القدس المحتلة-قدس الإخبارية: لا أعرف اذا كان المسؤول الفلسطيني الذي قال بأن اقتحام المسجد الأقصى هو الرد على رفع العلم الفلسطيني في هيئة الأمم المتحدة يعيش على أرض الواقع أم يحلق في احلام المفاوضات العبثية، على اعتبار انه مهندسها.
فالاقتحام الذي جرى للمسجد الأقصى أمس واليوم بهذا الشكل والحجم وما جرى فيه من وحشية من قبل جيش الاحتلال ورجال شرطته ومخابراته في الاعتداء على المرابطين والمرابطات وطلاب العلم وحراس وموظفي المسجد الأقصى والمعتكفين والشباب الفلسطيني، بإطلاق مئات القنابل الصوتية والرصاص المعدني المعلف بالمطاط والغازات السامة بأسمائها وأشكالها المختلفة، وكذلك التحطيم والحرق والتخريب المتعمد في سجاد المسجد القبلي وقص حمايات النوافذ وتخريب حاكورة المسجد القبلي، وتكسير الأبواب والساحات وتحطيم النوافذ، وكذلك الاعتداءات المتعمدة التي طالت كل من وجد من رجال الصحافة والإعلام والمصورين الصحفيين في محيط المسجد الأقصى، وأيضاً لم تشفع لأعضاء الكنيست العرب الذين تواجدوا في الأقصى حصانتهم من الاعتداء عليهم من قبل قوات الاحتلال.
هذا الهجوم الوحشي بهذه الطريقة على المسجد الأقصى، والذي هو ليس فقط نتاج الدعوات التي تطلقها اتحاد منظمات الهيكل المزعوم على مواقعها الإعلامية وصفحات تواصلها الاجتماعي بدعوة الصهاينة والمستوطنين للمشاركة بشكل واسع في الاقتحامات للمسجد الأقصى وإقامة الشعائر والطقوس التوراتية والتلمودية في ساحاته، بل هذا نتاج استراتيجية وسياسة منظمة للحكومة الإسرائيلية، التي كل مكوناته ومركباتها السياسية تدعم بل وتشارك في عملية الاقتحام وتقديم الدعم للجمعيات الاستيطانية والتوراتية في عمليات الاقتحام، بدلالة تزعم وزير الزراعة الإسرائيلي المتطرف "اوري ارئيل" لأولى عمليات الاقتحام مع (30) من المستوطنين، وقد كشفت صحيفة "هارتس" الإسرائيلية قبل ثلاثة أيام عن مخططات تقسيم المسجد الأقصى الزمانية والمكانية التي وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية في جلستها التي عقدتها مؤخراً، حيث قالت إنها ترى أن الأوضاع والظروف الفلسطينية والعربية مؤاتية وتوفر فرصة ذهبية لاستكمال التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى حتى نهاية العام الحالي، فالحالة الفلسطينية تعاني من الضعف والانقسام، أما الحالة العربية فهي تعيش حالة من الانهيار وحروب التدمير الذاتي، وللتدليل على ذلك قال نتنياهو خلال زيارته مؤخراً لبريطانيا ولقاءه برئيس وزرائها "كاميرون"، بأن العديد من الدول العربية تقف الى جانب مطلب "إسرائيل" في يهودية الدولة وهي تقول ذلك في الاجتماعات المغلقة ولكن لا تجرؤ على قول ذلك علناً.
وفي إطار تنفيذ الحكومة الإسرائيلية لمخططاتها في التقسيم الزماني والمكاني، شرعت في تنفيذ سلسلة من الإجراءات تمكنها من تطبيق ذلك بشكل سريع وبدون أية عراقيل أو معيقات، حيث أصدر وزير الجيش الإسرائيلي "موشيه يعالون" قراراً باعتبار مصاطب ومجالس العلم "المرابطون" و"المرابطات" كجمعية غير مشروعة، وهذا القرار لقي ارتياح وموافقة وترحيب وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي "جلعاد أردان"، ناهيك عن وضع قائمة بأسماء اكثر من (65) من المرابطات على أبواب المسجد الأقصى لمنعهن من الدخول الى المسجد، بحجة أن هؤلاء المرابطات يخلقن الفوضى ويعيقن أداء المصلين من مختلف الديانات لشعائرهم الدينية، والمقصود هنا تصدي المرابطات للمتطرفين الصهاينة الذين يقتحمون المسجد الأقصى، والذي هو مكان عبادة مقدس للمسلمين دون غيرهم، وقول وزير جيش الاحتلال هذا يستهدف شرعنة حق المستوطنين في الصلاة وإقامة شعائرهم التوراتية والتلمودية في الأقصى، وكذلك حكومة الاحتلال وشرطته تعمل على اعتقال الأهالي وفرض عقوبات بالسجن والغرامة والإبعاد عليهم، وحتى الأطفال لم يسلموا من تنكيل قوات الاحتلال وبطشها، حيث أكثر من (200) طفل فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال، عدا من فرض عليهم الحبس المنزلي في بيوتهم، أو في بيوت أخرى وما يسببه ذلك من مشاكل ومعاناة للأهل والأطفال.
واضح بأن حكومة الاحتلال والتي تنسق خطواتها مع الجمعيات والمنظمات التلمودية والتوراتية المختلفة، مع حلول الأعياد اليهودية المستمرة حتى 6/10/2015، تريد أن تخلق وقائع جديدة بالقوة، بتكثيف الاقتحامات وبإبعاد المرابطين والمرابطات وإخلاء المعتكفين من المسجد الأقصى لترسيم عملية التقسيم الزماني أولاً، ويستتبع ذلك السيطرة على الساحات الفارغة وخاصة الواقعة ما بين المسجد القبلي وحائط البراق، والمحاذية لحائط البراق، ليجري ضمها الى المكان الذي يمارس فيه المتطرفون الصهاينة شعائرهم وطقوسهم الدينية والتوراتية.
الاحتلال ربما يدفع بتحويل الصراع الى صراع ديني، فيما يقوم به من اعتداءات وحرب شاملة على المقدسيين والأقصى، حيث الاستيلاء المتواصل على المنازل العربية بالخداع والتضليل أو التسريب من خلال ضعاف النفوس والمتعاونين، وزرع المزيد من البؤر الاستطيانية في القدس، وإيجاد الصلات والروابط فيما بينها، عبر الاستيلاء على الأراضي العامة والوقفية كحدائق عامة وتوراتية في البداية ليجري تحويلها الى بؤر استيطانية لاحقاً، كما جرى في ال(1300) دونم الواقعة ما بين الطور والعيسوية، ومحاولة السيطرة على (%40) من مقبرة باب الرحمة وغيرها.
ما ينتج عن إجراءات الاحتلال وممارساته العنصرية وجرائمه من عقوبات جماعية بحق المقدسيين، وطرد وتهجير وتطهير عرقي، واعتقالات و"تسونامي" استيطاني، وهدم جماعي للمنازل والاقتحامات المتواصلة للمسجد الأقصى، كلها تدفع نحو تحول الهبات الشعبية الجماهيرية في القدس، والمشتعلة منذ 2/تموز /2014، تاريخ خطف وتعذيب وحرق الشهيد الفتى أبو خضير حياً، وحتى اللحظة الراهنة، وسقوط ما لا يقل عن ( 12) شهيداً مقدسياً، ومئات الجرحى واكثر من ال(2000 ) معتقل إلى انتفاضة شعبية عارمة، وهذه الممارسات والمعطيات مؤشر على ان مرجل الانتفاضة المقدسي يغلي، وقد ينفجر في أي لحظة بفعل شرارة او عمل احمق وطائش تقدم عليه حكومة الاحتلال ومستوطنيها، كعملية حرق الفتى الشهيد أبو خضير حياً، او السيطرة على الأقصى عبر الهدم او ارتكاب مجزرة فيه، فهذه عوامل قد تجعل من اندلاع الانتفاضة الناضجة ظروفها الموضوعية، والمقيدة والمكبلة شروط اندلاعها الذاتية بغياب الإرادة السياسية الفلسطينية، ومواصلة التنسيق الأمني مع المحتل، ولكن هذه الشروط يمكن أن تتجاوزها الإرادة المقدسية، وتفرض شروط اندلاعها على أصحاب القرار الفلسطيني، والذين قد يجدون أنفسهم فاقدين للسيطرة عليها واللاهثين في ذيل الحركة، او انهم في ظل انسداد الأفق السياسي، قد يجدون بأن اندلاع تلك الانتفاضة قد يخدم رؤيتهم وموقفهم ومشروعهم السياسي، ولكن ما هو متأكد منه بأن الجماهير لن تسمح في انتفاضتها بإعادة إنتاج الطبقة السياسية ذاتها المسؤولة بشكل مباشر عن الأزمة البنيوية للمشروع الوطني والكابحة لانتفاضتها والمستثمرة لنضالاتها وتضحياتها، لكي تعيدها لرأس قمة الهرم القيادي.