لندن – ترجمة قُدس الإخبارية: كشفت "جمعية خيرية" عاملة في بريطانيا عن عملها كقناة لجمع التبرعات لصالح مستوطنات الاحتلال في القدس والضفة المحتلتين، وما أسمتها "المنظمات الخيرية العاملة في إسرائيل" وغيرها.
وشملت القائمة التي أعلنت عنها مؤسسة "تورميت" العديد من المجموعات العاملة لصالح مستوطنات الاحتلال التي يعتبرها القانون الدولي تجمعات غير شرعية تكرس التمييز والفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفق ما وصفت اللجنة العليا المسؤولة عن الجمعيات الخيرية في بريطانيا.
وضمت قائمة الجمعيات التي تتلقى مساعدات مالية من هذه المؤسسة المدرسة العليا للدراسات البيئية "يشيفا" الواقعة في مستوطنة سوسيا، والتي تسببت لأكثر من مرة بطرد سكان قرية سوسيا الفلسطينيين التي أقيمت على أراضيهم، بل تعدى الأمر ليشمل موجة من الاعتداءات التي نفذها سكان المستوطنة بحق أصحاب الأرض، كما أن المستوطنة و المدرسة كذلك مخصصة لـ"خيرة أبناء الديانة اليهودية في الكيان" حسب وصف المدرسة، و هو ما يعني مزيداً من التطرف والاعتداءات على الفلسطينيين.
كما ضمت القائمة أيضاً مؤسسة "شافي شيفرون" و هي مدرسة دينية بنيت في قلب مدينة الخليل، وتخضع لحراسة مشددة من قوات الاحتلال تجعلها أقرب ما تكون إلى قلعة محصنة من العصور الوسطى.
ووفقاً لصحيفة "تايمز أوف اسرائيل"، فإن هذه المدرسة كانت سبباً رئيسياً في إغلاق شارع الشهداء في قلب مدينة الخليل أمام حركة الفلسطينيين منذ 15 عاماً.
وبموجب القانون البريطاني، فإنه يحظر على أي مؤسسة خيرية توفير التمويل أو الدعم لأي مؤسسة أخرى تسهم في تعزيز التطرف أو إيجاد العداء بين المستفيدين، و يشمل هذا القانون جميع الأعمال الخيرية المختلفة حتى لو كانت لا تؤدي بشكل أساسي لتعزيز التطرف أو العداء بين البشر، بما في ذلك جميع أفعال المعارضة الكلامية أو النشطة لقيم الديمقراطية وسيادة القانون والحرية الفردية والاحترام المتبادل والتسامح بين الديانات والمعتقدات المختلفة.
واحتوت القائمة أيضاً على مؤسسة "أفرات" للتنمية، وهو مؤسسة أقيمت لصالح سكان مستوطنة "أفرات" الواقعة في جنوب الضفة، بالاضافة لمؤسسة "غوش عتصيون" التي توفر الدعم لـ 20 مستوطنة جنوب القدس، عدا عن المؤسسات المختلفة العاملة في مجال تهويد الأقصى ومحاولة إثبات المزاعم بالوجود اليهودي فيه.
وبموجب القانون الدولي تعتبر جميع مستوطنات الاحتلال المقامة على أراضي الضفة وشرقي القدس تجمعات غير قانونية، وهو ما تقره الحكومة البريطانية و الاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة و محكمة العدل الدولية في لاهاي.
وتكاد تحصل مستوطنات الاحتلال المتواجدة في الضفة على إجماع بكونها غير شرعيه و تحض على التمييز، فوفق منظمة العفو الدولية، تعد المستوطنات أداة للتمييز ضد الفلسطيين ومعقلاً لانطلاق الاعتداءات عليهم، ناهيك عن مساسها المباشر بحق الفلسطينيين في السكن اللائق والمياه وسبل الحياة.
وقالت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري سابقا، إن وصف مستوطنات الاحتلال بغير الشرعية لا يكفي، فالمستوطنات تشكل عقبة أساسية أمام انهاء التمييز بين السكان وتحرم الفلسطينيين من حقوقهم البسيطة في الحياة الكريمة والمسكن المناسب.
واكتفى جوني كلاين، الرئيس التنفيذي لمؤسسة "تورميت"، إن القانون يركز على النشاط الخيري من حيث المحتوى بغض النظر عن الموقع الجغرافي للجهة المستفيدة، مدعياً، أن مؤسسته تقدم معوناتها الخيرية لجميع الجنسيات والأديان والأجناس و في كل مكان.
وأضاف كلاين، أن دور مؤسسته يقتصر على إيصال رغبات المانحين لمستحقيها بغض النظر عن القيم الأخلاقية التي يؤمنون بها أو أفعالهم ضد غيرهم، لكن هذا الزعم يخالف ما كشفه التقرير الذي أصدرته مؤسسة "تورميت" نفسها وأكدت فيه أنها تدعم العديد من منظمات الدفاع عن الاحتلال، مثل منظمة مراقبة الأمم المتحدة وصناديق التقارير و مشروع "إسرائيل".
هذا واعترفت وكالة "شورات هادين" بتلقيها دعما ماليا من مؤسسة "تورميت"، بهدف تطبيق خطة " الانتقال من الدفاع إلى الهجوم" التي تهدف لمهاجمة كل من يتم تصنيفهم على أنهم "أعداء إسرائيل" قضائياً، أو الدفاع عن المستوطنين الذين تتم محاكمتهم تحت بند جرائم الانسان ضد الفلسطينيين.
وأعلنت مؤسسة "تورميت" بوصفها ممراً للتبرعات عن ايصالها أكثر من مليون جنيه استرليني لمؤسسات تعمل في دولة الاحتلال خلال السنوات الثلاث الأولى من عملها، حيث شملت معوناتها أكثر من 250 وكالة ومؤسسة استيطانية يدعي كلاين أنها تخضع لمعايير وفحوصات دقيقة بهدف عدم مخالفة المعايير الموضوعة.
وتعليقاً على المعايير التي تستخدمها المؤسسة في عملية تحديد الجهات المستقبلة للتبرعات، أكد كلاين أن مؤسسته تعتمد معاييرخاصة بها، بالإضافة لاستشارة طرف ثالث رفض تسميته، لكن يمكن بكل بساطة استنتاج أن الطرف الثالث ذاك هو حكومة الاحتلال نفسها.
وكلاين الذي يصف نفسه برجل أعمال وناشط اجتماعي، قدم إلى بريطانيا من دولة الاحتلال في عمر 18 عاماً بعد أن قضى خدمته العسكرية في صفوف جيش الاحتلال، وعمل كمتحدث رسمي باسم تجمع مستوطنات "آرييل" المقام على أراضي نابلس حيث كان يقيم سابقاً، وقد أكد أنه عمل سابقا للسلطة الإقليمية في منطقة "شومرون"، حيث تقدم هذه السطلة الخدمات البلدية لنحو 30 مستوطنة شمال الضفة الغربية.
ويعرف عن كلاين أيضاً نشاطه ضمن شعبة اللغة الانجليزية العاملة في حزب "الليكود"، هذا بالإضافة إلى نزوله على قوائم حزب "البيت اليهودي" في الانتخابات البلدية عام 2013، وهو ما أصر كلاين على تأكيده و تأكيد عمله ضمن حزب "البيت اليهودي"، إلا أن التسهيلات التي يحصل عليها من الحكومة البريطانية تثير الكثير من التساؤلات.
فوفق تحقيقات مختلفة، استفادت مؤسسة "تورميت" من هبات مختلفة قدمتها لها الحكومة البريطانية من أموال جامعي الضرائب. و هو ما يضيف المزيد من الأسئلة خاصة مع معرفة الحكومة البريطانية الجيدة لخلفية كلاين المتشددة للمستوطنين، ومعرفتها أيضاً بمصارف المساعدات التي يتلقاها، إلا أنها أصرت على تقديم المنحة للمؤسسة، و هو ما يضع الحكومة أمام انتهاك للقانون الدولي وموضع مساءلة قانوني أيضاً.
وكانت اللجنة المسؤولة عن عمل المؤسسات الخيرية في بريطانيا قد أكدت أن مسؤولية التأكد من عدم استخدام أموال المنح التي تقدمها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية للجمعيات الخيرية تقع على كاهل الجهة المتبرعة، إذ يجب على المتبرع التأكد من تطبيق المؤسسات المستلمة للتبرعات - في فلسطين - كافة قوانين بريطانيا وإلا فإنه يعرض نفسه للمساءلة.
من جهته، قال مدير مجلس التعاون العربي البريطاني كريس دويل، إن هناك تساءلات خطيرة يجب طرحها بعد هذا الكشف الأخير عن جمعيات بريطانية تدعم أنشطة استيطانية في الضفة، فالمستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي والقانون البريطاني كذلك، وأي مساعدة تقدم لها تعد مخالفة للقانون المعمول به في بريطانيا و يعرض مقدم المساعدة للخطر.
و لعل تحقيقاً كهذا يثير الرعب الشديد في نفوس المتضامنين مع الشعب الفلسطيني في بريطانيا، حيث أعربت ساره كولبورن، مديرة حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا، عن أسفها لقيام الحكومة بدفع أموال دافعي الضرائب على شكل تبرعات خيرية لتمويل نشاط استيطاني، و طالبت بمزيد من التدقيق قبل الإقدام على أي عملية تبرع خاصة و أن مؤسسة "نورميت" و غيرها على وشك إطلاق حملة تبرعات جديدة لما يصفوه بأعمالهم الخيرية.
المصدر: ميدل ايست مونيتور – ترجمة: هيثم فيضي