كتب: اسا وينستانلي
المشروع الصهيوني ممثلا بـ"إسرائيل" هو تهديد أساسي للشرق الأوسط بأكمله، وعلى الرغم من المحاولات التي يقوم بها الطغاة العرب لتشويه صورة الفلسطينيين والتقليل من شأن التهديد القادم من "إسرائيل"، فإن الكثير لا يقتنعون بذلك.
في عام 2013، قال الأمير السعودي الوليد بن طلال خلال لقائه بجيفري جولدبرغ (صحافي أمريكي كان جنديا إسرائيليا في السابق) إن التهديد قادم من بلاد فارس (إيران) وليس من إسرائيل. والحقيقة أن هناك انفتاحا متزايدا بين "إسرائيل" و"أنظمة الخليج" وهي مفيدة، بمعنى أن هناك تشابها بين الجانبين منذ زمن.
لكن الطريقة التي تصرفت بها "إسرائيل" تاريخيا في جميع أنحاء الشرق الأوسط لم تنس من قبل ضحاياها، يكون فقد احتلت "إسرائيل" جنوب لبنان لعقود، وكان السبب الوحيد لانسحابها منها هي المقاومة المسلحة الناجحة، على الرغم من أن بعض الاراضي الحدودية الصغيرة ماتزال محتلة من قبل "إسرائيل" بشكل غير قانوني.
وقد أصبح النضال الفلسطيني هو الأكثر شهرة ضد الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري، ليس هناك من ينكر حقيقة التهديد الذي تشكله "إسرائيل" على الجميع في المنطقة.
تاريخيا، بدأت إسرائيل حروبا مع كل الدول المجاورة لها، كما شاركت في العمليات العسكرية السرية والعلنية في العديد من البلدان الأخرى في الشرق الأوسط، وحتى في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك دعم التسلح العسكري والانظمة القمعية في امريكا اللاتينية وأفريقيا، والدعم المتبادل للنظام القائم خلال حقبة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وكما وثق شلومو ساند في كتابه "اختراع أرض إسرائيل"، فإن المشروع الصهيوني يتعمد الغموض حول مدى طموحاته الاقليمية، وحتى يومنا هذا لا تملك "إسرائيل" حدودا رسمية، وقد سعت الحركة الصهيونية و أذرعها السياسية المختلفة إلى إعادة تفسير التوراة حسب أغراضهم الخاصة. حيث قام الصهاينة في وقت مبكر من إنشاء الحركة الصهيونية بإعادة تفسير أحد النصوص المقدسة لديهم والموجود في سفر التكوين ويتحدث عن إعطاء أرض للبطريرك صاحب أسطورة الأطفال "أبرام" و المشهور عندهم بـ"أرض إسرائيل" من النيل إلى الفرات. "هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات".
و كان بيلكند في المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد عام 1897، أوضح أن نهر الأردن يقسم "أرض إسرائيل" إلى قسمين مختلفين وهو ما اعتمدته الجهات الاستيطانية الصهيونية بعد ذلك المؤتمر كحدود منشودة "لدولة إسرائيل"، ليأتي بعد ذلك ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء في "اسرائيل" و زعيم حزب العمل آنذاك، ويعاود استخدام المصطلح لكن هذه المرة بشكل أكثر رحابة من ذي قبل، ليصف القصد به أن تواجد اسرائيل مهدد من البلدان المحصورة في مصر بالغرب وحتى العراق في الشرق.
ولم تقف التأويلات الصهيونية لهذا النص المقدس يوماً، بل دأب ساسة الاحتلال على استخدامها بشكل أو بآخر بما يخدم و يعزز أجندتهم السياسية أو إمكانياتهم الواقعية، و على سبيل المثال، ظهر في عام 1979 يغئال ألون، و هو زعيم آخر في الحركة اليسارية الصهيونية، أشار إلى أن فلسطين التاريخية تعتبر "الأرض الغربية لإسرائيل" أما الدولة الأردنية الحديثة فهي "الأرض الشرقية لإسرائيل"، و هو ما يعطي انطباعاً عن أسس التفكير الإسرائيلي في تلك المرحلة كذلك.
و بعبارة أخرى، على "دولة إسرائيل" الناشئة في فلسطين التاريخية أن تجبر السكان الأصليين على مغادرة أراضيهم أو أن يقبلو العيش تحت حكم الاحتلال الاسرائيلي لهذه المناطق. و لعل هذه الفلسفة هي نفس الفلسفة التي اتبعتها عصابات الآرغون الإرهابية و التي نفذت عمليات قتل وذبح جماعية بحق الفلسطينيين إبان الاحتلال عام 1948. و يحتوي أحد المتاحف التاريخية في تل أبيب و الذي كرس جهده لحفظ آثار هذه الجماعة المتطرفة من ضمن مقتنياته المعروضة على خريطة تضم فلسطين و الأردن فيما سموه بـ"أرض إسرائيل" كانت تخص جماعات الآرغون، الذين تم إلحاقهم في وحدات جيش الاحتلال بعد تأسيس الجيش.
لكن شيوع نظرية "أرض إسرائيل" التي تضم الأردن و فلسطين فقط، لم يكن ليلغي تواجد الفكرة الأصلية في أذهان الجماعات الصهيونية المختلفة. حيث تعتنق جماعة من المستوطنين المتطرفين عقيدة أن "أرض إسرائيل" تمتد من الفرات إلى النيل. و هو ما يعني ضمناً أن الاحتلال الاسرائيلي يجب أن يشمل أجزاءً من سوريا و العراق و مصر وكل الضفة الغربية و قطاع غزة و الأردن، بل إنه يمتد ليشمل أجزاءً من تركيا و الكويت و السعودية كذلك.
ورغم شيوع هذه الفكرة بين المتدينيين في المجتمع الاسرائيلي، إلا أن ما يعرف بمجلس "حكماء اليهودية" لا يحظى بسلطة كبيرة في الدولة إذا ما قورن بحركة المعبد. و التي تضم مجموعة من المتطرفين يعملون على هدم المسجد الأقصى – ثالث أقدس مسجد في الإسلام – بهدف إقامة معبد يهودي على أنقاضه.
وكان " يسرائيل أرييل" أحد الخامات المتعصبين في إسرائيل قد دعا علناً إلى إقامة إبادة جماعية لغير اليهود القاطنين داخل فلسطين المحتلة، ومع هذا الكم من العنصرية و التعصب في التصريحات إلا أن هؤلاء الحاخامات ما زالوا يحظون بدعم عال وكبير من دولة الاحتلال للاستمرار في اعمالهم الاستفزازية داخل ساحات المسجد الأقصى.
و يبدو أن "اسرائيل" في طريقها للإنجراف بشكل أكبر و أكثر إلى آراء اليمين المتعصب فيها و التي تشدها نحو الحرب و المواجهة مع كل شعوب المنطقة طالما يحظى رجال الدين المتعصبين هؤلاء بكل هذا الدعم من الدولة و هو ما يجعل "إسرائيل" تهديداً حقيقياً للفلسطينيين وجميع شعوب المنطقة.
* اسا ينستانلي: محقق صحافي يقيم في لندن ومحرر مشارك في الانتفاضة الالكترونية
المصدر: ميدل ايست مونيتور - ترجمة: هيثم فيضي