القائمة، عبر مقاربة بين الواقع والفرص توسعها خلال الأيام القادمة.
المحور الأول: تحليل الحالة القائمة
الحالة الأمنية في الضفة الغربية والقدس، تشهد أفضل حالاتها، من حيث تصاعد المقاومة، الشعبية على الأرض، منذ فتور انتفاضة الأقصى، حيث برزت جملة من المتغيرات المهمة منها:
أولا: حضور نمط تنظيمي مقاتل: بات واضحا أن الحالة المسلحة التنظيمية شهدت في الأيام الماضية، بداية مهمة للتحرك في هذه المرحلة، خاصة من قبل كتائب القسام التي نفذت عملية (ايتمار) شمال الضفة الغربية (بحسب الجيش الإسرائيلي) بالإضافة إلى حالة مسلحة لفتح (شعبية شبه منظمة) مارست جملة من عمليات اطلاق النارعلى المستوطنات الإسرائيلية، عدا عن تبلور دوافع شبه تنظيمية لدى عناصر من الفصائل، كما حدث في عملية القدس، والتي نفذت على يد عنصر من الجهاد الإسلامي.
ثانيا: الحضور الشعبي: من الواضح أن الفئات المجتمعية المستقلة، هي الأكثر مشاركة في أحداث الضفة الغربية، إذ تعد هذه الفئة الأكبر من حيث المشاركة إذا ما قورنت بالجهات الحزبية.
وفق ذلك فإن الجماعات المشاركة في هذاه المرحلة يمكن تقسيمها إلى فئتين هما، (شعبية وهي الأغلب)، (جماعات تنظيمية من كافة الفصائل الفلسطينية خاصة فتح وحماس) .
وفق دراسة الحالة وجد مركز القدس أنه من المهم الإشارة إلى تباين قوة المشاركة بحسب المناطق وهي على النحو الآتي:
القدس: تعد القدس من أهم مناطق المواجهة مع الإحتلال الإسرائيلي، إذ تشهد كافة مناطقها حضورا مقاوما كبيرا، يستحق وصف (انتفاضة) دون مبالغة.
رام الله: يأتي بعد القدس في الحضور المقاوم مدينة رام الله، التي شهدت حضورا شعبيا واضحا، شاركت فيه كافة الفئات المجتمعية والحزبية دون ظهور حالة تنظيمية مسيرة للأحداث.
وعلى غير العادة تركزت المواجهات في المدينة، وغابت القرى عن المشهد، عدا عن نقاط الاحتكاك الضعيفة.
الخليل: أهم المدن الفلسطينية، وأكثر المعاقل تنظيما في الضفة الغربية، ظلت مستويات المشاركة فيها ضعيفة.
هذا الضغف له أسباب عديدة منها، طبيعة المدينة الأقتصادي، ونمطها العائلي الذي يتمهل المشاركة، لكنه الأكثر على استدامة العمل في حال المشاركة، بالاضافة الى غياب القيادة التقليدية عن المدينة في قيادة الأحداث.
كما كان في انتفاضة الأقصى، لكن برز في المقابل بعض البلدات الكبيرة فضاء الخليل خاصة في مناطق شمال المدينة التي شاركت في الأحداث بقوة .
نابلس: شهدت قرى نابلس حضورا جيدا في الايام الماضية، في المقابل غابت المدينة عن المستوى المعروف من الحضور المقاوم مما يجعلها تتماثل مع مدينة الخليل في حالة التوصيف، لكن أهم أسباب الضعف، غياب القيادة المؤثرة في المدينة لاستشهادهم في انتفاضة الأقصى، بالاضافة إلى غرق المدينة بالخلاقات الفتحاوية الكبيرة .
طولكرم، بيت لحم، جنين، قلقيلية، تميزت بينها مدينة طولكرم، ومخيم جنين في هذه المرحلة، لكن بالمجمل، ظل مستوى التفاعل، دون المستوى المتوفع خاصة مدينة بيت لحم، أكثر المدن جرأة على احداث متغيرات مهمة في المسار العام للمقاومة .
هذا الحضور للمدن الفلسطينية، ظلت نسب المشاركة فيه قابلة للتطور، لكن يلزمها حضور لقيادة الأحزب خاصة من حماس وفتح، التي لم تشارك بعد بشكل واضح .
رابعا: الدافع وراء الموجة القائمة: هناك فرق في الدافع وراء الأحداث في مدينة القدس والضفة الغربية، إذ تعتبر مدينة القدس حالة مرجعية للقياس، لذلك آثرنا الحديث عن الضفة الغربية والتي أجملنا فيها الدوافع بالآتي .
أولا: سعة الهجمات الإسرائيلية في الضفة الغربية، خاصة ما قام به المستوطنيين في المرحلة الأخيرة والذي مس حالة الأمن المجتمعي .
ثانيا: وقوع عمليات مفاجئة أدخلت المستوطنيين على خط المواجهة مع الفلسطينيين، مما أتاح توسع الحالة .
ثالثا: غض الطرف من قبل السلطة الفلسطينية عن الأحداث، لدعم تحريك الواقع السياسي الراكد، في هذه المرحلة الحساسة .
رابعا: شعور فتح بأزمة ثقه تجاهها، خاصة بعد نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت تراجعا واضحا في شعبية الرئيس الفلسطيني وحركة فتح .
المحور الثاني: عناصر قيام انتفاضة شعبية شاملة
لمناقشة هذا الملف الملف لابد من اعتماد قراءة، موضوعية لفحص مدى توفر العناصر الاساسية تدهم الحالة الثورية و تساعد على نموها، واستمرارها.
بعض هذه العناصر إلى الآن تحقق في الحالة الشعبية القائمة في الضفة و القدس، وبعضها لم يتحقق حتى اللحظة ومن بين هذه العناصر .
أولا: الموقف السياسي الرسمي: لازال الموقف السياسي الرسمي الفلسطيني مرتبكا في تعاطيه مع التصعيد في الضفة الغربية، وما زالت فتح تجري اختبارات للواقع، مما يجعلنا كمراقبين نميل، إلى أن قيادة السلطة تريد حالة منضبطة في التصعيد، لتحريك ملفات سياسية في هذه المرحلة العامة من الركود، وانكفاء العالم عن الملف الفلسطيني .
ثانيا: قيادة شعبية مؤثرة: من أهم نقاط الضعف التي تعاني منها الساحة الفلسطينية في هذه المرحلة، هو غياب هذا النمط من القيادات وهذا يرجع إلى جملة من العوامل، أهمها احجام القيادات عن المشاركة في ظل ضبابية الموقف .
ثالثا: حركة طلابية فاعلة: تمر الحركة الطلابية الفلسطينية في الجامعات الفلسطينية في أضعف مراحلها التاريخية، مما انعكس بشكل مباشر على الساحات الطلابية في مؤسسات التعليم بشكل مباشر الأمر الذي أفقد الحالة الشعبية زخما كبيرا، لكن استمرار الحالة من شأنه معالجة هذا الخلل .
رابعا: تشتت الساحات: بعد الإنسحاب الإسرائيلي من غزة، أصبح نمط المقاومة فيها يميل إلى العسكري المتجدد، الأمر الذي لا يتناسب مع الحالة القائمة في الضفة الغربية في هذه المرحلة، لظروف أهمها الحصار في ظل الدمار الذي أحدثته الحرب الأخيرة، لكن لا يعني أن البدائل ليست موجوده.
الحديث عن النقاط السابقة لا يلغي تحقق جملة عناصر لاندلاع انتفاضة شهبية منها: التعبئة الجماهرية الغاضبة، توفر الأحداث الموقظة للهبات، ميول شعبي لحالة تغيير في النمط القائم، القناعة بصعوبة الواقع السياسي في الحالة الفلسطينية، الأحداث الصادمة .
المحور الثالث: الضفة الغربية بيئة متعبة بواعث قوتها متأصلة
التحليل للبيئة الأمنية والاجتماعية العامة في الضفة الغربية، التي أجراها مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي، أظهر جملة من المتغيرات الحديثة، عند تفسير التباين بين واقع الضفة الغربية الآن، وما كانت عليه الحالة في الانتفاضة الأولى و الثانية وهذه الإختلافات جاءت على النحو الآتي :
أولا: ضعف بنية المجتمع الفلسطيني، في الضفة الغربية لصالح مجتمع استهلاكي غير منضبط في السلوك العام .
ثانيا: قوة السلطة الأمنية: تطورت قوة السلطة الأمنية، من حيث الحضور في الضفة الغربية ضمن رؤية سياسية رافضة بالمطلق للمواجهة مع إسرائيل .
ثالثا: تحطم التنظيمات الفلسطينية لصالح فئات منفلته، مما تسبب في أظهور تجمعات عشوائية غير منضبطة بأخلاق المجتمع المعهودة .
رابعا: غياب قيادات مؤثرة في الشارع الفلسطيني في هذه المرحلة الحساسة، خاصة من حماس وفتح، تستطيع أخذ الأمور على عاتقها في هذه المرحلة في ظل ضعف الفصائل الأخرى .
خامسا: سلبية أعضاء المجلس التشريعي والمجلس الوطني، وعدم ارتقاء دورهم إلى ما يتناسب مع الحالة القائمة.
سادسا: ظهور فئة المنتفعين في المراكز القيادية الفلسطينية، المنساقة وراء توجه سياسي واحد .
سابعا: الشعور بأن أنماط المقاومة السابقة عبئ لا يقدر على حملة المجتمع الفلسطيني، في ظل احتلال طويل الأمد.
هذا الواقع العام، بات يؤسس لشكل جديد من الإنتفاضة في الضفة الغربية يقفز عن كافة المعيقات، ويتطور ليصبح حالة العامة .
المحور الخامس: ملامح الانتفاضة الجديدة ( موجات ثورية عارمة قابلة للتسوع والتحول).
ما خلص اليه المركز، بعد جملة من المقاربات، أن الضفة مؤهلة لقيادة موجات ثورية، واسعة، تخبوا احيانا، لكنها تتسع مع الزمن.
هذه الموجات، سيكون عصبها الحالة الشعبية وفي حال استمرارها ستكون الحالة التنظيمة لها بارزة.
المركز وجد أن الحالة المسلحة ستظهر بشكل متسارع خلال الفترة القادمة، كما سيظهر أيضا دور لفتح في هذه المرحلة يتبعها حماس، لظروف مختلفة أهمها الواقع الأمني المفروض عليها .
لكن معادلة التغيير والاستمرار تحتاج إلى جملة من الخطوات السريعة والمتمثلة بالآتي .
أولا: على حماس وفتح ايجاد قاسم مشترك في ظل أزمة كليهما، وحاجة كل منهما للآخر في هذه المرحلة التي سدت الأفق فيها أمام الطرفين .
ثانيا: ثبات فتح على موقف سياسي واضح خاصة في ظل التشكيك، باهداف التصعيد في هذه المرحلة .
ثالثا: تبني سياسة اعلامية موحدة قادرة على استيعاب حالة وحدوية، مقنعة للجمهور .
رابعا: توفر قيادة مدينة تتحمل أعباء مشاركة القيادات الوسيطة العمل الجماهيري في هذه المرحلة .
خامسا: خروج الفصائل من التفكير في التبعات، التي ستنعكس على الواقع الفلسطيني .
سادسا: سرعة غزة في فهم الواقع في الضفة وفهم دورها المستقبلي في حال تطورت الحالة القائمة .
الخلاصة: الحالة الفلسطينية السياسية، صعبة، في ظل حصار مقاومة وفشل خيارات سياسة اعتمدت المفاوضات.
أصحاب الخيارات والمحاور، (حماس وفتح) كل منهم يعيش ظروفا قاتلة .
جميع الخيارات في هذه المرحلة مهمة لكسر الواقع المطبق، خاصة إذا فهمت الاقطاب أن التهذيب للخيارات مهما لأجل الوصول إلى حالة يستند فيها المكلوم على المتعب .